محض صدفة ام تدابير اقدار: ثلاثة من اشهر السودانيين توفوا في ١٨ فبراير!!

١-
***- ان من يتمعن في كثير من الاحداث السودانية التي وقعت في قديم الزمان وايضآ في العصر الحديث يجد انها قد ارتبطت ارتباط شديد بالارقام والاعداد، نقول مثلآ:
***- (مجاعة سنة ستة)..
***- (الحكم الثنائي)..
***- (مواليد يوم واحد واحد)..
بل يندر ان نجد شعب من شعوب الارض يحب الارقام كما الشعب السوداني الذي قسم عاصمة البلاد الي ثلاثة مدن: الخرطوم، امدرمان، والخرطوم بحري!!، ليت الناس اكتفت بذلك التقسيم القديم، بل تمادت وتوسعت في تقسيم قلب الخطوم فكانت الخرطوم اثنين، والخرطوم ثلاثة!!، وزادت الحكومة من تمزيق العاصمة فاصبحت هناك الدرجه الاولي والدرجه الثانيه!!

***- دخلت الغيرة قلوب سكان امدرمان من الخرطوم، فاطلقوا الارقام علي منطقة امبدة بصورة يندر ان تكون هناك منطقة سكانية علي ظهر الكرة الارضية بها كثافة ارقام مثل امبدة!!

٢-
***- بما ان الكلام هنا عن الارقام وعلاقتها باحداث السودان، فهناك ظاهرة غريبة قد وقعت احداثها في يوم ١٨ فبراير من اعوام خلت، حيث توفوا ثلاثة من اكبر مشاهير السودان فيه!!

اولآ:
وفاة الراحل سر الختم الخليفة:
*******************
سر الختم الخليفة الحسن (١٩١٩ – ١٨ فبراير ٢٠٠٦).
رئيس وزراء لحكومة أكتوبر بعد قيام ثورة أكتوبر الشعبية في السودان عام ١٩٦٤م.
***- ولد بمدينة الدويم بولاية النيل الأبيض عام ١٩١٩م، توفي الي رحمة مولاه في يوم السبت 18 فبراير ٢٠٠٦م. والده الخليفة الحسن أحمد ووالدته نفيسة الفكي العبيد. تلقي تعليمه الأولي والمرحلة المتوسطة بمدارس الدويم وببخت الرضا ثم تخرج في كلية غردون التذكارية مدرسة المعلمين عام ١٩٣٧ ثم كلية اكستر جامعة أوكسفورد (١٩٤٤-١٩٤٦) .

عمل مدرسا بمعهد تدريب المعلمين بخت الرضا (١٩٣٨ ? ١٩٤٤م). وترقى لوظيفة باشمفتش تعليم محافظة الاستوائية جوبا في الفترة (١٩٥٠ ? ١٩٥٧) ثم عمل مساعدا لمدير التعليم في المديريات الجنوبية (١٩٥٧ ? ١٩٦٠)، ليقوم بنشر اللغة العربية بالجنوب. ثم عميدا للمعهد الفني بالخرطوم (١٩٦٠ ? ١٩٦٤). عمل مدرسا بمعهد تدريب المعلمين بخت الرضا (1938 ? 1944). وترقى لوظيفة باشمفتش تعليم محافظة الاستوائية جوبا في الفترة (1950 ? 1957) ثم عمل مساعداً لمدير التعليم في المديريات الجنوبية (1957 ? 1960)، ليقوم بنشر اللغة العربية بالجنوب . ثم عمــيدا للمعـهد الفني بالخرطوم (1960 ? 1964).

***- الدويم والجنوب هما من أكثر المناطق المحببة إليه لأنه قضى فيهما أجمل أيام حياته فهو من قام بنشر اللغة العربية في الجنوب وكانت له علاقات مميزة مع أهل الجنوب وأبناء الجنوب من أعز أصدقائه ورفاقه. تحدّث بلغة الدينكا وكانت له المقدرة على التحدث لكل شخص بلغته ولهجته وكان هذا ما يجعل للحديث نكهته الخاصة فالرجل إذا جلست إليه لا تملّه تجد فيه ما لم تجده في كتب الأدب والتاريخ والجغرافيا يسعدك بأُنسه وحديثه القيم ذو النكهة الخاصة.

***- تزوّج سر الختم الخليفة من زوجة تنتمي إلى أسرة الأنصار وهي السيدة زهراء الفاضل محمود ووالدتها هي السيدة عائشة عبد الرحمن المهدي، ابنة خال صديقه في المعهد الفني حسين مأمون شريف حيث كان يزوره في البيت حتى تعرّف عليها وطلب يدها وتزوجها.

