سيناريو (الإشارات الواردة)..!

تدل الآثار الكاملة للمهدي على معرفته واطلاعه على رؤى محيي الدين ابن عربي في المهدية، فقد أخذ بها كمسلَّمات وسعى للمطابقة بين حرفيتها وظرفه التاريخي، حتى تخرج دعوته للملأ منسوبة للإمام الأكبر، ووفق السيناريو الذي أعدّه سلفاً، هنا يظهر بجلاء ملمح المهدي كصوفي، أجبرته السياسة وتجريب طرائق التغيير، إلى استلاف ما يحتاجه، من الفقه ونصوصه التي تؤسس للقوة بمفهومها المادي.
أخذه بنصوص ابن عربي كمسلمات على الرغم من تصنيفه للأحاديث الواردة في شأن الظهور بأنها (منها الضعيف، ومنها المقطوع ومنها الموضوع).. أنظر إسماعيل عبدالقادر الكردفاني، في كتابه سعادة المستهدي بسيرة الإمام المهدي، تحقيق محمد إبراهيم أبوسليم، ط 1، الدار السودانية للكتب، صـ(59).. والكردفاني هو إفادة أشهر سوداني كتب عن المهدية، في حينها وإبان فورانها، يسمي الإمام المهدي دليله وسنده من النص بـ(الإشارات الواردة)، ويتجه بهذا التعميم إلى تكفير من لا يؤمن بمهديته من واقع طغيان الهدف التحرري كضرورة قصوى يتبعها تأصيل الأمر الديني.
كما تأثر الإمام المهدي ببشارات الشيخ عبدالوهاب الشعراني وفتاويه التي تقف كالسيف بين نصاعة النص وتفريعات الصوفية فيه، ولا غرابة في تأثر المهدي بالشعراني لأنهما ينتميان إلى بيئة النيل، لكون الشعراني أبرز صوفية مصر في القرن العاشر الهجري الذين شكلت تعاليمهم وجدان الغلبة الصوفية في سلطنة سنار.
وصف الشعراني المهدي بأنه آخر الخلفاء المحمديين، ومن هنا جاء اقتران اسم المهدي بخلافة محمد الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه خلفاء للراشدين. يقرر الشعراني أن بعض صوفية القرن العاشر اجتمعوا بالمهدي الذي كان حينها في رحم الغيب، وأن المهدي أخبرهم بوقت ظهوره، وأنه حين يظهر تتجسد فيه فكرة الإنسان الكامل.. أنظر: الإبريز، صـ(9 و99 و199).
وأسهب (ابن خلدون) في عرض الأحاديث التي تحمل البشارة بالمهدي وقام بتخريجها في مقدمته الشهيرة.. يصعب تصنيف ابن خلدون كصوفي، لكن ثقافة عصره وأثر الغلبة الصوفية يرمي عليه ظلالاً من ذلك.. وأورد الآراء المتضاربة بشأن الظهور، وأطلق على المهدي لقب (الفاطمي)، وأشار إلى استلاف الصوفية فكرة المهدية من التراث الشيعي حيث يرى أن الصوفية، كما يقول ابن خلدون: (أُشربوا أقوال الشيعة حول المهدي).. من هنا اتخذ بعض الدارسين إشارة ابن خلدون كحقيقة كاملة.
وكشاهد على عصره، كذَّب ابن خلدون نبوءة ابن عربي وابن سبعين في تحديدهم لموعد الظهور، وهو تحديد قُطِع به أن يحدث في عصر ابن خلدون، ولما لم يقع فإن ابن خلدون لم يكتفِ بنفي الظهور الموعود، بل ذهب لأبعد من ذلك فوصف تلك النبوءات بأنها (ألغاز)، لكنه مع ذلك لم ينكر فكرة المنقذ كفكرة إصلاحية تؤيد نظريته الاجتماعية في حاجة الملك أو (النظام السياسي) إلى شوكة العصبية الدينية، وأن المهدي كمنقذ هو نداء أمم إسلامية كثيرة تحتذي ما كانت عليه عصبية قريش، أو هي حجة للانعتاق بالتقريش في عصور متأخرة نسبياً عن عصر الإسلام الزاهر.

اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..