منوعات

عَزيـزة أُخُتْنَـا ..!

«خير من تصحب من يطلبك لذاتك، لا لشيء يعود منك إليه» .. ابن عطاء الله السكندري ..!
(1)
الزمان: مطلع الستينيات من القرن الماضي، المكان: موقف الباصات بمدينة عطبرة .. قفزت عزيزة من الباص بالقرب من مركز البوليس، وهي تفكر بما سيئول إليه حالها في مدينة تزورها لأول مرة، بعد أن ودعت أهلها في «كادقلي»، وقطعت تلك المسافات لتعمل مدرِّسة بإحدى مدارس وادي سيدون ريفي عطبرة .. قادتها خطاها إلى مركز البوليس، فطرقت باب مكتب جدي لأمي! .. سلمت عليه وأخبرته بأنها لا تعرف أين يقع مكتب «ريفي عطبرة» الذي يفترض أن تكمل فيه إجراءات نقلها .. فخاطبها جدي قائلاً في بساطة: (قومي يا بتي يلا معاي البيت) .. هناك أقامت عزيزة مع جدتي وخالاتي ثلاثة أيام قبل أن يوصلها جدي إلى محطة باصات سيدون! .. كانت عزيزة التي لا تستطيع السفر إلى أهلها في موسم الأمطار وفي غيره أحياناً – بسبب قصر العطلات وطول المسافة إلى كادقلي – تأتي لقضاء الإجازة في بيت جدي، وكانت جدتي لأمي تناديها بـ «عزيزة بتي»، وكانت وخالاتي ينادينها بـ «عزيزة أختنا».. خمس سنوات قضتها بينهم حفظت خلالها الكثير من «رطانة» الدناقلة وعرفوا الكثير عن عادات أهلها في الغرب! .. ثم تقدم لخطبتها اثنان من أبناء عمومتها فوقعت في حيرة من أمرها أيهما تختار، وحتى تحسم أمرها قدم الاثنان لزيارتها في أجازة عيد الأضحى وأقاما معها في بيت جدي الذي حرصت عزيزة على طلب مشورته .. توافق خيار جدي مع خيارها فتم الزواج، ثم غادرتهم للإقامة مع زوجها في الخرطوم .. في نهاية العام تسلَّم جدي برقية من عزيزة وزوجها كان نصها كالآتي: (رُزقْتُ بتوأمَتيَن) .. بفرحة عارمة سافر جدي وجدتي إلى الخرطوم لحضور «السماية»، فأواصر العلاقة بقيت ممتدة، رغم تغير الزمان واختلاف المكان ..!
(2)
المكان: مدينة الرياض .. الزمان: النصف الأخير من تسعينيات القرن الماضي .. في سفارة السودان بالرياض قرأ والدي إعلاناً لوكيل سوداني لجامعة «سانت بطرس بيرغ»، كان مختصاً بتنسيق إجراءات أبناء المغتربين الراغبين بالالتحاق بتلك الجامعة .. في ذات الوقت، وفي قنصلية السودان بمدينة جدة اطلع طبيب مغترب على ورقة الإعلان المثبتة في بورد الإعلانات .. تقدم الوالدان بطلبي التحاق ولديهما بكلية الطب في تلك الجامعة وتم القبول، وتبقى على رحلة السفر الطويلة بضعة أيام .. قرأ المغترب المقيم بمدينة جدة اسم شقيقي الأكبر المركب – «محمد المجذوب» – في قائمة الطلبة المقبولين بتلك الجامعة، فبحث عن رقم هاتف والدي، وبادره قائلاً: (لامن قريت اسم الولد تذكرت شيوخنا مجاذيب الدامر، وقلت ديل أهلنا ناس الشمالية الطيبين)! .. وهكذا، بمنتهى الروعة والإخلاص والبساطة ولدت علاقة صداقة هاتفية عميقة بين والدي وذلك الطبيب المغترب الذي طلب من ابنه قطع أجازته في السودان والعودة إلى السعودية .. اتفق والدي مع صديقه الهاتفي – الذي كان لا يعلم عنه أكثر من أنه طبيب بيطري من أبناء الشمالية يقيم في مدينة جدة – على إرسال ولده للإقامة عندنا حتى موعد سفره .. وبالفعل أقام معنا لبعض الوقت قبل أن يسافر هو وشقيقي على ذات الرحلة وفي مقعدين متجاورين، ثم يقيمان معاً في نفس السكن هناك! .. في أثناء سنوات الدراسة كانت هنالك مشكلة في التحويلات البنكية من السعودية إلى روسيا، تمكن والدي من التحايل على صعوبتها بطريقة لا أذكر اليوم تفاصيلها .. فكان صديقه الهاتفي يرسل الأقساط السنوية المستحقة على ولده للجامعة على حساب والدي الذي كان يقوم بتحويلها دفعة واحدة مع أقساط شقيقي .. وفي بعض الأحيان كان يحدث العكس فيقوم والدي بتحويل المبالغ المستحقة ثم يتسلم المال من صديقه التلفوني فيما بعد .. ولم يحدث قط أن فكر والدي بالسؤال عن عنوان ذلك الصديق في جدة، ولم يحدث قط أن فكر صديقه التلفوني في السؤال عن عنوان الرجل الذي يأتمنه على أمواله .. فقط بعض الذكريات المشتركة بيهما عن «مدينة الدامر» وبركات «الشيخ المجذوب» كانت تكفيهما وتزيد ..!
(3)
بحثت عن حكاية مشابهة تخصني فلم أجد .. لست أدري هل المشكلة في شخصيتي .. أم في بنات وأبناء جيلي .. أم في قسوة القرن الواحد والعشرين ..؟!

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. الله ينور عليكي . كنت زهجان وقرأت مقالك الشيق الجميل وتذكرت أشياء مماثلة فالعيب ليس فينا بل في الزمن كله. كان جارنا الشايقي في عطبره ولقبه قادوس يضربني مع أبنائه حين يجدنا نلعب تحت عمود النور بعد السابعة مساء ولا أحد يحتج زز اليوم ولدي لو خالو ضربو أمه اللي هيا أخت خالو بتعمل شمطه مع أخوها. انتهت كل حاجة جميلة. المهم شعرت بفرح غامر بعد قرآتي لعمودك المقروء

  2. يا استاذة منى نقالك ده هايف ولا لوم ولا طعم ولا رائحة له كالماء . منذ ان رايتك مع دبدوب الانقاذ فى تلفزيون امدرمان عرفت ما عندك موضوع وبس ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..