***- اختير رئيسا لحكومة أكتوبر الانتقالية الأولى والثانية (١٩٦٤ ?١٩٦٥)، حل سر الختم الخليفة مجلس وزراء ثورة أكتوبر الأول تحت ضغط الأحزاب وإلحاحها قبل أن يكمل دورته. وهذه هي الملابسة التي نـُحت فيها مصطلح “نكسة أكتوبر.” وبقي سر الختم على رأس مجلس وزراء أكتوبر الثاني الذي تغير تكوينه ومحتواه كثيراً. فخرجت المظاهرات عام 1965 تهتف: “يا خرطوم ثوري ثوري، خلي خليفة يلحق نوري.”

ثم سفيرا للسودان في إيطاليا(١٩٦٦ – ١٩٦٨) وفي بريطانيا (١٩٦٨- ١٩٦٩)، نال لقب (سير) من ملكة بريطانيا.

****- تقلد منصب مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي (١٩٧٢ ? ١٩٧٣) ثم منصب وزير التربية والتعليم العالي (١٩٧٣ ?١٩٧٥). ثم مستشارا لرئيس الجمهورية للتعليم خلال الفترة (١٩٨٢ ? ١٩٨٥م).

***- منذ عام ١٩٨٦ كان من المؤسسين لمؤسسة حجار الخيرية وتولي رئيس مجلس إدارتها إلي أن توفاه الله في ١٨ فبراير٢٠٠٦م. دُفن في اليوم التالي في مقبرة البكري، وحضر جنازته الآلاف من زملائه، سياسيين ، ومعلمين وطلبة.

ثــانيآ:
وفاة الطيب صالـح
*************
الطيب صالح (١٢ يوليو ١٩٢٩- ١٨ فبراير ٢٠٠٩)، أديب سوداني وأحد أشهر الأدباء العرب أطلق عليه النقاد لقب “عبقري الرواية العربية”. عاش في، بريطانيا وقطر وفرنسا. الطيب صالح – أو “عبقري الرواية العربية” كما جرى بعض النقاد على تسميته- أديب عربي من السودان، اسمه الكامل الطيب محمد صالح أحمد. ولد عام (١٣٤٨هـ – ١٩٢٩م)
في إقليم مروي شمالي السودان بقرية “كَرْمَكوْل” بالقرب من قرية “دبة الفقراء” وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي في أحدي مستشفيات العاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها في ليلة الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠٠٩ الموافق ٢٣ صفر ١٤٣٠هـ. عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته، وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية.

حياته المهنية:
*********
تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمل الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية موسم الهجرة إلى الشمال.
كتابته تتطرق بصورة عامة إلى السياسة، والى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار, والمجتمع العربي والعلاقة بينه وبين الغرب. في اعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فان كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية. الطيب صالح معروف كأحد أشهر الكتاب في يومنا هذا، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسين ونجيب محفوظ.

أدبه:
*****
الطيب صالح كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى». تعتبر روايته “موسم الهجرة إلى الشمال” واحدة من أفضل مائة رواية في العالم. وقد حصلت على العديد من الجوائز. وقد نشرت لأول مرة في أواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت وتم تتويجه ك”عبقري الأدب العربي”. في عام 2001 تم الاعتراف بكتابه من قبل الأكاديمية العربية في دمشق على أنه صاحب “الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين. أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة. حولت روايته “عرس الزين” إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان. في مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عموداً أسبوعياً في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم “المجلة”. خلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة. منذ عشرة أعوام يعيش في باريس حيث يتنقل بين مهن مختلفة، آخرها كان عمله كممثل اليونسكو لدول الخليج.

وفاته:
******
توفي في يوم الأربعاء ١٨ فبراير عام ٢٠٠٩ في لندن. شيع جثمانه يوم الجمعة ٢٠ فبراير في السودان حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب والرئيس عمر البشير والسيد الصادق المهدي، والسيد محمد عثمان الميرغني ،ولم يعلن التلفزيون السوداني ولا الاذاعات الحداد على الطيب صالح لكنها خصصت الكثير من النشرات الأخبارية والبرامج للحديث عنه.

