أخبار السودان

سد النهضة والمصير المجهول لدول المصب

إيمان فضل السيد

لا يمكن فصل إحالة ملف سد النهضة من مجلس الأمن إلى مظلة الاتحاد الأفريقي، عن التحوُّلات التي قلبت موازين القوى في شرق أفريقيا، وعلى منطقة حوض النيل على وجه الخصوص؛ فعلى ما يبدو أن أديس أبابا باتت ممسكة بخيوط اللعبة الدبلوماسية الدولية في ملف سد النهضة، إلى الحد الذي جعل أجواء النفوذ تتغيّر في سماء القاهرة بشكل غير مسبوق، فربما أن سطوة النفوذ السياسي والاقتصادي، ومنظومة العلاقات الدولية والإقليمية التي مكّنت مصر في الماضي من الحفاظ على أقوى نفوذ في منطقة حوض النيل، طوال عقد من الزمان، انعكست اليوم بشكل ملحوظ، إذ لا يبدو أن هناك أي دولة أو جهة راغبة في ممارسة ضغوط حقيقية على أديس أبابا لتقديم تنازلات لتقريب وجهات النظر مع دولتي المصب مصر والسودان.

وذات اللغة التي استخدمتها أديس أبابا طوال الفترة الماضية منذ بداية عمل وتشغيل سد النهضة، والتي انطوت على تحدٍّ وثقة كبيرين في تعاملها مع الملف، بفرض موقفها وإبداء عدم المرونة في التراجع عنه مهما كلف الأمر، كانت حاضرة في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، والتي قال فيها وزير الري الإثيوبي حرفياً: “إن اثيوبيا لن تتنازل عن مضيها قدماً في ملء السد، وإنها لن تستجيب لأية ضغوط سياسية”.

وهذا يجعل التوقعات مفتوحة لردة الفعل الأخرى لكل من السودان ومصر حيال الإصرار الإثيوبي، خاصة بعد البداية الفعلية لعمليات الملء الثاني لبحيرة السد. وكل من القاهرة والخرطوم اعتبرتا أن بداية الملء الثاني ليس مجرد انتهاك لاتفاقية عام 2015 فحسب، بل يشكل تهديداً وجودياً لـ (150) مليون شخص في دولتي المصب.

مجلس النواب المصري، في جلسته التي عُقدت نهار أمس الأحد، وصف موقف إثيوبيا بشأن سد النهضة بالمتعنت وغير المبرر. وأشار رئيس المجلس، حنفي جبالي، خلال كلمته أمام النواب، إلى أن مصر ترفض تعنت إثيوبيا جملةً وتفصيلاً لتأثيره السلبي على أمنها المائي، وأضاف: “القاهرة لن تدخر جهداً للدفاع عن حقوقها المائية والحفاظ عليها”. وشدد حنفي على أن مصر لا تعتدي، بل تدافع عن حق شعبها. وأردف: “التوصل لاتفاق عادل لقضية سد النهضة يمنع انزلاق المنطقة نحو الصراع”.

ويبدو أن الاتفاق العادل في نظر كلا الطرفين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر من جهة أخرى، يختلف جملةً وتفصيلاً. إذ تنظر أديس أبابا إلى أن المشروع الذي بلغت تكلفته (5) مليارات دولار، ضروري لتعزيز التنمية الاقتصادية وإمداد الغالبية العظمى من سكانها بالكهرباء، وأنها لن تتوانى في تحقيق الاستفادة القصوى منه. بينما ترى كل من القاهرة والخرطوم أن المشروع الاقتصادي الإثيوبي الكبير يهدد حياة الملايين وتنطوي نتائجه على مخاطر فادحة على شعب وأراضي الدولتين.

مخاطر سد النهضة على السودان

معلومات رسمية أشارت إلى أن الملء الأول لسد النهضة، أدى إلى أسبوع من العطش في السودان، وأثر على الري واحتياجات الثروة الحيوانية والمنازل والصناعة. أما الملء الثاني للسد فيصفه مراقبون بأنه قنبلة مائية، إذ يستلزم ضخ كميات مائية أكبر من طاقة السدود السودانية المقامة على نهر النيل الأزرق، ما ينذر بحدوث كوارث.

