أخبار السودان

الإسلام السياسي وتجربة الحكم

عقل العقل

أحزاب الإسلام السياسي «الإخوان أو السلفيين» حققت ما ترمي إليه من الوصول إلى الحكم بجهد وسياسات ثابتة في المعارضة لأنظمة الحكم العربية الدكتاتورية، مثل هذا الاستحقاق لهذه الحركات الدينية السياسية، ومن خلال صناديق الاقتراع، يجب أن نقف عنده وبشكل إيجابي، ولكن السؤال المطروح الآن هل هذه الأحزاب ستحترم اللعبة السياسية بما فيها من حرية وديموقراطية وتداول سلمي للسلطة في حال فشلها في برامجها الانتخابية التي وصلت على أساسها للحكم؟

هل الأحزاب السياسية الإسلاموية فاشلة بالحكم ناجحة بالمعارضة، كما شاهدنا ذلك في السودان، وفي تجربة «حماس»، لأنه لا يمكن أن تحكم وتتعامل مع معطيات الواقع وأنت تحمل فكر الثوري والمعارض، لأن من يصل إلى الحكم سيتعامل مع دول كان يحاربها بأدبياته على مر التاريخ، كما هي الحال في العلاقة مع الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

الأحزاب «الإسلاموية» التي قطفت ثمرة «الربيع العربي» من خلال صناديق الاقتراع بسبب تنظيمها وتجربتها الطويلة، مقارنة بالتيارات الشبابية الناشئة التي كانت في مقدم قوى التغيير، ولكنها – مع الأسف – لم تحصل على نسبة تمثيل في البرلمانات العربية في الدول العربية التي طالها التغيير، إن تلك القوى الإسلامية وفي خلال أشهر أنشأت أحزاباً تدور كلها حول الحرية والعدالة والتنمية، ولكن القضية برأيي أعقد من تغيير الأسماء، بل التحديات المقبلة هي ما ستثبت أن التيارات الإسلاموية لديها رؤى واضحة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والثقافية والسياسية في بلدانها، فاستنساخ تجربة تركية أو غيرها قد لا تفيد في دول لم تمر بتجربة علمانية حتى لو اتهمت بالتشويه، كما حدث في تركيا الكمالية، التي باعتقادي أسست لدولة مدنية هناك سمحت بوصول أحزاب إسلامية إلى الحكم في تركيا.

في عالمنا العربي هناك تخوف حقيقي من أننا أمام مرحلة تحول من دكتاتورية الفرد والعائلة إلى دكتاتورية ذات صبغة إسلامية قد تستمر لسنوات طويلة بحجة أن هذه التيارات لم تعطَ فرصة التجريب بالحكم، لذا علينا إعطاؤهم الفرصة، وهذا باعتقادي توجه سيكون له نتائج سلبية على مستقبل تلك الدول، فلا توجد دساتير وطنية متفق عليها من جميع أفراد شعوب تلك الدول تحدد الخطوط العامة المتفق عليها التي يمكن إزاحة من يخرج عنها، كذلك لا توجد جيوش وطنية مؤسسة على حماية النظام السياسي الجديد، فكل هذه الجيوش كانت أداة طيعة في خدمة الفرد الدكتاتور في النظام السابق، لذا فالمسألة معقدة وستواجه هذه الأحزاب الإسلامية تحديات حقيقية في كثير من المجالات، فهل سنشهد مثلاً تغييراً في التعليم ومناهجه، الذي يتمتع في بعض هذه الدول بمستوى معقول، إلى نكوص وارتداد إلى مناهج إسلامية، وأن تقوم تلك الأحزاب الحاكمة بعزل الطلاب عن الطالبات في الجامعات والمدارس، أم أن هذه الأحزاب ستفاجئنا وتقدم لنا إسلاماً عصرياً يعني بالنتائج ولا يهتم بالشكليات، أي أن يهتم بحقوق المرأة وحرية التعبير والحريات العامة، وأن يركز على البناء والإنتاج، لكن السؤال حول أن هذه الأحزاب تحولت فجأة إلى أحزاب «إسلاموية ليبرالية» كما أطلق عليها بعض المراقبين، فقبل الربيع العربي كان همها الأول هو الهجوم على تيارات الحداثة والقوى الليبرالية، الآن نشاهد أن هذه الأحزاب لا تُمانع في العمل مع هذه الأحزاب، وهذا يحسب لها، ولكن هل سيستمر هذا التناغم في المستقبل، والمثال على ذلك هو الحال التونسية؟