ثــالثـآ:
وفاة محـمد وردي
************
ميلاده ونشأته:
ولد محمد وردي ، وإسمه بالكامل محمد عثمان حسن وردي ونشأ يتيما بعد وفاة والديه وهو في سن مبكرة فتربى في كنف عمه، واحب الأدب والشعر والموسيقى منذ نعومة اظافره. درس وردي تعليمه الأولي في مدارس صواردة ثم انتقل إلى مدينة شندى لإكمال تعليمه بالمرحلة المتوسطة ثم عمل مدرسا في مدارس وادي حلفا والتحق بعد ذلك بمعهد التربية لتأهيل المعلمين، بشندي حيث تخرج فيه معلماً وعمل بمدارس المرحلة المتوسطة ثم المدارس الثانوية العليا في كل من وادي حلفا و شندي و عطبرة و الخرطوم. وكانت مدرسة الديوم الشرقية بالخرطوم آخر مدرسة عمل فيها قبل استقالته من التدريس في عام 1959 م. يقول وردي عن ذلك، «إن التدريس كان بالنسبة إلي الرغبة الثانية بعد الغناء ولكن إذا خُيّرت بين التدريس والغناء لفضلت الغناء وإذا خيرت بين التدريس وأي عمل آخر لفضلت التدريس، واعتقد إن الفن يعتبر أيضاً تدريساً». خاصة وأن موهبة الغناء موروثة في كل الأسرة فوالدة محمد وردي واخوانها وأولاد عمومتها كانوا جميعهم فنانون معروفين بأداء الغناء، وكذلك عرف عن شقيقته فتحية وردي موهبة العزف علي العود.

***- في عام ١٩٥٣م زار الأستاذ محمد وردي العاصمة الخرطوم لأول مرة ممثلاً لمعلمي شمال السودان في مؤتمر تعليمي عقد فيها، ثم انتقل للعمل بها، وبدأ في ممارسة فن الغناءء كهاوي حتى عام ١٩٥٧ م عندما تم اختياره من قبل الإذاعة السودانية في أم درمان بعد نجاحه في إختبار أداء الغناء وإجازة صوته ليقوم بتسجيل أغانيه في الإذاعة، وبذلك تحقق حلمه في الغناء في الاذاعة بين فنانيين سودانيين كبار أمثال: عبد العزيز محمد داؤود و حسن عطية و أحمد المصطفى و عثمان حسين و إبراهيم عوض وغيرهم. و تمكن وردي خلال عامه الاول في الاذاعة من تسجيل ١٧ اغنية مما دفع مدير الإذاعة في ذلك الوقت إلى تشكيل لجنة خاصة من كبار الفنانين والشعراء الغنائيين كان من ضمن اعضائها إبراهيم الكاشف وعثمان حسين وأحمد المصطفى لتصدر اللجنة قرارا بضم محمد وردي إلى مجموعة مطربي الدرجة الأولى كمغنِ محترف بعد أن كان من مطربي الدرجة الرابعة بالإذاعة.

أهم مميزاته ودوره في
تطوير الأغنية السودانية:
******************
تميز وردى بإدخاله القالب الموسيقى النوبي وأدواته الموسيقية في الأغنية السودانية مثل الطمبور، كما عرف عنه أداءالأغنيات باللغتين النوبية و العربية. ويعتبره الكثيرون مطرب أفريقيا الأول لشعبيته الكبيرة في منطقة القرن الأفريقي خاصة في إثيوبيا و إريتريا. كما عرف عن وردي ثراء فنه وتنوع موضوعات أغانيه من الأغنية الرومانسية والعاطفية إلى التراث السوداني خاصة النوبي والأناشيد الوطنية والثورية وأغاني الحماسة، وفى عام ١٩٨٩ غادر وردي السودان بعد انقلاب الإنقاذ العسكري ليعود بعد ١٣ عاما قضاها في المنفى الإختياري. كما قام بمنح أغنيات من ألحانه لعدد من الفنانين.

***- مُنح وردي الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم في عام 2005م تقديرا لمسيرته الفنية لأكثر من ٦٠ عاما ولما يزيد عن ٣٠٠ أغنية، حيث يعتبر في المجتمع الفني بالسودان أسطورة فنية سودانية وموسوعة موسيقية.

وفاته:
****
توفي في يوم السبت 18 فبراير / شباط 2012 الساعة العاشرة والنصف مساء ودفن في مقابر فاروق بالخرطوم.

٣-
***- في الرقم ١٨ نجد ايضآ وفاة الراحل محمود محمد طه في يوم الجمعة ١٨ يناير ١٩٨٥…
***- وفاة الصحفية الراحلة نادية عثمان مختار في يوم الاثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣…

بكري الصائغ
[email][email protected][/email]

‫15 تعليقات

  1. شي من تاريـخ الراحل محمد وردي
    **********************
    ١-
    الرواية الاولـي:
    ———-
    يسرد وردي حكايته الغريبة مع رايدر في إحدى مقابلاته الصحفية قائلا: “كان البواب غليظاً غطى شارباه نصف وجهه الأسفل، صاح بلكنة صعيدية (مين)، رد عليه الشاب النحيل: محمد عثمان وردي، قبل أن يتمعن في الاسم سأل مجددا: عايز مين؟، فأجابه: عايز أقابل الموسيقار أندريه، أمره الحارس بالانتظار غاب دقيقتين ثم عاد وبدون تردد حسم الأمر بقوله: ما عندناش مواعيد دلوقت يا بيه ما نستغناش. لكن يبدو أن الشاب الأسمر كان مصمماً: أنا لازم أقابلو، أنا جاي من السودان عشان أقابلو.

