تمنيت وانت طيف ماتغيب !

تمنيت وانت طيف ماتغيب !

جماع مردس
[email][email protected][/email]

سأبتعد عن السياسة هذه المرة ، واتحدث لكم اصدقائي في الشتات السالم وفي امدرمان وكل مكان ، عن (( ليلة ، ليلة ، ليلة )) استطاعت فيها طفلة الأمس ، دكتورة الغد ، ابنتي حباب ان تنتزعنا فيها ولو لبعض حين ، من حالة الكآبة والضيق وجهامة الأيام الصارمة الي محيط التجلي والفرح الأصيل .

ظللت اقول لأصدقائي سنويا وبكل فخر ((ان احتفالى السنوي بذكري زواجي جعلني منتجا للفرح وليس مستهلكا له مثلكم )) ، لأن الفرح في نظري ليس ترفا بل ضرورة لازمة للحياة السعيدة ، ولأن من يفرح بالحياة ، فهو يعشق الحياة ، ولا يعشق الحياة الا من يؤمن بها ، ومن يؤمن بالحياة فأنه يسعى لتطويرها وتنويعها وجعلها اكثر من حياة ، ولأني سعيد بزوجتي وعيالي فإني احتفل .

وفلسفتي ان الأنسان ، يخوض معترك الحياة باحثا عن زمن افضل ، زمن اكثر سعادة واقل ايلاما، ويتفق كثير من فلاسفة الأخلاق على ان المحدد السلوكي ينبع من ثنائية اللذة والألم ، بوصف السلوك الإنساني ، في بعده الفردي خاصة ، مشروطا بهذه الثنائية ، علي اختلاف في تحديد هويتها ، وعلى اختلاف اكبر في اجتراح الوسائل الكفيلة بتحقيق الأفضل منها ، كما وكيفا … الفرح ليس استثناء في حياتنا ، او انه لا يجب ان يكون كذلك ، وهذا احساس فطري يحكم المجموع الإنساني بحيث يجعل الإنسان يعيش في حالة شبه دائما من عدم القناعة بما يتوفر له من شروط السعادة ، وهذا يتجاوز السعادة في تمظهرها المجرد ، الي حيث السعاده في تمظهراتها المختلفة ، خاصة عندما تصبح مجدولة بكثير من مظاهر الألم الإنساني ، الذي يسعي لتحقيق الأسمى والأقدس والما ورائي في حياة الإنسان . ولكن ما انا بصدده ليس البحث في فلسفة مثالية للفرح ، وانما ابحث عن المباشر في حياتنا التي كادت ان تتصحر جغرافية الفرح فيها ….
فى ذكري زواجي ، ساقتني حباب للفرح ، فرحت مرتين ، مره لأنها كبرت وتغلبت على حالة الخجل واستطاعت ان تتحدث امام الناس ، وفرحتي الثانية للمناسبة ، ادهشتني وهى تحي الكرسي الفاضي ( سلام يمي ، سلام ابيض تقول عمى ، سلام زولا بغنيه ولسه غناه ما تمى ) كانت منفعلة وهى تخاطبني ، سلام ابوى الطيب الإنسان وكل سنه وانت طيب ، سلام عمو زيادة وشكرا على حضورك برغم حزنك على صديقك (خالو حميد ) ، ولو لا احساسى بأنكم جميعا محتاجين للفرح وللمة امدرمانية ، ما تجرأت على دعوتكم للغناء واطفاء شمعة ، اندهشت ولم اصدق عينى ، يا ربي دي ، (حباب ولا طيفها ) …
وبعد صمت ، ودمعة حائرة في عينى الفنان الإنسان زيادة النور ، قال لها ، يا دكتورة ( خالك حميد ما مات وما بموت ) وحنغني ليكم اغانية الليلة .. وحنغني لأمك وابوك منتجي الفرح ..
غنى زيادة وكأنى اسمعه للمرة الأولى ، تسلطن ، غني لنا ولحبيبته التي لم تخلق من ضلعة ، بل خلقت من عجين الروح ، بت عرب ونوبية ، حبيبة بملامح امدرمان ، وغني بصوت فخيم كأنه قادم من زهو الزمن الواعد غيثارة حب ، وكأنه قادم من احلامنا وذكرياتنا واشواقنا و كأنه مزمار نبي الله داؤد ، اخذنا بعيدا وذاب التياعا ، فانتزعنا عنوة من صدأ ايامنا اليابسات الي الفرح ولتراب حلتنا وخبز أمى وايام الشباب والفتوة والنضال.
طوع زيادة العود وجعل منه طنبورا ليغني به ( الدليب ) وطوع قلوبنا فأصبحت اسيرة الطنبور ، عزف لحن الحياة ، فتتوسعت مساحة الفرح في دمائنا وبطول شرايننا ، وحاصرنا الفرح وانواع من الهموم مثل تباريح العشق المفتوق في ظهر الليل ، وتأرجحنا بين النص الشعري وقوة الصوت وروعة الأداء ، حينها صدحت بأغنيات حميد جداولنا التي يبست من الكلام الحلو وتداوت ارواحنا من هموم الغربة .