يطرح البعض أن الفوز الذي حققته الأحزاب الإسلاموية في المغرب وفي ظل مرجعية سياسية سيكون لها نتائج إيجابية أكثر من الأحزاب الإسلاموية في دول الربيع العربي، التي لا يوجد بها مرجعية سياسية، وقد يطرح البعض أن المرجعية الثورية هي من سيحاسب من يصل إلى الحكم، ولكن أرى أن مثل هذا ليس كافياً، وقد نشاهد انتكاسات للوراء في تلك الدول، وقد يتسبب الانفلات الأمني أو الوصول إلى صراع أهلي إلى تدخل العسكر والعودة إلى الحكم مرة أخرى.

هل ينجح شعار «الإسلام هو الحل» في دول الربيع العربي، خصوصاً في قضايا الاقتصاد الوطني لتلك الدول التي يعتمد اقتصادها على قطاع السياحة، الذي يوجد بها خدمات أساسية لا توافق خطاب وأيديولوجيات الأحزاب الإسلاموية التي وصلت إلى الحكم، أو في طريقها إلى ذلك، أميل إلى أن الوضع في تونس أقرب إلى العبور إلى إرساء تجربة ديموقراطية حقيقية لما لنوعية التعليم واستحقاقات المدنية في المجتمع التونسي من تجذر، بعكس الوضع في مصر الذي قد يمر بمخاض عسير للوصول إلى دولة ديموقراطية، أو حتى شبه ديموقراطية.

[email protected]

دار الحياة

تعليق واحد

  1. اهو عندك في السودان تجربة حية ـ مريرة جداً ولم ولن يسبق لها مثيل في العالم ( العنوان العريض الإسلام ـ والجوهر اشد كفرا ونفاقا ) أسالونا في السودان خير تجربة لأخوتنا في العروبة

