مقالات وآراء سياسية

ضربني وبكى ..!!

أبو الحسن الشاعر
على طريقة المثل الشائع ” ضربني وبكى وسبقني .. اشتكى ” جاء خطاب الانقلابي عبد الفتاح البرهان أمس في محاولة منه لتبرئة الشق العسكري وتحميل الجانب المدني مسئولية ما آلت إليه الأوضاع السياسية والمعيشية .. وفي البدء كان على البرهان أن يكون شجاعا وهو يمثل رأس السلطة التي انقلب عليها ويتحمل مسئوليته في الإخفاق ويبين للشعب لماذا صمت عن كل الذي اشتكى منه ولماذا لم يعمل على إصلاحه وهو شريك ليأتي ويعد بإصلاح ما خربه بيديه بعد إبعاد الشريك ، المكون المدني، الذي لولاه لكان البرهان ومن معه يأتمرون حتى اليوم بأمر ” صاحب الجزمة القابع في كوبر ” وليقل لنا البرهان إذا كان حريصا وشجاعا على التغيير الذي يحفظ للسودان أمنه وكرامة عيشه فلماذا لم يتجرأ على الانقلاب على نظام البشير الذي أوصل البلاد لمرحلة من الشقاق والحروب الأهلية وشظف العيش للمرحلة التي قادت الشعب لرفضه وتحديه وإسقاطه ..
وليقل لنا لماذا ذهب إلى القيادة العامة مستعطفا الثوار باحثا بينهم عمن يتفاوض معهم مع الوعد بالانضمام إليهم .. الخلاصة أن الفضل كله للثورة السلمية وللمدنيين وليس للعسكريين ” خاصة كبار الضباط الذين كونوا المجلس العسكري تحديد ا” أي فضل في الثورة أو على الثوار ولا في نجاحها وكان بين هروب البشير وزمرته ساعات فقط كما فعل زين العابدين بن علي.
قال البرهان إنه سيشكل حكومة مدنية حتى يتم تسليم السلطة لحكومة منتخبة وهذا هراء  فمن الذي نصبك وصيا على الشعب ؟؟.. وإذا كانت حجة العسكر أن الخلافات الناشبة بين المدنيين هي التي دعتهم للتدخل فماذا سيفعل إذا عاد الحكم الديمقراطي وهو قائم أصلا على الخلافات والمناكفات السياسية فهل هذا يعني أن الجيش السوداني سيبقى مهددا للديمقراطية ومستعدا للتدخل كلما اختلف السياسيون ؟؟ لماذا لم يتدخل الجيش العراقي رغم ما تشهده البلد من خلافات سياسية ؟؟ ولماذا لم يتدخل الجيش الأمريكي بعد أن بلغ الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حد التمرد واقتحام مجلس النواب ؟؟ .. لأن الجيش يعرف حدوده ومهامه المحددة التي لا تتجاوز منع الانفلات والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة إن فات الشغب الحد .. وليس مثل جيشنا الذي لا يستدعى إلا لمهمة قتل الأبرياء في أي وقت يخرجون فيه للتعبير عن رأيهم للأسف.

