عربي | BBC News

هل تعتقد أن النباتات تتحدث إلينا وتتواصل فيما بينها؟

بينما يعتقد العديد من البستانيين أن التحدث إلى النباتات يشجعها على النمو، هناك حرب كلامية في المجال العلمي بشأن ما إذا كانت النباتات تستمع أو حتى تتحدث.

كان يبدو أن النباتات في حديقة لورا بيلوف تصدر صوتا، لذا وضعت ميكروفون اتصال عند جذور النباتات لكي تسمع جيدا صوت النقرات الخافتة التي تحدث في التربة. وبمساعدة برنامج أعدته على جهاز الكمبيوتر الخاص بها، نجحت لورا في تقليل وتيرة النقرات، بالشكل الذي جعلها مسموعة للبشر.

وبينما كانت لورا تعمل في مكتبها، سمعت صوت زقزقة أو ذبذبة من الجهاز الذي وضعته على النبات، وكأنه يتحدث بسعادة. تقول لورا، وهي فنانة وأستاذة مشاركة في جامعة آلتو في فنلندا: “كان هذا أغرب شيء سمعته على الإطلاق”.

وعندما جاء زائر إلى غرفتها، توقف صوت الطقطقة الذي كان يحدثه النبات. وعندما غادر الزائر، استؤنف النقر من جديد. وفي وقت لاحق، وصل المزيد من الأشخاص وتوقف النقر مرة أخرى، ثم استؤنف عندما رحل هؤلاء الأشخاص. تقول لورا: “ما زلت لا أعرف ما الذي يحدث”.

لقد كان الأمر يبدو وكأن النبات يريد أن يتحدث بصفة خاصة مع لورا.

واستمرت محاولات لورا لاكتشاف النقرات الصادرة عن النباتات أكثر من عامين، ولم تكن هذه المحاولات مستمرة لكنها كانت على فترات متقطعة. ولا تزال لورا غير متأكدة مما كان يحدث.

لقد كانت الأجهزة التي تستخدمها غير متطورة ومنخفضة التكلفة، إذ كانت تستخدم ميكروفونًا بسيطًا تعترف هي نفسها بأنه كان من الممكن أن يلتقط أصوات الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في التربة أو أي مصادر أخرى، وليس بالضرورة صوت النبات.

وبالتالي، فإن استنتاج أن النبات كان يحدث صوتا، أو أنه كان يتفاعل مع الأشخاص الذين يدخلون الغرفة، هو مجرد تكهنات في هذه المرحلة.

لكن احتمال حدوث ذلك، ولو بنسبة ضئيلة، هو ما أثار اهتمام لورا، التي تقول: “هل يحدث ذلك حقًا بهذه الطريقة؟ هذا هو السؤال”.

يبدو أن بعض النباتات تستجيب للاهتزازات والإشارات الكيميائية والأصوات، لكن فكرة "التواصل" لا تزال مثيرة للجدل
يبدو أن بعض النباتات تستجيب للاهتزازات والإشارات الكيميائية والأصوات، لكن فكرة “التواصل” لا تزال مثيرة للجدل
 

في الحقيقة، هناك الكثير من التفاصيل الهامة التي لا نعرفها عنالنباتات وحياتها. وفي الوقت الحالي، هناك نقاش بين الأشخاص الذين يدرسون النباتات حول مدى اتصال الزهور والشجيرات ببعضها بعضا، أو مع الكائنات الحية الأخرى. وإذا كان ذلك يحدث بالفعل، فهل هذا يعني أنها كائنات تتحلى بالذكاء؟

ويسفر البحث العلمي باستمرار عن اكتشافات جديدة حول تشابك النباتات وقدراتها المذهلة. وهناك احتمال أن تكون النباتات أكثر تعقيدًا مما يفترضه البعض. ومع ذلك، فإن الفكرة التي تفترض أنه يمكن للنباتات أن “تتحدث” إلى البشر هي فكرة مثيرة للجدل.

لكن هذا لا يمنع بعض الأشخاص من محاولة الهمس إلى النباتات ومحاولة إشراكها في محادثة.

وقد خطرت للورا فكرة الاستماع إلى جذور نباتاتها بعد أن قرأت عن التجارب التي أجرتها مونيكا غاغليانو وباحثون آخرون. وعلى مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، نشرت غاغليانو، التي تعمل في جامعة غرب أستراليا، سلسلة من الأوراق البحثية التي تشير إلى أن النباتات لديها القدرة على التواصل والتعلم والتذكر.

ودائما ما كانت تطالب بضرورة أن يعطي العلماء اهتمامًا أكبر لحقيقة أن النباتات يمكنها نقل المعلومات واستردادها صوتيًا.

وفي دراسة أجريت عام 2017، أظهرت غاغليانو وزملاؤها أن النباتات تبدو قادرة على استشعار صوت اهتزاز الماء عبر جذورها، وهو ما قد يساعدها في تحديد موقعها تحت الأرض.

وتؤمن غاغليانو بقدرة النباتات على التواصل، وتقول: “هناك دليل واضح على ذلك”.