  2. كتبنا في مكان آخر ما يمكن تعديله ليناسب المقال : تبدو القصة ملتبسة جدا عند أنصار الدولة الدينية (دولة الخلافةأو المشروع الحضاري أو … أو ) و لهم حجج واهية لا تصمد أمام البحث و المنطق .. من غير الدخول في تفاصيل دعنا نبدأ بحجة يرددها الكثيرون مثل قولهم عن العلمانيين : " انهم يريدون فرض دينهم البشري " العلماني" على المسلمين، واقصاء ديننا "الإسلام" عن حياتنا …" دعنا نستبدل كلمة واحدة في هذه الجملة و نقرأها : " " انهم يريدون فرض دينهم البشري " العلماني" على الهندوس، واقصاء ديننا "الهندوسي" عن حياتنا …" هكذا يردد غلاة الهندوس شيئا شبيها بهذا ، و الهندوس يرون أن دينهم أكمل و أفضل دين ، بل و يؤكدون أن العلم الحديث يؤكد كل ما جاء في كتبهم المقدسة و يستشهدون بأن كثير مما أثبته العلم الحديث قد جاء في كتابهم المقدس قبل زمان طويل دلالة على الإعجاز و … المغالطة هنا أن الدولة الدينية هي التي تفرض تصوراتها على الآخرين بينما العلمانية تقف على مسافة متساوية من كل الأديان و لا تفرض تصورات مسبقة على الناس إنما هي ترى أن كل شيء قيد النظر و يمكن تغييره خذ مثلا أحدهم يشرب خمرا في بيته و اسمه علي ، لن يساله أحد عن دينه إذا قبض عليه إنما سيجلد حدا بينما العلمانية لا تفرض عليك شيئا … سيقول الكاتب و أضرابه : انظر فرنسا تمنع الحجاب .. و هم يدركون أن فرنسا تمنع الرموز الدينية من صليب أو قلنسوة يهودية أو حجاب في المؤسسات الرسمية أما في الشارع فيمكنك لبس ما تشاء ، حتى هذه ليست القول النهائي و لا هو مقدس إنما يمكن تعديله أو الغاؤه …
    الاضطراب الذي يشوب نظرة أهل الدولة الدينية هو : هل تستطيع الدولة الدينية أن تنجح في مكان متعدد الديانات و الثقافات و غيرها من الاختلافات ؟ هل تقبلون بقيام دولة هندوسية في الهند أم تؤيدون مسلمي الهند الذين يكافحون من أجل دولة علمانية ؟ السؤال الأصعب هو : هل تستطيعون تطبيق مفاهيم الدولة الإسلامية التي تم تطبيقها أيام الرسول (ص) ؟ لنأخذ أمثلة :
    1 ? في غزوة بني المصطلق (المريسيع) (شعبان 5 هـ ) أورد ابن هشام : [قال ابن اسحق : " …واستاق إبلهم وشياههم، فكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف شاة، واستعمل على ذلك مولاه شقران، أي بضم الشين المعجمة، واسمه صالح، وكان حبشيا، وكان السبي مائتي أهل بيت. وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة، وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي. و روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري ، قال «غزونا مع رسول الله غزوة بني المصطلق، فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا نستمتع ونعزل، فقلنا نفعل ذلك» وفي لفظ «فأصبنا سبايا وبنا شهوة للنساء، واشتدت علينا العزوبة، وأحببنا الفداء، وأردنا أن نستمتع ونعزل، وقلنا: نعزل ورسول الله بين أظهرنا فسألناه عن ذلك، فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة» أي نفسا «قدّرها هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون». أي ما عليكم حرج في عدم فعل العزل: وهو الإنزال في الفرج، لأن العزل الإنزال خارج الفرج، فيجامع حتى إذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج
    2 ــ و بعد حوالي 3 أشهر حدثت غزوة بني قريظة : (ذو القعده 5 هــ) نعرف أن الرسول (ص) أمر بضرب أعناق كل من أنبت من رجال بني قريظة فقطعت رؤوسهم و كانوا بين الستمائة و السبعمائة …قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل من ليس له فرس سهم. وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وأخرج منها الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا. طبعا سيقول أمثال الكاتب أن قتل الخائن أو الجاسوس تعمل به كثير من الدول … هل تقتل أي دولة كل أهل قرية لأن زعماءهم خانوا و تسبي نساءهم ؟ ثم إن المستقبل ينبيء بأن الحكم بالإعدام سيتلاشى..(لاحظ أن السبايا تم بيعهن في سوق النخاسة في نجد و تم شراء الخيل و السلاح بثمنهن)
    3 ــ في السنة الثامنة هجرية في شهر شوال و بعد معركة حنين جرى في وادي أوطاس ما يلي : قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبا سفيان – وهو الثوري – عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي فنزلت هذه الآية: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 24] . قال: فاستحللنا بها فروجهن. …انتهت الأمثلة .
    و هنا يوردون حججا سمعناها كثيرا :منها 1 ــ كان الرق و السبي للمعاملة بالمثل .. و هذه كذبة فلم يسترق أحد أي مسلم و لم تسبى امرأة مسلمة (هنالك قصة عن أسر امرأة مسلمة لكن لم يقل أحد انها سبيت بمعنى كشف سترها) و أول أسرى كن من العرب من بني المصطلق … فإن قالوا: أننا لا نحتاج للرق و السبي اليوم لأن البشرية تركته فسنسألهم : لماذا لا تتركون كثيرا مما تركته البشرية ؟ و ما الفرق بين هذا و ذاك ؟ أليس الكل تشريع رباني كما تزعمون ، خاصة و أن الرق و السبي ظل المسلمون يعملون به قرابة الألف سنة ، و الفضل في الغائه يعود للعلمانيين الذين تسبونهم … لا ننسى أن هنالك تهافت في حجتهم ، فالصحيح أن كرماء العرب قبل الإسلام استهجنوا السبي و عدوه مما يقدح في المروءة (قبيلة ربيعة و من سميا بالوفيين و دريد بن الصمة الذي أورد البخاري قصته في غزوة حنين ) …
    أخيرا ستنتج الدولة الدينية القادمة التبلد الاجتماعي و سنتشر الرزيلة (التي سببها الرئيسي الفقر الذي سيعجزون بفكرهم القاصر عن حل مشكلته) و كما جربنا فإن الانتحار الناشيء من الكآبة و الكبت سيزداد (جاء في الأخبار: مستشفى خرطومي واحد استقبل 718 محاولة انتحار بالصبغة في أقل من سنة )سودانيزأونلاين/12/2011) أما التخلف عن ركب الإنسانية فهو لا شك فيه ، فسينتج الأعداء الصواريخ الذكية و القنابل الذكية و الطائرات المتطورة و الاقتصاد المزدهر و كل ما يسعد إنسانهم ، و نحن سنظل نسأل شيخ فلان عن أكل الثوم في الخلاء و الرقاد على أي جنب و قربة الفساء ، و إذا ظل شيخ فلان و شيخ علان هم قادة الرأي في بلادنا فربما تنقرض مجتمعاتنا ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..