عشقي لفن الطنبور قديم ولا ادري لماذا ؟ ، احيانا اقول لربما يكون السبب شعر محمد الحسن سالم حميد المكتوب بلهجة الشمال وارتباطي به في ايام الطلب والنضال ضد ظلم نميري في عطبره ، وكم كانت تخيف اشعاره الطغاه في الخرطوم ، وكم جعلت منهم اراجيفا . وفي مرات اخري اقول ربما يكون سبب عشقي هو (آلة الطنبور )لأنها موجوده في الغرب والشرق والجنوب والشمال وفي كيمياء ارواح اهل السودان.

ولكن الحقيقة الأكيدة ، ان عشقي للطنبور سببه ، نخلة من الشمال ، زوجتي الشايقية ، والتى مارست على احلى ضروب الإستلاب الثقافي من خلال قوة عطفها وحنانها ومودتها وسطوة حبها ، فأصبحت عاشقا للطنبور وحميد ونوري والشمال (و يا اللوري تشيل منوه ، غير بنات نوري تشيل منوه ) ، هى لحن حياتي ، ورفيقة غفلتى وانتباهى ، هى نصيبي ، امتثالا لقول ابو الطيب المتنبئ (( نصيبك في حياتك من حبيب … نصيبك في منامك من خيال ))……

ولأني ابحث عن زمن افضل ، وعن دور ما فى زحزحة ثقافة الكآبة وسط اصدقائي في الشتات ، وكيف يمكننا ان نعيش الفرح ذاتيا ، وكيف له ان ينبت من دواخلنا برغم الظروف ، وكيف تكون هذه الفرحة صادره منا ان اردنا ان نكون كائنات ايجابية ، كائنات تبعث على الفرح وتحدد مساحات الأحزان ، كائنات تؤمن بالحياة، لذا ظللت احتفى بفرح عمرى كل عام …
(واعزم كل زول برتاح على ضحكة عيون فيها )….

تعليق واحد

  1. يأيها الباكون على شاطئ الشباب .. تنادوا للفرح المجترح في ذكرى زواج .. بل يستوقفني انه ذكرى شراكة لكون من يتزوج من؟ اذا ما كانت الرغبة والاشتهاء هي ولوج الروح عبر المسام الي صميم الأفئدة .. فالرجل ما يشعر (وربما مقدرة على ان يكون بعمر المراهقة) حرارة وصبى وليس مهما ان كان عداد الايام ضاعف المعادلة بعض مرات
    والمرأة ما ترى .. اذا ما تغلبت على بعض (كسل) وأمتشقت كعروس تعد نفسها لمقابلة أهل العريس (وخاصة النساء) منهم لتؤكد ان هذا الاندماج ليس سوى تجلى لجمال لا توقفه السنين او تحبسه التجاعيد في مكان ما .. هكذا مخلوقة أصغر من كل بنات الحارة وبناتها .. تلك قوانين الناموس لدي سفهاء العشق في ترف الناظر حفيد ود حنيطر .. وشكرا له في تغلبه ان مثلما يعرتف بان الله واحد .. قرر ان يكون (توحيدي الزواج) .. وهذا (فضل من الله عليه) .. فقلما تلغي أمراة كل النساء كما يكتب الشاعر العظيم عالم عباس (معتذرا لرفيقه دربه) في ليلة مستفذة بالرياض

    لك ما بدأت (والهش يذوب في الجولة الاولي من العشق الجميل)
    اما حباب تلك الفتاة التي قالت لي ذات لحظات علقت على أمها مازحا زقصدت ان أختار طعم الكلام (البشبها) وسابق كلام جماع بركعة .. قالت هذه الحباب (يا عمو انت عارف ليه أمي دي كدا؟ قلت ليه؟ فقالت (لأنها طالعة على بنتها) .. كان تعبيرا جديد لا يعايره سوى ما أقوله لصديقي جماع عن صديقتي جدا زوجته الجميله .. وما كنت أتطرف في محبتي لجماع حد الازعاج (وهو أهل لذلك) لولا أختياراته العميقة لإمراة بهذا الحد.. فكيمياءها عالجت كل المسافات بين عطبرة والسعاتات..
    فانها ليست شايقية ولو جرت دماء الشايقية في عروقها .. هي هي شايقية وعركية وكردفانية بامتياز وخرطومية اي سودانية كاملة الخلقة .. فهذا الحشد الكبير يحمله جماع الذي ينتمي الي كل قبائل السودان .. فلماذا نبحث عن الانصهار .. لدينا هذه السبيكتين من الحرير وبعض عشق
    كل عام وانت أكثر انكسار لتلك المرأة التي أعطتنا أجمل زهرتين من النشيد (ملاذ وحباب)

  2. أمنياتي يا جماع لك ولرفيقة دربك الكريمة ولبنتيكما ملاذ وحباب بالصحة والعافية وأنتم تحتفلون بهذه الكيفية الراقية بعيد زواجكما أنت والمدام .ولها الشكر الجزيل على ما اتحفتنا بها من كرم فياض في منزلها العامر منزلكم بجدة طوال سنوات أيام كان منزلكم يستقبل منتدى السيد عبدالرحمن.
    كنت أعجب كيف يمكن أن تتحمل سيدة كل هذه الدعوات الدورية الراتبة لأعداد كبيرة من البشر.كان ذلك كبيراً منها منكما يستند على الكرم السوداني الأصيل ويزيد عليه. التحية لزياد الفنان والمهندس محمد حلا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..