منوعات

حباريك وكزاربو

الجباريك (مفردها جبراكة) والكزاربو (مفردها كزربوية)، ويعتقد أن الكلمتين هما من لهجة أهلنا في دارفور، وتعنيان نوعاً من المزارع أو “البلدات” الصغيرة التي تزرع عادة حول البيوت أو قريباً من القرى وتعمل فيها النساء والأطفال؛ خاصة في غرب السودان، وهي تسد حاجة البيت من بعض المنتجات الزراعية مثل الويكة والتبش والعجور والعنكوليب والبطيخ وربما الذرة وغيرها من المحاصيل مثل الكركديه. هذا النشاط يسهم في توفير الغذاء المنزلي وقد يكون مصدراً للدخل المتواضع لتلبية بعض الحاجات بعيداً عن ميزانية الأسرة! وعلى كل حال، الجباريك أو الكزاربو تعني الاستفادة من الأرض والمطر من أجل المساعدة في دخل الأسرة وهي لذلك وسيلة من وسائل الحد من الفقر ومصدر عملي ومعقول من مصادر الدخل. كانت تلك المزارع الصغيرة منتشرة، حتى وقت قريب، في كثير من الأرياف وحتى المدن ولكنها آخذة في الاختفاء الآن. وفي واقع الأمر، ما جعلني أتناول هذا الموضوع مقال كتبته المهندس أمل كرار إبراهيم فرح في مواقع التواصل الاجتماعي ذكرت فيه ما نصه: ” تلك “الحدائق” توفر أنواع رخيصة من الخضروات وتساهم في تقليل الضغوط الاقتصادية على الأسرة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي يمر به كل العالم؛ خاصة وهي تحتاج فقط مساحات صغيرة وقليل من الماء وربما بعض السماد العضوي الذي لا يضر البيئة ويمكن تصنيعه منزلياً من بقايا الأطعمة والخضروات فهو لا يكلف شيئا ولا يؤذي البيئة بل يضيف إليها مواد عضوية تزيد من خصوبتها”. وقديماً كان الناس يستخدمون “الماروق” أي روث البهائم في الجباريك والكزاربو، ولذلك كانت الإنتاجية عالية أو مجزية مقارنة بالمساحات المزروعة. وبما أننا نمر بمرحلة اقتصادية صعبة الآن يتوجب علينا تشجيع الأسر على العودة إلى زراعة الجباريك والكزاربو في محاولة للحد من الفقر وتشجيعاً للإنتاج مهما كان ضئيلاً. وفي هذا الصدد تضيف المهندس الزراعي أمل كرار قائلة: ” الجباريك موجودة في العديد من قرانا في كردفان حيث تزرع الخضروات والمحاصيل الأخرى في مساحة حول المنزل تكفي لحاجة أهل الدار ويباع الفائض من المنتجات في الأسواق المحلية ليكون مصدر دخل آخر إضافي، كما تمثل الجبراكة نوعاً من الاستقلال الاقتصادي للمرأة تستطيع عن طريقه توفير احتياجاتها الشخصية بدون الاعتماد فقط على رب الأسرة.” حسب رأي هذا الأمر يحتاج لجهة أو جمعية أو منظمة مجتمع مدني تتولى تشجيع الأسر في هذا المجال سواء بتقديم الدعم الفني أو الإشراف الزراعي ويمكن إدخال الإنتاج الحيواني والدواجن والمناحل ضمن هذا النشاط الحيوي الذي يعود بفائدة مباشرة على الفرد والأسرة والمجتمع. ولماذا لا تشارك جهات مثل ديوان الزكاة والتمويل الأصغر في هذا التوجه؛ عبر توفير الدعم المالي المعقول والإشراف الفني وإيجاد قنوات تسويق حتى يخرج الجميع كاسباً وراضياً؟ في هذا الشأن تقول أمل كرار أيضاً: “لدينا أعداد كبيرة من النساء في مواقع مهمة يمكن الاستفادة منهن للعمل علي نشر ثقافة الجبراكة، لأنها أصلاً موجودة في القرى وتعتني بها النساء؛ وبذلك نضمن استغلال إمكانيات الأسرة في نشاط مفيد لتوفير الغذاء وخاصة الخضروات الطازجة والقليلة التكلفة. وبما أن الجبراكة تكون حول المنزل وفي مساحة صغيرة؛ فيمكن زراعة المحاصيل الموسمية بدل الاعتماد علي موسم الأمطار فقط وزراعتها لمرة واحدة في العام. وعلى ما أذكر، فإن بعض الهيئات والمنظمات التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يمكن أن تقدم العون للنساء في القرى والمدن بمدهن بالبذور المحسنة وتثقيفهن باستخدام الدورة الزراعية البسيطة والأسمدة العضوية المكونة من مخلفات الحيوانات، وطرق التخلص من الحشائش الضارة بالمحاصيل.” أعتقد أن هذا الطرح قد جاء في الوقت المناسب فنحن الآن نستقبل فصل الخريف وعلى ما يبدو سيكون مبشراً هذا العام؛ ولهذا اقترح تشكيل جمعية تعنى بهذا التوجه، وهنالك جهات عديدة يمكن أن تشارك رسمياً وشعبياً؛ سعياً لتحقيق شعار نأكل مما نزرع، وإذا كنا قد فشلنا في تحقيق هذا الشعار على المستوى القومي فليس أقل من تحويله إلى واقع على مستوى الأسرة الريفية حتى نسد ثغرة من الثغرات التي قد ينفذ منها الفقر والجوع إلى مجتمعاتنا! إن مكاسب النشاط الاقتصادي، مهما كان محدوداً، يجب أن تنعكس إيجابياً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والكساء، وأن يكون أول المستفيدين من هذا النشاط البسيط الفقراء والعاطلون عن العمل والمجموعات الضعيفة في المجتمع الريفي، ولا شك أن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول أن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة؛ لأن وصول الفقراء إلى تعليم أفضل، وإلى صحة أفضل سوف يساهم بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي على مستوى الوطن. من هنا أدعو إخوتنا في وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية شمال كردفان، على وجه الخصوص، لتبني هذا المقترح فهو فكرة رائدة وتتناسب مع نفير نهضة الولاية، لا سيما أن هذا النشاط يعد وسيلة عملية لمكافحة الفقر وتوفير الغذاء.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..