المهدى على طريق “تفلحون ” الثانية

منذ دخوله المجال السياسى قبل اكثر من نصف قرن ، ظل الصادق المهدى ، يتمسك باحتلال الموقع الاول دائما. سواء على مستوى الحكومة اوعلى مستوى المعارضة.غير ان زعيم حزب الامة غالبا ماضرب عرض الحائط بتقاليد العمل الجبهوى فى فترات المعارضة. وينسب الى الشريف حسين الهندى ، انه بعد تأسيسه الجبهة الوطنية ، المعارضة لنظام مايو، عام 1969 ،والتى ضمت الانصار والاخوان المسلمين والاتحاديين، تنازل عن رئاسة الجبهة للمهدى بعد الافراج عنه، وفاء من الشريف لوالده السيد عبد الرحمن المهدى .غير ان الصادق المهدى ، كما المح الدكتورحسن الترابى، زعيم الاخوان المسلمين ، ترك الحلفاء فى لندن وذهب لابرام اتفاق مصالحة مع النميرى فى بورتسودان . الامر الذى وصفه حلفاؤه بـ “طعنة في الظهر”، كما جاء فى أون إسلام نت.وقد تعامل رئيس حزب الامة ، غالبا، تعاملا تكتيكيا مع صيغ التحالفات الجبهوية، والتى يتخلى عنها فى اى وقت، متى مالاحت مصلحة الحزب فى غيرها، او لم تعد تصلح كوسيلة لتحقيق اجندته الحزبية. فضلا عن عدم قناعته بالعمل الجماعى، القائم على التوافق فى اتخاذ القرارات ضمن هذه التحالفات. فالى جانب نزوعه المستدام لايجاد صفقات ثنائية،بدلا من الحلول الشاملة لمشكلات البلاد، فانه نزاع، ايضا للتفرد ، بالقرار والرأى، وهو مايتعارض مع قواعد العمل الجبهوى ، مثلما يتصادم مع مبادئ الديموقراطية .وتمثل محاولته الاخيرة لفرض شروط على تحالف المعارضة، مثالا بارزا،لهذه النزوع السلطوى.

وعلى غرار لقاء بورتسودان ،الذى انتج مصالحة 77، التقى الصادق ، فى جنيف بالترابى ،رئيس المجلس الوطنى آنئذ،ومرة اخرى ،بمعزل عن حلفائه فى التجمع الوطنى الديموقراطى، الذى نشأ لاجل اسقاط نظام الانقاذ الوطنى. وبحجة اصطياد ارنب تم لقاء ثان فى جيبوتى بين الصادق وممثلى النظام ، اثمر عن فيل جيبوتى .وقد حمل اتفاق الطرفين اسم نداء الوطن ، سعى حزب الامة لتسويقه وسط قوى المعارضة ،لكنه ووجه بمعارضة داخلية عطلت مشاركة الحزب فى النظام، مما دفع بقسم من الحزب للخروج والالتحاق بالنظام والمشاركة فيه ،لوقت قصير.هذا الانقسام ادى الى تصليب الموقف الرافض للمشاركة فى داخل الحزب. غير ان المهدى ، وبعد تجاوز ازمة الانقسام، سعى لاحتواء تنامى التيار الراديكالى الرافض للمشاركة على اطلاقها. . خلال الثلاثة عشر عاما التى انقضت منذ عودة قادة الحزب من المهجر اثر اتفاق جيبوتى ، ظل الحزب مرتهنا لصراع داخلى بين من هم مع وضد المشاركة او التقارب مع النظام، مما اربك مواقف الحزب السياسية واوقعها فى التناقض.
قبيل انفصال الجنوب شارك الحزب فى تكوين تحالف قوى الاجماع الوطنى المعارض. لكنه لم يلتزم بموقف التحالف من الانتخابات، التى كانت اهم اختبار لفعالية التحالف الوليد. فشارك حزب الامة فى مراحلها الاولى ثم اعلن معارضته لها فى مرحلة تالية .