نقولها بالصوت العالي إن الإخفاق كله في الفترة الماضية يتحمله الشق العسكري بالدرجة بالأولى فقد كان هو الشق المعطل .. وكان على البرهان بدل التباكي أن يرد على ما كشفته عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا من عدم استجابته لعشرات الرسائل في تعطيل واضح .. ليته رد على ما قاله صلاح مناع في تسجيل عضو لجنة تفكيك التمكين بشأن حماية العسكر للمهربين وتعطيل القوانين!! وليته أخبرنا ومعه المتواطيء جبريل عن الـ 18 كيلو ذهب التي قبضت في مطار الخرطوم وذهب جبريل فرحا ليراها ويلتقط الصور بجانبها ثم اختفت واختفت قضيتها لأنها كما قال مناع تتبع لأحد قادة الحركات المسلحة !! ليته أخبر الناس عن عشرات عمليات تهريب الذهب التي تم الكشف عنها في مطار الخرطوم ناهيك عن الطائرات التي تهبط وتقلع زمن يحميها وأين اختفت قضاياها ؟؟ وعن شكوى ضباط الجمارك من تعدد السلطات ؟ ليته حدث الشعب عنها ؟ وليته حدث الناس عن الدعم السريع وحميدتي وميزانياته التي لا يستطيع هو نفسه الكشف عنها والتي تمنحه حق التبرع من مال الدولة حتى لشراء المعلمين الذين شاركوا في مهمة تصحيح امتحانات الشهادة ؟؟ إلخ مما يعرف ويعرف شعب السودان ..
وليته حدثتنا لماذا يمتنع عن تحقيق مطلب الشعب الأساسي / المكون المدني في تشكيل جيش سوداني موحد على عقيدة وطنية واحدة بدمج الدعم السريع وغيره في القوات المسلحة  إن كان جادا وصادقا  في المحافظة على أمن البلاد.!!
أما المضحك فإن البرهان عاب على من قال إنه وزير يدعو للانقلاب ويحرض عليه بينما لم يستجب من الضباط سوى البرهان نفسه لينقلب على نظام كان يقف هو على رأسه ويشارك فيه بالأصالة !!!