    بعد تردد عاد الحارس مرة أخرى إلى داخل الفيلا، ثم ابتسم في وجه الشاب: أتفضل يا بيه بس ما تطولش أصلو البيه معاه ضيوف من الكبارات.

    كان الحارس متمترساً كالثور البلدي والريح تصهل بين طرفي شاربه الكث ، لكن الشاب يروي القصة كاملة : كانت الصالة واسعة.. فخمة المحتويات .. الستائر على النوافذ بألوان متناسقة مع الأثاث .. كان هناك عدد من الضيوف في سهرة الموسيقار الزائر .. رن صمتٌ مطبِقٌ عندما دخلتُ الصالة .. أذكر أن بصري وقع أول ما وقع على الفنان الكبير فريد الأطرش وبجانبه عوده المزخرف على نحو أنيق ورائع .. ومجموعة من الفتيات والفنانات المصريات والعربيات ..

    سألني أندريه مبتسما ابتسامة الفنان الذي يتوقع بحدسه الذكي ميلاد مفاجأة ما من أنت؟أجبته بثبات: (محمد وردي .. مطرب من السودان) .. رحب بي وأجلسني إلى جواره .. أضفتُ بدون تردُّدٍ (لديَّ عمل فني قمت بتلحينه في السودان وأرغب في عرضه عليك لتوزيعه إذا راقك) ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة شجعتني .. طلب أن يسمع شيئا من ذلك اللحن .. لم يكن معي عود .. فبادر أندريه بطلب عود الفنان فريد الأطرش الذي كان ينظر لي نظرة نجم القاهرة للغريب المقتحم ..

    استجمعت في تلك اللحظات كل شجاعتي لتأكيد استحقاق أغنية الود للمشقة التي تكبدتها من أجلِها منذ سفري من الخرطوم وحتى وصولي إلى القاهرة وانتهاء باقتحامي هذه السهرة المترفة .. غنَّيت بصوت عالِ أذهل الحضور وتمدد مستفيدا من الصمت الذي فرضه على المكان ..

    وكانت المفاجأة أن أندريه أمسكني من يدي وطلب مني الانتقالَ معه إلى غرفة داخلية ..كان بها البيانو الكبير الذي يستخدمه شخصياً .. ومنذ تلك اللحظة كان ميلاد أغنية الود التي لم أشأ أداءَها مرةً أخرى حتى لا يتشوَّه توزيع أندريه الرائع لها). وأضاف وردي (أصريتُ على أن يتمَّ عزفُ مقدمة المقطع الثالث من الأغنية بآلة الطمبور..

    وكانت تلك مغامرةً تجريبيةً أثبتت إمكانيةَ هذه الآلة العريقةِ على مزاملةِ بقية الآلات الموسيقية الثابتة .. بل وأثبتت تألقها.. وذلك ما جعل ذلك المقطع من الأغنية ساطعَ الحضور في سماء القالب اللحني العام للأغنية”. ولأن اللحن بلغ حد الكمال الموسيقي آثر الموسيقار الراحل الا يشدو به مرة أخرى وأضحى لا يعيد غناءها ثانية وظلت هكذا بتوزيع العبقري (رايدر) وإلى الأبد.

    ٢-
    الـرواية الثانـية:
    *********
    يروي صاحب (الوطن) الراحل (سيد أحمد خليفة) بعضاً من ذكرياته والموسيقار الراحل في أول احتفال بذكرى اكتوبر داخل المعتقل بسجن كوبر “يوم الحفل العظيم داخل فناء السرايا بسجن كوبر ومن على مسرحها أنشد الفنان محمد وردي أجمل وأعظم أناشيده الاكتوبرية الجبارة، ومعها أنشد الجديد الذي بشَّر بالحرية ونهاية الظلم قائلاً (اكتوبر .. دناميتنا دناميتنا.. ساعة الصفر.. ركيزة بيتنا) والنشيد من كلمات (محجوب شريف) الذي كان معتقلا معهم في نفس المكان.. ويضيف صاحب (الوطن)” وخلف وردي وهو على المسرح وحوله الكورال والشيالين والعازفين والمبدعين كانت الهتافات والتحديات تزلزل أركان السجن العتيد الذي أعلنت إدارته حالة الطوارئ .

