مقالات سياسية

كيف ومتى يذهب هؤﻻء؟

عبد الله الشيخ
الفرق كبير وشاسع بين الحكم العسكري والمدني، لكن السودان في طفولته التي لا تنتهي، وتجاربه “الديمقراطية” قصيرة الأجل، والحلقة المفقودة في مجتمعنا هي غياب الطبقة الوسطي ـــ المستنيرة ــ التي توازن بين الديمقراطية والتنمية.
هل هي مصادفة، أن يبقى عبّود في السلطة 6 سنوات، بينما تبقى مايو 16 سنة، فتتبعتها الرادفة ـــ حتى تاريخه ـــ بعد 30 سنة ومعها 3 سنوات هوادة؟!
هل هي مصادفة، أن تتوق قوى التغيير إلى الحكم المدني فتستعيده، ثم تردد نفس “الاكتوبريات” عندما تفتقده؟
ليس ممكناً تمجيد دكتاتورية بأنها أقل بشاعة من الأخرى، لكن من الممكن تقييم طبيعة كل نظام، فتبقى الفروقات بين نظام إنقلابي وآخر، محض فروقات، وليست مآثر.
كان عبّود عسكرياً مهنياً، بينما صنع نظام نميري الإتحاد الاشتراكي كغطاء مدني. ثم طال الظلام إثر إختراق القوي التقليدية بعسكرة البلاد وتحطيم القوى الحديثة و نقاباتها تحت غطاء المقدس وممارسة الشعوذة السياسية ممزوجة بالقمع.
الفرق بين الطفرات الثلاث، أن الأول كان إنقلاباً غير مؤدلج حتى رحيله، أما الثاني فقد أردفها خلال مسيرته، وجاء الثالث ليحملها على ظهره، حتى أرهقته.
عند تقييم تجربة عبود، ينبغي أولاً النظر إلى أنه: إفترع الحلقة الشريرة.
هو من علّم صبية العسكر الانقلابات.
هو من بدأ سياسة الأسلمة والتعريب وتبني الحل العسكري في الجنوب.
عبود إنقلابي مافي كلام، وموالي للطائفية مافي كلام، لكن برضو كان إنسان طيِّب.
عندما ثار السودانيون في وجهه “لمْلَمْ عَفشو طوّالي”.
لا خير في الإنقلاب عسكري، وان جاء بالمن والسلوى.
لقد ارتكب نظام نوفمبر، جريمة إغراق حلفا، باع الأرض والتراث والتاريخ، وارتكبت مايو العديد من الجرائم، آخرها كان التستر علي مجاعة ١٩٨٤م، أما أهل الرادفة – الاخوان – فقد فاقت جرائمهم الأولين والآخرين.
لم لا يحاول السودانيون قراءة أكتوبر من زاوية مغايرة؟ لقد ذهب عبود فركبتنا الطائفية و هي أسوأ..
عساكر نوفمبر كانوا “أولاد ناس”، وقصة عبود بعد تنازله عن السلطة، في سوق الخضار في بحري معروفة.
عبود تنازل عن حلفا “رجالة كده” وعندما حرك المصريون جيوشهم تجاه “حلايب” اضطرهم للتراجع برضو “رجالة كده”. من “مآثر” عبود أنه، جاء الى السلطة بدعوة “كريمة” من أحد الاحزاب السياسية، وغادرها بطلب “كريم” من الشعب كله.
من حسناته أيضاً، أنه كان عسكرياً منذ لحظة ظهوره في القصر وحتى دخوله القبر. طاف عبّود أغلب مناطق السودان البعيدة وذرف على حلفا بعض الدموع، و أعطى أهلها بعض التعويضات، وتسلّم المعونة الأمريكية وبنى بها الكوبري والشارع. رغم ديكتاتوريته ودكتاتوريتهم، إلا أنهم كانوا اولاد ناس، لم يكتنزوا و لم يفسدوا و لم يسرقوا.
عبّود لم يتكسب من المنصب. أتى إليه فريقا و غادره فريقا، ولم يضف إلى نفسه كلمة “أول” رغم أنه الاول والأنظف، مقارنة بهؤﻻء.
كان بيته هو نفس بيته، عندما كان ضابطاً.
في عهده، كان طعام الغني والمسكين متقارباً ، وكان ــ وهو الرئيس ــ يعيش بمستوى أقل من جيرانه الاطباء.
كان يُستقبل بحفاوة.. استقبل إستقبال الملوك في بريطانيا وأمريكا وروسيا، رغم أنه رئيس غير ديمقراطي. لقد ترك عبّود – له الرحمة – خزينة الدولة ممتلئة فافرغها الذين جاءوا من بعده.
المأثرة الكبري لعبّود أنّه حقن دماء السودانيين وغادر السلطة طائعاً لإرادة الناس، ولم يفعل مثل هؤﻻء…
السؤال ليس (من أين جاءوا) بل: متى وكيف يذهب هؤﻻء ..؟
الجريدة
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..