مقالات سياسية

نَياشين الخَلا

عبد الله الشيخ

تحية لقراء صحيفة (الجريدة) التي أتشرف بالانضمام لركبها، فهي صحيفة رصينة وقد كانت واضحة في مواجهة النظام الشمولي – لا أقول السابق – لأن مثل هذه المقالة، على التحقيق، سابقة لأوانها. كانت هناك جريدة بهذا الإسم في عهد الديمقراطية الثالثة، هي محطتي الثانية في دنيا الصحافة.. جمعتني تلك الإصدارة بكوكبة من عشاق مهنة الصحافة ابتداءً من قفشات النحاس، ومحطات عثمان عابدين، ومانشيتات هاشم كرار، ومسألة مرتضى الغالي، وملف سامي سالم الثقافي.. إلخ إلخ .. كانت جريدة الماضي شراكة بين الاستاذ كمال حامد وآل جحا، وأذكر مواقفا في تلك الأيام وأنا شاب ما كان يظن أن الأيام تجعله أقرعا،، أذكر أن تنظيم الجبهة اخترق مجتمع الصحيفة ونخر كالسوس داخلها حتى تفرق جمعنا، ولعل ذاك الاختراق كان إحدى ارهاصات اختطافهم للوطن كله، وهكذا دواليك، فإن أوضاع صحافة الخرطوم ترتبط عضوياً بمناخها السياسي. تحية لقراء صحف الصباح في مدينتنا الحزينة، فهم يتناقصون يوماً بعد يوم، لا بفعل سيادة وسائل الاعلام البديل فقط، وإنما لأن حال الصحافة الورقية لا يختلف عن وضعنا السياسي في عنوانه العريض حيث أداة الحكم حلبة للصراع بين العسكر والمدنيين. إن كانت صحف الخرطوم قد أُبتُلِيت منذ بداية عهد البشير والترابي بـ (نياشين الخلا) التي يتلامع بريقها داخل ميز الضباط، فإن تلك النياشين التي تُوهَب وتُنتَزَع أيضاً، هي بعض حظوظ صحافتنا بأيقوناتها التي تلوذ بنواصي الصفحات وتتصدر مجالس التحليل الاستراتيجي،، فلا تستغرب أحاديث الاستراتيجية في أزمنة الفشل وتبريره في محيط صاحب الجلالة، لأن صاحب النياشين هنا وهناك، له من أسباب الدفع السريع، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت! أيهما أقسى على هذا الوطن المُثقَل بالهموم؟ أن يكون القلم في يد الشقي، أم تكون البندقية في يد الحارس، حارس السلطة؟ لقد أضحت الصحافة مهنة الناشطين.. صحافة الراهن يؤمها كل سياسي يبتغي تلميع ذاته ليحظى من بعد بشيئ في القصر، فهذا القصر، يُعد أقصر الطرق نحو هاتيك المغانم. حال الصحافة الورقية يجسد تماماً بؤس هذه المدينة المتسخة، حيث يستطيع الناشط بكل سهولة أن يحجز ناصية معتبرة في صفحاتها، وقد يظفر في مدخل بلاط صاحبة الجلالة بأعلى نيشان، أو وظيفة رئيس تحرير، أو أو. هذا يحدث في صحافتنا بكل تأكيد، فكيف تستغرب مثل ذلك إذا تعلّق بدبابير الظبطية التي تتوهج فوق أكتاف الموج..؟ ألم يقُل صاحبكم ترباس، أن (طبيعة الدنيا زي الموج)؟ ربما هي محنة تخص جيلنا الذي دخل عالم الصحافة في أواخر عهد النميري.. لكن – الحق يُقال – لم يكن النميري ورفاقه ممن باعوا قسم القوات المسلحة في محراب شركات الاستثمار بمثل هذه (السيولة) التي نشاهدها الآن.. لعلهم – النميري ورفاقه – رغم ما عليهم من عنطزة العسكر، لم يلوِّثوا الكاكي بمتاجرة تفوح منها روائح السمك المقلي بالهوان.. ما خطبُ هذا العسس، الذي ضرب الترطيبة، وحاشَ ردهات قصر غردون، بحثاً عن خصيم مدني يتوهمه ليقاتله؟ هكذا الحال الآن في الخرطوم.. تلك هي المِحن، بكافة أشكالها، وبكل طقسها، القديم منها والجديد!

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..