خبراء يؤكدون أن من الأضرار التي يمكن أن يلحقها سد النهضة الإثيوبي بالسودان أنه سيؤثر سلباً على نحو (50) ألف فدان من أصل (100) ألف فدان تعتمد على الري الفيضي، يقع أغلبها في ولايات نهر النيل والنيل الأزرق وسنار. كما أن السد يهديد ما يقدر بنحو (20) مليون نسمة في (3) مواسم زراعية بعد اكتماله.

وسيتسبب السد في حجز الطمي، الأمر الذي سيحرم السودان من المغذي الطبيعي لأراضيه، مما يتطلب استخدام الأسمدة الصناعية، سواء بالاستيراد أو بالتصنيع، والذي بدوره يتطلب كميات من الكهرباء أكبر من التي سيحصل عليها السودان من سد النهضة. كما سيؤدي إلى توقف صناعة الطوب الأحمر، علاوة على تسببه في انخفاض منسوب المياه على نهر النيل الأزرق، الأمر الذي سيحول الري بالراحة إلى الري بالرفع، بتكاليفه العالية، خاصة مع نقص الكهرباء والمواد البترولية في البلاد.

ويعتبر غياب المعلومات والبيانات وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل سد النهضة بسبب رفض الجانب الإثيوبي، عقبة كؤوداً على تشغيل خزان الروصيرص في السودان، إذ يعتمد خزان الروصيرص في تشغيله على إيراد النهر الطبيعي، والآن سيعتمد على كميات النهر الواردة من سد النهضة، وبالتالي غياب اتفاق ملزم ومرض لجميع الجهات سيشكل خطورة كبيرة.

ويؤكد خبراء أن أي نقص في تدفق النيل الأزرق ستكون تبعاته خطيرة على السودان لعدم توفر سدود تخزينية كافية، تستطيع تعويض هذا العجز المتوقع. وتشير التوقعات إلى انخفاض كميات المياه الواردة من النيل الأزرق خلال الفترة من شهر أبريل حتى نهاية سبتمبر من كل عام، وهذا من شأنه أن يقلل من كميات المياه الواردة لمحطات مياه الشرب.

بملء سد النهضة يتأثر قطاع نهر النيل الأبيض بين منطقتي الجبلين في جنوب السودان إلى جبل أولياء جنوب العاصمة الخرطوم، ما يؤدي لتقليص مساحات الجروف والمراعي بسبب عدم التفريغ الكامل لبحيرة سد جبل أولياء. وستقل كميات المياه في قطاع نهر النيل الرئيسي من الخرطوم إلى مدينة عطبرة شمالي الخرطوم، كما ستنخفض المناسيب بصورة واضحة. وستغمر بحيرة سد النهضة غابات شجرية في السودان ما من شانه أن يشكل خطراً بيئياً على الثروة السمكية في السودان. أما في حال انهيار سد النهضة فستختفي معظم السدود والمدن والقرى السودانية.

المخاطر على الجانب المصري

أما على المستوى المصري، ووفقاً لما يقوله بعض الخبراء، فإنه في أسوأ السيناريوهات، وهو سيناريو الملء السريع، سيفقد قرابة (4) ملايين و(750) ألف مشتغل بالزراعة مصدر دخلهم، وهي نسبة تصل إلى حوالي ثلاثة أرباع العاملين بالقطاع.

أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فهو الملء على سنوات بعيدة تصل (29) سنة وقواعد واضحة للتشغيل، وبهذا فإن مصر ستفقد (3) مليارات متر مكعب سنوياً من المياه، وهي خسارة يمكن تعويضها والتعامل معها بحلول بديلة.

