مقالات سياسية

السعودية… الدولة الراشدة!!

في سلاسة ويسر.. جرت عملية (تداول سلمي) للسلطة في الشقيقة المملكة العربية السعودية.. انتقل إلى جوار ربه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.. وفي لحظة صلاة الجنازة الشرعية عليه كان اسم خلفه سلمان بن عبد العزيز تسبقه صفة (خادم الحرمين الشريفين) وهي عبارة تدل على أنه (لا) فراغ دستوري.. وأن تداول السلطة اكتمل بأيسر ما يكون.. بل وحتى خلف الخلف أُعلن اسمه ليكون أقرب إلى الوضع الدستوري الذي يجعل لرأس الدولة نائباً قادراً على تأمين تداول سلمي للسلطة عند الضرورة..
من خلال فترة إقامتي لحوالى عشر سنوات في المملكة العربية السعودية لفت نظري أن منهج الحكم في المملكة يتسم بكل مواصفات الدولة الديموقراطية الحديثة سوى غياب المصطلحات لا أكثر.. في تقديري أن المعنى الفني الدقيق لدولة راشدة مرتبط بمقياس ومؤشر لحساسية الدولة تجاه قضايا ومصالح شعبها من زاويتين.. الأولى الزاوية العامة بمفهوم شامل للمصالح القومية.. والثانية الزاوية الفردية.. التي تتعلق بقضايا ومصالح المواطن الفرد..
يستطيع أي مواطن (أو حتى الأجنبي المقيم) في السعودية إيصال مظلمته أو شكواه إلى أرفع درجة في سلم الإدارة والحكم وتلقي الرد في زمن وجيز للغاية.. وينقل التلفزيون السعودي باستمرار في نشراته المحلية مشاهد استقبال الملك لعامة المواطنين الذين يسلمونه يداً بيد.. دون أي وسيط شكاويهم أو حتى طلباتهم الشخصية.. وكلها تجد الاستجابة والرد الناجز..
في ذاكرتي كثير من المواقف.. بعضها لسودانيين في المملكة أرسلوا شكاوى أو طلبات وتلقوا استجابة عاجلة.. لكن يظل أكثرها إثارة ما حدث لأحد أصدقائي هنا في السودان.. استقر به المقام في الخرطوم بعد غربة طويلة وخروج نهائي.. لكنه احتاج لإفادة مكتوبة من السعودية لتقديمها إلى محكمة سودانية هنا في الخرطوم.. تصوروا ماذا فعل بعث رسالة عادية بالبريد إلى أمير المنطقة في السعودية.. بعد حوالى شهرين وأسبوع تلقى الرد عبر وزارة الخارجية السودانية.. وعندما راجع تسلسل مسار الرد.. اكتشف أن أمير المنطقة بعث الرد إلى وزارة الخارجية السعودية.. التي بعثت به إلى سفارة السعودية في الخرطوم.. كل ذلك استغرق أسبوعاً واحداً.. وبدورها سلمته إلى وزارة الخارجية السودانية التي (ركنته) شهرين كاملين قبل أن يعثر عليه صاحبنا بمحض الصدفة..
واحدة من أهم السمات الراشدة في منظومة الحكم والإدارة في السعودية هو الحساسية البالغة لكل مطلوبات الجماعة أو الفرد.. ولهذا تتسابق مشروعات التنمية- أحياناً- تسبق بزمن طويل مطلوبات المواطن أو الدولة العادية.. فما زلت أذكر كيف أن المملكة أنجزت مشروع (الرقم الوطني) في منتصف الثمانينيات.. بأيد شباب سعوديين، في وقت كان فيه استخدام الكمبيوتر لا يزال ترفاً حتى في الدول المتقدمة..
نحن في حاجة ماسة لدراسة واستلهام التجربة السعودية.. ليس في عموم مظاهر الدولة الراشدة بل حتى في تفاصيل كثيرة تعزز مفهوم الاستقرار والمصلحة الوطنية العليا للدوة في مقابل أي مصالح أخرى..

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..