    وأصاب الهلع والفزع من كانوا في بيوتهم أو في مجالسهم بعيداً عن السجن من سدنة النظام وقادة المقاصل وقتلة الرجال.. وقد أدى ذلك المشهد الفريد بجانب الاستنفار العسكري داخل وحول سجن كوبر إلى تجمع الآلاف من المواطنين حول السجن عندما حملت الرياح الجنوبية والشمالية نحو (800) منشداً كانوا معتقلين يرددون خلف الفنان (محمد وردي) و (محمد الأمين) و(جمعة جابر) و (إدريس إبراهيم)، الأناشيد الثورية والحماسية بأصوات ما كان يمكن أن تبلغ المدى السمعي لو جهزت لها أعتى وأكبر مكبرات الصوت”.

    وأتاحت له فترة السجن فرصة التقاط أغنية ستكون لاحقا أحد أجمل أغنياته على الإطلاق (أرحل) وكلمات الاغنية وصلت إلى وردي بطريقة غريبة حيث وصلت اليه بطريق الصدفة عندما لفت له عقيلته بعض أغراضه بصفحة من جريدة (الصحافة) كانت القصيدة منشورة بها. و(أرحل) مثله سابقتها (من غير ميعاد) التي التقطها الموسيقار الراحل من صحيفة (السودان الجديد) بعد أن قام بنشرها الشاعر (محمد يوسف موسى) على صفحة فنية أسبوعية كان يقوم بالاشراف عليها. وتغنى بها وردي للمرة الاولى في برنامج (تحت الأضواء) من تقديم الهرم الإعلامي (حمدي بولاد) قبل وقت قليل من انقلاب مايو 1969م وشاعرها (التيجاني سعيد) لم يكن قد بارح الثامنة عشرة من سني عمره بعد.

    وفي ليل السجن الطويل واللا نهائي تصبح القراءة إحدى وسائل تزجية الوقت وقد التقطت عيناه قصيدة بعنوان (قبض الريح) للشاعر (التيجاني سعيد) ففكر في تلحينها لكن واجهته مشكلة في الكورس وتوزيع الايقاعات فتولى السجناء والمعتقلون تلك المهمة،، وأيضا جرى تغيير اسم الاغنية إلى الاسم الذي ذاعت به بناء على ملاحظة الرشيد نايل وهو القاضي الشرعي الوحيد الذي انتسب إلى الحزب الشيوعي آنذاك بأن (قبض الريح) تكريس واضح لمناخ اليأس والإحباط خاصة وأن جميع الرفاق إما قتيل أو حبيس أو مطارد وعليه جرى تعديل اسمها لتصبح (أرحل).

    والاغنية فاجأ بها محمد وردي جهموره في حفل غنائي بكازينو النيل الازرق في 1973م .. ولعلها اكتبست بعداً سياسياً من هذا حيث شدا بها الموسيقار الراحل بعد وقت قليل من الافراج عنه رغم ان شاعرها ذكر في أكثر من مناسبة أن الاغنية لا تحمل ثمة مضامين سياسية وأنها أغنية عاطفية بحتة .. وبعد سنوات انبرى الموسيقار (يوسف الموصلي) لإعادة توزيعها مع أخريات من أعمال وردي إبان فترته بالقاهرة في النصف الاول من تسعينيات القرن الماضي. لكن الموسيقار الراحل لم يظهر رضا بشأنها بل عمد لانتقاد الطريقة التي اتبعها الموصلي في توزيع الاغنية ورأى ان الطريقة تجافي ما تعودته الإذن السودانية.

  2. الـشي بالشي يـذكر:
    ١٨ فبراير ٢٠١١ اسوأ يوم في حياة عمر البشير
    ******************************
    ( وتقول اصل الرواية:
    في يوم الجمعة ١٨ فبراير ٢٠١١، وتحديدآ بعد الصلاة، تعرض البشير لهجوم حاد وضاري من قبل شباب حزبه الذين كانوا يصلون معه بالجامع، انصب هجوم الشباب علي البشير بسبب تستره وسكوته علي مايجري في البلاد من فساد زكم الأنوف وفاحت رائحته وخرج للعلن، وكيف ان اغلب المحطات الفضائية العالمية – خاصة الفضائيات العربية- قد بثت الكثير من اخبار الفساد في نظام الحكم، وايضآ عينات من فساد الرئيس شخصيآ واخوانه وبطانته الذين اثروا حرامآ في ظل (حكم اسلامي!!)، وانه في ظل سكوت البشير المتعمد علي ما يحدث من فوضي “وسبهللية” في اجهزة الدولة، وعدم وجود دوائر رسمية تعمل علي رقابة المال العام، وعدم وجود مساءلة للصوص الكبار والقطط السمان، بجانب ما تقوم بها عصابات المافيآ التي وسعت دائرة الفساد بقوة السلاح (والهمبتة) بصورة لم تعرفها البلاد من قبل، ، فقد غدا الحال المزري لا يمكن السكوت عليه ، وان عمر البشير هو المسؤول الاول عن تفشي الفساد وراعيه وحاميه…

    (ب)
    ***- فوجئ البشير مفاجأة شديدة بالهجوم الشخصي عليه وعلي اخوانه وفسادهم، وماكان البشير (الغارق في احلام اليقظة والأبهة والسطوة والجبروت) يتوقع ان يكون في يوم من الأيام محل ادانة وهجوم حاد وعلني علي شخصه (الكبير!!)، هجوم جاء من الاولاد الصغار في حزبه!!، وان يقوم احد منهم وعلنآ جهار نهار بمس شرفه وكرامة اخوانه!!

