أخبار السودان

غرب كردفان.. محنة ولاية بين اتفاقيات السلام

تقرير – إيمان فضل السيد

“ولاية غرب كردفان باقية رغم عن أنف أي زول” هكذا قالها الناظر مختار بابو نمر عندما اعتلى المنبر وأكمل حديثه المقتضب بنبرة تحذيرية “التمرد نحن ما دايرنو لكن رقبتنا، بنحميها والحلو اليشوف ليه شغله غيرنا” ولم يزد. فهاجت وماجت القاعة بالتصفيق وزغردت الحكامات.

نهار السبت المنصرم، سادت نبرة التحدي والتلويح بالتمرد حال مضى الاتفاق الإطاري بجوبا في اتجاه تذويب ولاية غرب كردفان.

كان هذا (النَفس الحار) في القاعة الباردة بنادي الشرطة ببري، حيث اجتمع أبناء ولاية غرب كردفان بمختلف سحناتهم إضافة إلى إداراتهم الأهلية وتباروا في التعبير عن رفضهم القاطع لتذويب ولايتهم وضمها داخل إقليم آخر. واعتبروا أن اللقاء التشاوري الذي جمعهم برعاية والي الولاية حماد صالح فرصة لإخراج الهواء الساخن والحديث عن حاضر ومستقبل الولاية بطرح مشاكلها والاتفاق على رؤية توحد أبناءها ضد كل ما يهدد وجودها.

ورقة الاتفاق الإطاري التي طرح عبرها قائد الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو ضم غرب كردفان إلى إقليمه المقترح “جبال النوبة”، جعلت أبناء الولاية يتمثلون مثلهم الكردفاني القائل “درب الخيل غطى على درب الجمل” ما يعني أن أطماع الحلو في ولايتهم وحدت؛ كلمتهم وطغت على كل الخلافات.

وربما بشكل أو بآخر أبلغ أبناء غرب كردفان رسالتهم التهديدية إلى الحكومة عندما أشار أكثر من متحدث بالقول “الولاية لو ذابت سوف نعلن التمرد”، وتحدث ممثل الجبهة الثالثة تمازج من أبناء الولاية خلال الملتقى عن قدراتهم العسكرية وكيف أنهم مؤهلون لحماية حقهم وأن الحلو لا يستطيع ان يذوب ولايتهم، مؤكدين تمسكهم باتفاق السلام في جوبا الذي حقق مكاسب كبيرة لمواطني الولاية وأعطاهم حق الحكم الذاتي الذي يضمن لهم حقاً كاملاً في الموارد وكفل للولاية التحكم في الحدود والمعابر وحماية البترول. وأشار متحدث تمازج إلى أنهم يمكن أن يكونوا ضمن إقليم كردفان إذا أصبحت كردفان إقليم بثلاث ولايات، أما إذا لم تكن هناك أقاليم فإنهم سيحمون ولايتهم بكافة السبل. أما متحدث الحركة الشعبية فقد أكد أن القادة الميدانيين لكل حركات الكفاح المسلح من أبناء ولاية غرب كردفان. وما هذا إلا دليل على أن خميرة التمرد بغرب كردفان جاهزة عسكرياً.

واعتبر بعض المتحدثين في اللقاء ما وصفوه بهرولة السلطة نحو الحلو هي التي جعلته يطالب بضم غرب كردفان إلى كاودا وكان يمكن أن يتمادى ويطالب بضم اجزاء من دارفور أيضاً أو كما قال عضو قيادة حزب البعث الأصل البخيت النعيم الذي أدار حلقة النقاش كونه من أبناء الولاية “الحلو شطح في ورقته ولم يكن موضوعياً ولعله طمع في ثروات الإقليم”. كما أشار بعض المتحدثين إلى اتفاق نيفاشا الذي خرج بتذويب ولاية غرب كردفان واعتبروا ما حدث خطأ استراتيجياً ارتكب في حق الولاية في السابق يجب ألا يتكرر، وذلك بعدم زجها في مفاوضات السلام الجارية، واعتبروا أن أي تغيير ديموغرافي سيكون مجحفاً في حق الولاية وسيهدد الموروث الاجتماعي الذي بداخلها.

رئيس حزب الأمة القومي اللواء معاش برمة ناصر كان من المتحدثين في اللقاء بصفته أحد أبناء الولاية وتطرق في كلمته إلى الظلم الذي تعيشه الولاية في التعليم والصحة وقضايا الحوكمة وأنها تعاني من الجفاف والتصحر وسوء البيئة والتخلف. وطالب ناصر بحقوق الولاية كاملة وإزالة الظلم داخل الحدود نفسها التي قال إنها قديمة قدم التاريخ إذ تم ترسيمها قبل الحكم التركي.

من جانبه، لفت المؤرخ عبد الرسول النور نظر المجتمعين إلى عدم الانزعاج من مسألة الحدود باعتبار أنها محسومة مسبقاً أما فيما يخص التقسيم الإداري فقال: إما أن نرجع لنظام الأقاليم ونصبح ضمن إقليم كردفان أو يظل نظام الولايات، وهذا يكفل لكل من لهم إمكانية إقامة ولاية الحق في ذلك، على أن تتحمل المنطقة النتائج المالية لهذا القرار. واستشهد النور في ذلك بقوله “الوثيقة الدستورية حددت أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات أما التكوينات الإدارية فهي تنظيمات اجتماعية وليست بديلا عن المواطنة”.

خرج الملتقى بعدد من التوصيات تم تسليمها إلى والي الولاية حماد عبد الرحمن صالح وكان من أهمها الإبقاء على ولاية غرب كردفان بحدودها الحالية، ومساندة ذلك بقيام وقفة احتجاجية ترفض إدخال ولاية غرب كردفان في تفاوض جوبا، كما خرجت توصيات بتشكيل مجلس استشاري لأبناء الولاية بالخرطوم وتقريب الشقة بين المكون الشمالي والجنوبي في الولاية للدخول إلى مؤتمر نظام الحكم برؤى موحدة ورفض مبدأ الاستفتاء وعقد مؤتمر لبحث قسمة السلطة في الولاية لإزالة المظالم، وإنهاء أزمة الحدود وعقد مؤتمر تشاوري لوضع أبيي مع تكوين لجنة للإعداد لمستقبل الولاية.

ولاية غرب كردفان ذات مساحة شاسعة وتمتاز بالتنوع القبلي الذي يشكل ثراء لها إذا تمت إدارته بالشكل الصحيح كما انها الولاية الغنية بالثروات الطبيعية المتنوعة (حيوانية وزراعية ومعدنية وعشرات الحقول البترولية) لذلك يراها مراقبون مطمعاً لمختلف الحكومات باعتبار أنها تشكل موردا للخزانة العامة. إذا وبلا شك تعتبر المحافظة على أمن وسلامة ولاية بهذه المواصفات ليس فقط ضرورة مرحلة وإنما توجه استراتيجي لدولة قاست مرارة الحروب وهدر الموارد، وترزح تحت خط الفقر.

مداميك

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..