لكن الأهم من كل ذلك أن البرهان جأر بالشكوى مما تعرض له الجيش السوداني مما سماه الإساءة رغم أننا نعلم أن الهجوم على الجيش لا يقصد به حماة الوطن الشرفاء بل قصد به قيادته التي أدت إلى هذه النظرة السالبة للجيش ولنكن أكثر وضوحا ونقول بوضوح نعم هذا الجيش القائم الآن وبتكوينه الحالي جلب لنفسه هذه النظرة الدونية و النقد اللاذع  للأسباب التالية :-
–       منذ مجيء الإنقاذ للسلطة فقد الجيش مهنيته وصارت نظرته للشعب استعلائية فهم مجرد ” ملكية ” لا يحق لهم الحكم بل لا يحق لهم الانتماء للجيش إن لم يكونوا من الإخوان المسلمين خاصة الضباط منهم.
–       أصبح جيشا عقائديا يقوم على ما أراده له الإخوان المسلمون فتمت تصفيته من جميع الأكفاء فقط لكونهم لا يتبعون التنظيم وانحصر الانتماء للجيش في مؤيدي الإخوان المسلمين وأصبحت شعاراته دينية وجلالاته تحريضية وتوجهاته عقائدية ومعاركة جهادية وذلك ما خلق حالة التشرذم والانقسام والتمرد في شتى أنحاء البلاد وأدت إلى ما وصلت إليه البلاد .
–       ظل الجيش السوداني يطمح للسلطة ولا يريد الاعتراف بأن مهمته تنحصر فقط في حماية البلاد وحماية النظام الديمقراطي ولذلك ظل يطيح بكل تجربة ديمقراطية لأسباب واهية كما فعل البرهان نفسه فيحكم سنوات طويلة دون أن يحقق شيئا بل يحدث المزيد من الدمار والخراب ويسقط أخيرا على وقع هتافات الثوار لكنه لا يرعوي عن تكرار نفس التجربة المرة.
–       يتحمل الجيش وحده كل الدماء التي سالت خاصة من المواطنين المدنيين منذ ستين عاما وكأنما تم إعداد هذا الجيش لقتل بني وطنه وكان لهذا تأثيره على المشاعر الشعبية التي انعكست في هتافات وكتابات كثيرة خلال السنوات الأخيرة تذكّر الجيش بمهمته الحقيقية كلما قتل ثائرا أو بريئا ” وتشير دائما إلى الحدود المغتصبة في ” الفشقة وحلايب ” وغيرها .
–       جلب ظهور الدعم السريع كقوة موازية للجيش وصمت الجيش على هذا الوضع هذا السخط الجماهيري وهو يرى أن صوت الدعم السريع صار أعلى صوتا من الجيش وعلى قيادته ” حميدتي ” زعيم المليشيا ، متواضع المعرفة والذي ليس له أي خلفية عسكرية ليكون الآمر الناهي .. يرسل قوات سودانية للقتال في الخارج ويتحكم في ” جبل الذهب ” ويهدد ويتوعد بل ويقول إنه لن يسلم السلطة للمدنيين .. بل والأدهى والأمر أن يكون نائب قائد الدعم السريع هو شقيقه عبد الرحيم دقلو فكيف لجيش وطني أن يقبل هذا ؟ فهو وضع لا يقبله السوداني الأصيل لجيشه فكيف يقبله ضباط جيش السودان بكل ما يزين أكتافهم من رتب رفيعة؟؟ .. هذا ما يدعو لاستفزاز المشاعر الشعبية والنظرة الدونية للجيش الذي رضي الاستسلام لقائد مليشيا في وضع غير طبيعي ولا معقول فهل نلوم المواطن إن طلب من جيشه الذي يكن له كل الاحترام أن يعيد الوضع المقلوب للوضع الطبيعي؟؟ .
–       أما ” جيش البرهان ” فقد جنى على نفسه وجلب لنفسه النقد لأسباب نذكر منها :
–       أن البرهان نفسه ظل في كل خطاباته الأخيرة يتحدث عن قسمة واضحة وفرز للكيمان فسمى العسكر ” نحنا ” وسمى المدنيين / الشعب ” الناس ديل ” بل تجرأ لحد القول ” نحنا البنسوق الناس ديل ونوديهم محل ما دايرين ” .. وقد فعلها الآن ظنا منه بأنه سيودينا محل ما داير .. ” وإن غدا لناظره قريب ”
–       أن الجيش فقد احترامه بعد فض اعتصام القيادة والناس نيام وعزل من السلاح والصياح وقام بعمل لا يمكن أن يقوم به حتى العدو الخارجي فقتل وسحل وألقى بالجثث في النيل واغتصب ونهب .. ولا خلاف في أن البرهان هو المسؤول الأول عن هذه المجزرة بالمشاركة مع الدعم السريع وقد اعترفوا رسميا بأنهم خططوا وأمروا ونفذوا فض الاعتصام فإن زعموا وجود جهة تدخلت فإن عبء ومسؤولية تحديد تلك الجهة تقع عليهم وحدهم .. ولو كان نبيل أديب شجاعا لوجه لهم التهمة بعد 24 ساعة فقط من تكليفه وترك للنيابة والقضاء مهمة التفاصيل من خلال المحاكمات ولعل الخشية من المحاكم هي التي قادت البرهان للانقلاب ليحمي نفسه بعد أن شعر أن المكون المدني سيحكم بضغط الشعب وبموجب الوثيقة الدستورية.
–       الجيش يصر على أن يتحكم في الشركات الكبرى وعدم التخلي عنها رغم توجيهات ومطالبات رئيس الوزراء بذلك بل حتى ويرفض أن يعرف الشعب ووزارة المالية إيراداتها وأين تصرف فهو يريد أن تخصص له معظم الميزانية العامة من جهة وأن يستفرد بمدخولاته غير المعروفة من جهة أخرى وهذا لا يستقيم ولا يحدث في أي دولة في العالم فإن كان لا بد من استحواذ الجيش على الشركات فيجب معرفة دخلها وخصمه من الميزانية العامة ليتم توزيعه على الصحة والتعليم مثلا .
ورغم كل ذلك تتردد الهتافات الشعبية يوميا ” الجيش ما جيش البرهان .. الجيش جيش السودان ”  وحين يقول شرفاء الجيش كلمتهم ويثبتون للشعب أن الجيش ليس جيش البشير ولا حميدتي ولا البرهان عندها سيجدون كل التقدير والولاء من هذا الشعب العظيم .. فهل يحق للبرهان بعد كل هذا أن يتباكى ويشكو ؟؟؟  ولنا عودة.

–       كلمة أخيرة :
–       للشعب السوداني العظيم .. واصلوا ثورتكم فإن الانقلابيين على وشك السقوط وربما يتشاورون الآن مع جهات خارجية للجوء إليها .. التونسية جاهزة للإقلاع .. فابشروا .. وليكن هذا آخر عهد العسكريين بالسلطة .. حرية .. سلام وعدالة.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..