    ***- لم يجد الرئيس المرتبك من وسيلة للدفاع عن شرفه وسمعته ازاء هذا الهجوم، الا ان يبكي ب(هستيريا)، وراح يؤكد ان لا احد من معاونيه قد اخطره من قبل بوجود فساد في نظامه!!..بعدها اعلن عن نيته الصادقة بالتحقيق في امور الفساد التي لا يعلم عنها شي، ووعد باجتثاث الفساد من جذوره ومعاقبة المفسدين!!

    (ج)-
    ***- في يوم الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٢ جاء خبر هام ونشر بالصحف المحلية وبث بأكثر المواقع الألكترونية، يفيد بان الرئيس عمر البشير قد اصدر توجيهاته بانشاء آلية لمكافحة الفساد في أجهزة الدولة واختير الطيب أبو قناية لرئاستها، بل وامعانآ منه (البشير) في محاربة الفساد اصدر توجيهاته بمتابعة كل ما ينشر ويبث عن الفساد في وسائل الإعلام والعمل على التنسيق بين رئاسة الجمهورية والجهات المختصة في وزارة العدل والمجلس الوطني لاستكمال المعلومات والتقارير بشأن كل ما يثار عن الفساد في الدولة!!

    (د)-
    استلم الدكتور ابوقناية مهامه كرئيس لمفوضية (محاربة الفساد داخل مؤسسات الدولة) وهي مفوضية عزلت نفسها عن اي جهات رسمية او اعلامية ، بل وحتي نواب المجلس الوطني، او الامانة العامة لمجلس الوزراء، او الوزراء بالحكومة المركزية ماكانوا يعرفون عنها شيئآ، مفوضية (هلامية)!! تابعة فقط للبشير ولا احدآ غيره!!
    (هـ)-
    ***- بعد عام من تعيين ابوقناية، قام عمر البشير باقالته منصبه في فبراير ٢٠١٣ ولسان حاله يقول:( بلا قرف مفوضية ..بلا محاكم!! خلوا ناسي واخواني وجمعة الجمعة وعصابات المافيآ ياكلوا عيشهم)…منذ ذلك الوقت حتي اليوم و”شلة” البشير غارقة في الاكل والنهب والفساد!!

    (د)-
    ***- اليوم الخميس ١٨ فبراير مرت الذكري الخامسة علي بكاء عمر البشير ، ياتري هل يتذكروها؟!!..ام سيقومون شباب حزبه مجددآ بتذكيره بعد صلاة يوم الجمعة غدآ ١٩ فبراير الحالي؟!!

  3. استاذنا الغالي .. لك الف تحية وتقدير … ربنا يديك العافيه ويطول عمرك … حقيقه بتتحفنا بكلامك الرائع … وتوثيق التاريخ …

    ما عندي أي تعليق … ربنا يخليك لينا وللسودان العظيم..

  4. يابكري دقق في المعلومات ،،
    محمد وردي لم يعمل في المدارس الثانوية اطلاقاً ،،
    أنت في التقرير ذكرت آخر مدرسة هي الديم شرق تلاتة ،، و هذه ابتدائية ، ( أولية سابقاً )
    ويقال بأنه عندما أراد أن يستقر في معلماً في الخرطوم ليواصل نشاطه الفني لم يجدوا له مدرسة إلا أن قريبه السياسي محمد نور الدين قال نفتح ليهو مدرسة ، و بالفعل فتحت مدرسة الديم شرق لكي لكي يعمل فيها وردي

  5. ناس الحركة الاسلاموية ما ح يذكرهم تاريخ السودان باى خير ولا هم اعلام ولا شخصيات عظيمة فى تاريخ السودان!!!

