جرة نم 5

نمة اليوم أخترناها لكم، أيها الأحباب، من أدب الهمباتة؛ وهي من شعر رجل عرف بالشجاعة والكرم والشهامة، بيد أنه أحد أشهر الهمباتة في السودان. شاعرنا اليوم هو الطيب عبد القادر سليمان المشهور بود ضحويه. وهو من قبيلة الجعليين وتحديداً من فرع السروراب ولكن نسب إلى جدته وصار يعرف بها. وقد جمعته ممارسة الهمبته برفيق دربه وصديق عمره طه الضرير وهو الآخر رجل فحل ذاع صيته في كل بقاع السودان. ويجمع بين هذين الرجلين صفات كثيرة منها الكرم والشجاعة وحب المغامرة والوفاء والإقدام، كما أن كلاهما شاعر مجيد من شعراء الدوبيت. إن هذه النمة قد قالها الشاعر في آخر أيام حياته على ما يبدو أو على أقل تقدير عندما شعر بدنو أجله وهو على فراش الموت فقال مخاطباً نفسه بكل شجاعة وثبات:
كنتي تَقْرعي البكرة وتَمُصري ثديها
ومرات تقرني أم حَلقة وتشقي التيها
يا نفس الرماد المتعة كملتيها
أبقي لزومة وقت القرعة وقعت فيها
فكما يتضح فإن هذا الرجل مؤمن بالقدر، الذي لا مفر منه، ولذلك فهو يحاور نفسه بكل ثبات ويقين وطمأنينة، مذكراً إياها بكل ما كانت تدفعه إليه من أفعال الهمبته من سرقة الإبل وخاصة البكار حتى استنفدت كل ملذات الحياة بعدما أشبع رغبته من المغارات حيث كان “يشق التيها” أي أنه يسافر في البلد القفار الموحشة، ولكنه اليوم موقن بأن الأجل قد حان فلا داعي أن تجزع نفسه بل عليها أن تكون “لزومة”، أي صابرة وراضية بقدر الله المحتوم، وقد نشبت المنية أظفارها أو كما عبّر هو بلهجة سودانية بسيطة ” القرعة وقعت فيها” فأي ثبات هذا. وكما هو معلوم فإن الطيب ود ضحوية لم يكن رجلاً أمياً أو جاهلاً بل كان ملماً بقدر يسير من كتاب الله وبعضا العلم الشرعي وقد أثر ذلك في سلوكه بالرغم من ممارسته للهمبته! ويتضح ذلك أكثر من هذه النمة التي تعكس مدى إيمانه بالقدر. مجمل القول لقد كان معظم الهمباتة يمتعون بأخلاق وقيم فاضلة كما يتضح من قول الطيب ود ضحوية:
ماني الخايب البقول سويت
وما نهروني عن ساعة السعال قريت
إن بردن قروش ماني البخيل صرّيت
وإن حرن بكار ماهن صفايح زيت

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..