في الذكري الستين لثورة ٢١ اكتوبر ١٩٦٤م

صلاح الباشا
كتب المهندي محمد فائق عن تلك الأيام حين كان طالبا بكلية الهندسة بالحامعة وكادرا ناشطا وسط طلاب الجامعة.. مايلي:
فى الذكرى الستين لثورة اكتوبر المجيدة
محمد فائق يوسف
الثُّلاثاء
الثلاثاء العشرون من اكتوبر 1964م. جامعة الخرطوم ـ الناحية الجنوبية من داخلية الدندر بمجمع داخليات البركس. حوالي الرابعة والنصف بعد الظهر كنا ، ساكني الداخلية مجتمعين تحت الشجرة الظليلة التى أظنها ما زالت قائمة هناك ، نناقش مقترح الاتحاد بشأن ندوة يُخطط لانعقادها في الغد حول “مشكلة الجنوب”. وكان نظام عبود قد منع مثل تلك الندوات التي استغلها معارضوه للهجوم عليه.
جلست على حافة الفيراندة. رأيته جالساً قبالتي ، متكئ الظهر على ساق الشجرة الضخمة. لوحت له بيدي محييا ، رد التحية بنفس الطريقة ، وزاد عليها ابتسامة. مازالت هذه الصورة عالقة بذهني بعد كل هذه الاعوام وتطفر الدموع من عيني كلما استعدتها. كانت تلك آخر مرة رأيت فيها الشهيد أحمد القرشي طه!
الاربعاء
الأربعاء الحادي والعشرون من أكتوبر 1964م. ميدان داخلية عطبرة بمجمع داخليات البركس. حوالى الثامنة والنصف مساء.
ما كاد المتحدث الأول في الندوة ينهى حديثه إلا وفوجئنا بقوة من البوليس تحيط بالمكان ، وضابط يقودها يأمرنا عبر مايكرفون بيده أن نتفرق. لم نتزحزح. استمر المتحدثون. أطلقت القوة سيلاً من القنابل المسيلة للدموع. تدافع الطلاب مبتعدين ، بينما البوليس يحتل المكان ، مواصلاً إطلاق قنابل الغاز. هنا أخذ الطلاب الغاضبون ، وقد تزايدت أعدادهم ، يرشقون البوليس بما يجدون تحت أيديهم من الحجارة. وبدأ الاشتباك. وكلما زادت أعداد الطلاب زاد ضغطهم على القوة التي راحت تتراجع الى الوراء. وكانت قد دخلت ، ابتداءً ، من عند داخلية البركة ، لكن ، ولأنها لم تكن تعرف جغرافية المكان ، تاهت ، وتفرقت ، عند محاولتها الخروج. وبسبب الخوف على أنفسهم أطلق بعض افرادها النار ، برعونة ، في مختلف الاتجاهات ، فسقط عدد من الطلاب!
أحسست بألم شديد في ذراعي الأيمن ، ورأيت الدم يتدفق منه ، فأدركت أننى اصبت ، فأخذت في التراجع. حاول بعض أفراد القوة ملاحقتي بالسياط والعصى الغليظة! سمعت أحدهم ، ربما كان رئيسهم ، يصيح : “خلُّوه خلُّوه”! دلفت من أحد الأبواب ، ومرقت ، كالسهم ، من باب آخر. ركضت .. ركضت .. رأيت جمعاً من الطلاب فاتجهت نحوه .. وسقطت!
صحوت ، فوجدتني راقداً على نقالة ، وحولي غابة من الأرجل! جذبت أحدهم وسألته: “أنا وين”؟! أجاب: “في المستشفى .. قُتل أحد الطلاب .. اسمه أحمد القرشي طه”! .