وفي ورقة بحثة جرى الاستشهاد بها كثيرًا ونُشرت في عام 2012، أشارت غاغليانو وزملاؤها إلى أنهم اكتشفوا أصوات نقر صادرة عن جذور النباتات. واستخدم الباحثون مقياس اهتزاز بالليزر لاكتشاف هذه الأصوات عند أطراف الجذور مباشرةً.

تقول غاغليانو إنه جرى تجربة الليزر على الجذور عندما غُمرت بالماء في بيئة معملية، لضمان أن الأصوات المكتشفة كانت تنبعث بالفعل من الجذور نفسها، وليس من أي مكان آخر.

ومع ذلك، فإن التأكيد على أن هذه النقرات لها أي وظيفة تواصلية يتطلب مزيدًا من الأدلة. وتقول غاغليانو إنها لاحظت استجابة جذور النباتات للأصوات بترددات مماثلة من خلال تغيير اتجاه نموها.

ولا تزال هناك شكوك حول ما يعنيه هذا، على وجه التحديد. وقد أثارت غاغليانو أيضًا استغراب الكثيرين عندما زعمت أنها سمعت، في أماكن غير مخصصة للتجارب العلمية، نباتات تتحدث معها باستخدام كلمات.

وتقول إن هذه التجربة “خارج المجال العلمي البحت”، وتشير إلى أنه لا يمكن لمراقب خارجي أن يقيس الأصوات التي سمعتها هي بأدوات المختبر. لكنها متأكدة تمامًا من أنها لاحظت أن النباتات تتحدث معها في مناسبات متعددة.

وتقول: “لقد كنت في مواقف سمع فيها العديد من الأشخاص الآخرين، ولست أنا وحدي، نفس الشيء”.

ظهر أن جذور الأشجار والنباتات تستخدم الإشارات الكيميائية للتواصل
ظهر أن جذور الأشجار والنباتات تستخدم الإشارات الكيميائية للتواصل
 

ومهما كان رأيك في هذه الادعاءات، فقد كشفت أبحاث حديثة أجرتها فرق علمية متعددة، عن مجموعة متنوعة من الرؤى والنظريات الرائعة حول النباتات والصوت. فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين في إسرائيل في عام 2019 أن النباتات تزيد من كمية السكر في رحيقها عندما تتعرض لصوت طنين نحلة.

قد تفعل النباتات هذا لمكافأة الحشرات، مثل النحل، التي تلقحها عند استرجاع الرحيق. وبعض الحشرات الأخرى تحصل على الرحيق دون جمع أو نشر أي حبوب لقاح، وهو الأمر الذي لا يفيد النبات. وكانت المرة الوحيدة التي زاد فيها محتوى السكر قد حدثت عندما عرّض الباحثون النباتات في دراستهم لأصوات نحلة، أو ضوضاء بنفس التردد.

وتشير دراسات أخرى إلى مجموعة كاملة من الطرق التي تؤكد أن الأصوات مهمة جدا للنباتات. فعلى سبيل المثال، فإن النباتات التي تتعرض لصوت لمضغ اليرقات تنتج المزيد من المواد الكيميائية لمنع التغذية عندما تتعرض لاحقًا ليرقات حقيقية جائعة.

إن مثل هذه الدراسات جعلت الناس يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم التأثير على النباتات باستخدام صوت مصمم خصيصا لذلك. لذلك، صممت منظمة صينية تسمى “مركز تشينغداو لبحوث الهندسة الزراعية الفيزيائية”، جهازا لبث الصوت إلى النباتات. ويزعم مصممو هذا الجهاز أنه يزيد إنتاج النباتات، ويقلل الحاجة إلى الأسمدة.

لكن ديفيد روبنسون، من جامعة هايدلبرغ في ألمانيا، ينتقد هو وآخرون بشدة الادعاءات بأن النباتات ذكية، أو أنها تستطيع التواصل فيما بينها مثل البشر. وعلى الرغم من أن استجابات النباتات للمنبهات الصوتية مثيرة للاهتمام، إلا أنها محددة مسبقًا وجامدة، كما يقول روبنسون، الذي يضيف: “لا علاقة لذلك بعملية التفكير”.

ولا تمتلك النباتات خلايا عصبية، وهي الخلايا التي تنقل المعلومات عبر الإشارات الكهربائية في أدمغة الحيوانات. ويقول روبنسون إن النباتات بشكل عام تفتقر إلى آلية التفكير. ومع ذلك، يمكن القول إن المعلومات تتحرك داخل النباتات، عن طريق الإشارات الكيميائية.

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة أن النباتات يمكن أن تتعلم هي أيضًا محل خلاف. لقد حاول أحد الباحثين تكرار نتائج الدراسة عن التعلم في النباتات والتي أجرتها غاغليانو وزملاؤها، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى نفس النتيجة.

ويقول روبنسون إنه لا يستبعد احتمال أن النباتات لا تزال قادرة على مفاجئتنا بأمور لم نكن نتوقعها، لكنه يصر على ألا نحاول مقارنة قدراتها التواصلية بقدراتنا نحن البشر، وألا نحاول التحدث معها.

ويقول: “أعتقد أن ما يحاول الكثير من الناس فعله هو إضفاء الطابع الإنساني على النباتات لجعلها أكثر شبهاً بنا”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..