  6. بما انك يا استاذ / بكرى الصائغ صحفى تعمل بحرفية صادقة وامينة ونحن نشهد لك بذلك وتعليقات القراء ايضا تشهد بذلك واحترامك للقراء بالرد عليهم بتحيتهم وشكرهم لخير دليل على معدنك الغالى النفيس وهذا سلوك حضارى لا يجاريك فيه احد. ان اهتمامك الشديد بالتوثيق يعطى عملك احترافية قوية لا تجدها الا لدى دور النشر والصحف العالمية والمكتبات العالمية حيث التوثيق الدقيق للأحداث والمعلومات فى العالم وسرعة الحصول عليها مهما طال الزمن عليها , وما نجاح برنامج ” قوقل ” واليوتيوب وغيره من البرامج المشابهة الا تأكيدا لهذا . اتوقع لك نجاحا باهرا اذا طورت عملك بانشاء رخصة عمل لمكتب اعلامى تقوم بتسجيله فى المانيا أو انشاء موقع اليكترونى شبيه باليوتيوب تعنى بالتوثيق فيه فى الشأن السودانى فقط وتتخصص فى البداية فى هذا النظام الذى عايشته منذ قيامه وتملك ارشيفا كبيرا عنه مما يؤهلك ايضا لأصدار ” الكتاب الأسود ” عنه والذى يتوقعه المواطنون بمجرد سقوط النظام والذى سوف يستعين به المواطنون الذين ظلموا والمحاكم التى سوف تعقد لمحاكمتهم كما وايضا سوف تطلبه المكتبات العالمية ومراكز التوثيق والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة الخ … . منك لا سيما والنظام فى أواخر عمره وقد بدأ يترنح وقريبا جدا سقوطه . والشعب يحتاج لمحاكمة هذا النظام بالوثائق وكل ما يعين على محاكمته . بالتوفيق مع اعجابى بك وشكرا .

  7. الطيب صالح ينتمي لقبيلة البديرية وليس الركابية والقرية التي ولد فيها هي قرية كرمكول ريفي الدبة
    الاستاذ وردي درس بمعهد التربية شندي الذي كان الدخول اليه وقتها بعد الاولية مباشرة وليس بعد المدرسة الوسطى كما انه لم يعمل مدرسا في الثانويات بل في المدارس الاولية فقط كما هو الحال للاستاذ عبد القادر سالم والطيب عبد الله ومحمد ميرغني ومصطفى سيد احمد
    لماذا لم تتطرق للشخصيات التي حضرت جنازة الاستاذ وردي والسيد سر الخيم الخليفة

  8. محمود محمد طه لم يمت طبيعيا بل شهيدا ومقتولا من الطاغية نميرى وهذا معروف وثابت كثبات حلايب السودانية

  9. رحم الله الطيب صالح و أحسن إليه.
    كما سمعت منه حين زارنا في مدرسة الدبة الثانوية العليا في عام 1978م,أنه إلتحق بكلية العلوم غي كلية غوردون التذكارية,لكنه لم يكملها.قال لقيت الحكاية تشريح صراصير و فئران.كان أن إلتحق بوظيفة مدرس?ثم هاجر إلي لندن حيث عمل هناك و إستهر كأديب.

  10. الأخ الحبيب الأستاذ / بكرى الصائغ
    شكرا جزيلا على التوضيحات التى ذكرتها فى ردك على مقالى واقدر ذلك واوافقك على كل ما ذكرته من صعوبة الحصول على القدرات التى تساعد على قيام المشروع الذى اقترحته لك وايضا القراء من قبلى . ولكن ارى رأيا آخرا لنجاح المشروع مستندا على التكنولوجيا الحديثة والأستفادة منها . ارى ان تكون ضربة البداية الأعلان عن متطوعين من جميع انحاء العالم والكل يعمل من مكان تواجده وهذه عملية بسيطة والكل يعرفها ويعمل بها مثال ما يحدث فى ال face book من تواصل بين الناس وايضا الyou tube والمواقع الأخرى وما اكثرها وايضا الصحف الأليكترونية وايضا سهولة ومجانية الأتصالات التلفونية الخ …. مااقصده تكون انت الرئاسة والكل يمدك بالوثائق الخ … واذا طلبت متطوعين فانا متأكد سوف يتقدم اليك المئات من الشباب . لا تركن للعمر , فأنت ماشاءالله تعمل بجد وهمة الشباب وربنا يعطيك الصحة والعافية ويمد فى عمرك ويوفقك ويجزيك فى تقوم به لصالح وطنك .
    ان كان لا يضايقك ان تمدنا ببطاقة تعريف من : ايميل : تلفون : الخ … فأفعل ونكون لك من الشاكرين وشكرا .