وقد ظل المهدى ، دائب النقد للتحالف ، معرضا بضعفه، معارضا مواقفه وتكتيكاته ، وذلك للتمهيد للابتعاد عنه او الخروج منه، ولتوفير غطاء لتقاربه مع النظام، بالمقابل.
وكما حدث فى جيبوتى ، فقد فاجأ المهدى حلفاءه بتوقيعه اتفاق التراضى مع رئيس المؤتمر الوطنى الحاكم عام 2008. بعد ان فشل فى الحصول على تفويض من قبل قوى التحالف للتفاوض مع النظام نيابة عنها.وقد بقى اتفاق التراضى الوطنى حبرا على ورق ،مثل سابقه..مع ذلك بقى المهدى يراوح فى منزلة بين منزلة المعارضة ومنزلة الموالاة.
اذ ان وجود معارضة متنامية داخل الحزب لنهج التقارب من النظام ،والتى اججها مشاركة ابنى المهدى فى النظام مؤخرا ، قد اسهم فى تعطيل مشوار الحزب باتجاه المشاركة فى الحكومة ، ولكنها لم تستطع ? حتى الان ? التغلب على هذا التوجه والنزوع نهائيا.
لايمكن عزل تكتيك الصادق المهدى الرامى الى التباعد مع تحالف المعارضة وتعميق خلاف مفتعل معه ، عن الظروف والاوضاع السياسية التى تمر بها البلاد منذ نهاية سبتمبر الماضى،والتى تشهد تزايدا فى نشاط الجماهير المطالبة بالتغيير الجذرى، وتسارع عملية الفرز والاستقطاب فى الساحة السياسية ، والتى ادت الى تصدعات فى البنى السياسية القائمة ، بمافيها الحزب الحاكم . فالضبابية فى المواقف التى يتهمه بها بعض انصاره ،اعتبرت محاولة لاضعاف دور الحزب السياسى ، واضعاف تحالف المعارضة لمصلحة النظام.
يجدر بالانتباه ان مطالبة المهدى باعادة هيكلة التحالف ، والتى يهدف من ورائها وضع رئيس حزب الامة على قمة تحالف المعارضة ، هى ذاتها الثيمة التى عمل بها الصادق المهدى على اثارة الخلافات داخل التجمع الوطنى الديموقراطى ، منذ خروجه فى تهتدون حتى عودته فى تفلحون. فى السابق كان المستهدف هو مولانا محمد عثمان المرغنى رئيس التجمع عامئذ ، وفى اللاحق ، الاستاذ فاروق ابوعيسى ، رئيس هيئة التحالف.

غير ان المهدى ، عمل على توسيع المسافة الفاصلة بينه والتحالف ، حين دعا ? ايضا – الى ميثاق جديد، وهو مايعنى الغاء كل ماتم التوافق عليه من مواثيق، بما فيها ميثاق البديل الديموقراطى. وقد اعلن التحالف رفضه لشروط المهدى الخمسة للمشاركة فى عمل التحالف ، متمسكا بميثاق البديل الديموقراطى ،ومشروع الدستور الانتقالى ، وباسم التجمع.تاركا للمهدى حرية اتخاذ قراره بمغادرة خندق التحالف المعارض.ومن ناحيته فقد سعى المهدى ، منذ وقت مبكر ، لبناء تحالف بديل، يضم المؤتمر الوطنى. فمشروع المهدى للتغيير يجعل من الحزب الحكم طرفا من قواه. ومن الحوارمعه سبيلا للوصول لذلك الهدف.
وازاء المطالبة المتنامية من قواعد للحزب بالوضوح فى موقف الحزب من النظام، وانحياز الحزب لحركة الشارع ولخندق المعارضة ، فان الاختيارات البديلة للمهدى،ستكون مادة اضافية للصراعات الداخلية فى الحزب.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. التحية لك استاذ عبدالله رزق ولا فض فوك لقد كفيت ووفيت ولاأحسب ان محللا وكاتبا اخر سيلخص مواقف المهدى بافضل مما فعلت شكرا لك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..