في حال التشغيل الخاطئ لسد النهضة يمكن أيضاً تضرر إنتاج الكهرباء من السد العالي، وقد تتوقف تماماً عن العمل في حال حدوث تراجع كبير في منسوب النهر لسنوات طويلة يتم خلالها السحب من مخزون بحيرة ناصر المغذية للسد العالي لتعويض تراجع تدفق النيل، مما يؤدي إلى انخفاض منسوب البحيرة إلى مستويات قد لا تكون قادرة على تشغيل توربينات السد.

ويتسبب السد في نضوب مخزون المياه الجوفية، وهو المصدر الثاني للمياه في مصر، حيث تقول بعض الدراسات إن مخزون المياه الجوفية مهدد بفقدان (6) مليارات متر مكعب من المياه فقط، بسبب التراجع المحتمل لمنسوب المياه في بحيرة ناصر أمام السد العالي. كما يؤدي إلى تآكل الدلتا المصرية، وربما حتى اختفاء أجزاء منها نتيجة تراجع منسوب النيل، ما يؤدي إلى دخول مياه البحر المتوسط وزيادة معدلات ملوحة التربة. علاوة على تراجع محصول الثروة السمكية النيلية التي تعتبر مصدراً رئيسياً للمصريين خاصة أسماك البلطي والبوري، وزيادة معدلات التصحر، وما يمكن أن يسببه ذلك من تغيّرات مناخية تتمثل في تقلبات بالطقس وارتفاعات حادة في درجات الحرارة.

ووفق معلومات من بيانات رسمية ودراسات علمية وتصريحات خبراء في مجال المياه والسدود، فإن من الأضرار التي يمكن أن يلحقها سد النهضة الإثيوبي بمصر هي ازدياد حدة المخاطر في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وكذلك في حالة التعبئة السريعة لخزان سد النهضة، وتآكل الرقعة الزراعية بنسب تتفاوت وفقاً لبعض الدراسات وتقديرات الخبراء تصل إلى نحو ثلث الرقعة الزراعية المصرية. وهذا ما يفسر تمسك مصر بضرورة أن يكون هناك اتفاق قانوني ملزم للتعبئة والتشغيل، وأن يكون ذلك وفق قواعد ثابتة ومحددة لا يمكن تغييرها من جانب واحد.

وتؤكد دراسة أعدها أكاديميون بجامعات أميركية أن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة تصل (72%) في أحد أسوأ السيناريوهات. وتقول بعض الدراسات إن كل (5) مليارات متر مكعب من المياه تنقص من حصة مصر يعني بوار مليون فدان من إجمالي مساحة الرقعة الزراعية في مصر البالغة نحو (8.5) ملايين فدان.

وترى الدراسة الأكاديمية الأميركية آنفة الذكر أن موارد مصر المائية مهددة بالتراجع بمقدار (31) مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يعادل أكثر من ضعف حصة مصر السنوية من مياه النيل والبالغة (55.5) مليار متر مكعب، وذلك في حال تمسكت إثيوبيا بالتعبئة السريعة لخزان السد الذي يستوعب (74) مليار متر مكعب، كما ترى الدراسة أن الخسارة قد تصل إلى (43) ملياراً في حال تمت التعبئة في (3) سنوات فقط.

وبعيداً عن هذه الخسائر البيئية والاقتصادية، يشير خبراء إلى خسائر ثقافية وتراثية وحضارية على اعتبار ما يمثله النيل بالنسبة لمصر، فهو ليس مجرد مورد اقتصادي بقدر ما هو مكون من مكونات الدولة وأحد معالمها الازلية.

بعد نحو (10) سنوات من المفاوضات غير المجدية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، من أجل التوصل إلى اتفاق ثلاثي عادل وملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، لا تزال الأمور مجهولة المصير والتوقعات مفتوحة على مصراعيها.

مداميك

تعليق واحد

  1. نقترح على الحكومة عمل قناة تربط النيل الابيض بالازرق و يستفاد من موسم الفيضان فى الابيض بالتنفيس ف الازرق غالبا من بعد كوستى جنوبا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..