  11. الأستاذ بكري الصايغ متعك الله بالصحة وأنت تسرد لنا شواهد عظماء بلادي من سياسيين ومفكرين وفنانين ومثقفين وغيرهم في المجالات الاخرى بعد أن أصبحت ذاكرتنا
    خربة وضعيفة كذاكرة الذبابة بسبب ما أعتراها من فعايل النظام الحضاري الذي بلد إحساسنا وأصبحنا خاملين وكسالى رغم أننا الشعب الذي ألهمت ثوراته وإنتفاضاته قديما شعوب الربيع العربي ضد أنظمتها الطاغية والظالمة

  12. أخوي الحـبوب،
    [اســترو عـبدالحـمـيـد،

    متعك الله تعالي بالصحة التامة والعافية الكاملة،

    والله يا حبيب ماعندي علي الاطلاق ما اضيفه لتعقيبي السابق علي تعليقك الكريم، ثم لا تنسي ان اقتراحك يحتاج الي مجموعة من الاخوات والاخوة هنا في المانيا تفرغ نفسها لهذا العمل الضخم، وظروف عملي حاليآ كمستشار قانوني لا تسمح. الحمدلله وجدت صحيفة “الراكوبة” و”حريات” لبث ونشر ما عندي من وثائق…”اكتر من كده ما ممكن “.

  13. شي من تاريـخ الراحل محمد وردي
    ********************
    مدير جهاز الامن :
    “نحن ما قبضناك عشان راكب دبابة قبضناك عشان عودك ده وما حنديك ليهو”.

    -نشر في الراكوبة يوم 21 – 02 – 2012-
    الكاتب: – عادل كلر-

    ٣-
    الروايـة الثالثة:
    ******************
    ثم تفجرت ثورة مايو 1969م بقيادة العقيد جعفر نميري حمراء قانية اللون ، ويسارية الهوى حتى ان البعض أطلق على السودان وقتها لقب “كوبا أفريقيا”، ولم يمض وقت وجيز حتى أهدى الموسيقار الراحل الانقلاب الوليد نشيد (في حكاياتنا مايو) ومن مقاطعه التي لا تنسى (أنت يا مايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا..أنت يا مايو ستبقى بين أيدينا وفينا.. لم تكن حلما ولكن كنت للشعب انتظارا)..وسرعان ما اتبعها بنشيد آخر (يا حارسنا وفارسنا) الذي ظل يبث حتى الايام الاخيرة لنظام مايو،

    وقد اعتذر (وردي) و(محجوب) عن تلك الاناشيد ، ويحكي الشاعر (محجوب شريف) عن تلك الايام في مقابلة مع (محمود المسلمي) في برنامج (همزة وصل) على إذاعة (لندن) بث في تسعينيات القرن الماضي عند سؤاله عن القصيدة التي قدمته للناس فأجاب بطريقة مباشرة ودون مواربة “أقول لك بكل آسف لأغنية “يا حارسنا ويا فارسنا” ويفسر محجوب شريف مبعث أسفه وحسرته تلك انهم استقبلوا ذلك الانقلاب (في إشارة لمايو)، بصدق فني لكن دون وعي سياسي أو اجتماعي وهذا ما أوقعهم في فخ الغناء له وتمجيد قادته. ويبدو أن النشيد كان عرضا من (أمراض الطفولة اليسارية) على حد تعبير لينين الشهير.

    ومن المهم جدا الاشارة إلى أن الموسيقار الراحل وشاعر الشعب أصبح فنهما من لدن تلك الواقعة (قوسا بيد الشعب) فقد تبرآ معا من الغناء لغيره أو تمجيد أحد سواه.. نعم هو الشعب ولا أحد سواه كما يقول (صلاح أحمد إبراهيم) عنه أي (الشعب) في مساجلاته الذائعة الصيت مع (عمر مصطفى المكي)،” وهبته ألذ سويعات العمر، وأحلى سني نضارتي ورونقي.. ووهبته وقتي وراحتي وأماني ومستقبلي وقلمي وألمي ودراهمي المحدودة، لأن الكتابة لا يمكن ان تكون فيما عدا خلسات محفوظة.. متعة جمالية بحتةأ بل استمرار مؤلم ومستوحش للنضال”. واذا كانت الكتابة التزاما مؤلما ومستوحشا فضروب الفن الاخرى وبينها الموسيقى والغناء لا تقل عنها خطرا.. وفي درب الالتزام تجرع وردي المر وذاق الحنظل، لكنه لم يلن أو تنثني له قناة.

    لم تمض سنتان حتى قاد (هاشم العطا) ثورة تصحيحية ضد ثورة مايو، ورمزها (جعفر نميري) في 19 يوليو 1971م غير أن الحركة لم تصمد سوى ثلاثة أيام، ثم عاد نميري اكثر وحشية ودموية ورغبة في الانتقام فقتل من قتل وشرد من شرد وسجن من سجن.. وكان من بين الذين طالهم السجن محمد وردي الذي نزل بساحة سجن “كوبر” العتيد. وفي السجن أكثر وردي من المطالبة بأن يعطى (عوده) وفي إحدى المرات رد عليه مدير جهاز الامن وقتها (عبد الوهاب) قائلا “يا محمد وردي نحن ما قبضناك عشان راكب دبابة قبضناك عشان عودك ده وما حنديك ليهو”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..