أخبار السودان

خطبة الجمعة

الفاتح جبرا

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) نحمده سبحانه على عظيم كرمه ومنه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واسع فضله وجزيل عطاؤه وقريب رحمته وإحسانه وأشهد أن محمد عبده ورسوله دلنا على الخير كله وبين لنا سبيل الهدى والضلال دقه وجله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه ومن سار على هداه واتبع سنته إلى يوم الدين.
عباد الله:
شهر رمضان ميدان للسباق ومغنم لمن عرف قدره جعل الله تعالى فيه الأجور مضاعفة ورغبنا الله تعالى للاجتهاد فيه ويسر لنا سبل الخير فما بقي إلا أن نتسابق فيه لنيل رضا الله تعالى والفوز بما فيه من مغانم كثيرة.
وليس المقام عباد الله مقام ذكر فضائل الشهر وأعمال العظيمة فقد علمتم من ذلك الشيء الكثير ولكن حديثنا في هذه الخطبة سيدور حول فضل الإنفاق والبذل في هذا الشهر العظيم.
أيها المسلمون:
رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
وقال تعالى:
(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في البذل والانفاق ولا غرابة في ذلك فقد كان قدوتهم أجود الناس وأبرهم عليه الصلاة والسلام فهو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود وحب العطاء كان أجود الناس صلى الله عليه وسلم وكان أجود ما يكون في رمضان إذ كان فيه كالريح المرسلة وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبه للعطاء فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ثقة بعظيم فضل الله وإيماناً بأنه هو الرازق ذو الفضل العظيم.
روى البخاري عن أبي هريرة {لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرّني أن لا يمر عليّ ثلاث ليال وعندي شيء منه إلا شي أرصده لدين}، وروى البخاري ومسلم أيضاً عن جابر قال: (ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا).
وعلى هذا الدرب سار أصحابه من بعده وكذلك السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم فقد أنفق أبو بكر الصديق ماله كله في إحدى المناسبات وأنفق عمر نصف ماله وجهّزعثمان جيش، إن أولئك الرجال أدركوا أن الإنفاق في أوجه الخير هو تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى وارتقاء لها واستعلاء ونجاة من البخل الذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار والدرهم، إن أولئك الرجال علموا علم يقين أن الإنفاق في سبيل الله هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له وليس نقصاناً له واتلافاً كما قد يظن الممسكون والله تعالى قد قال في محكم تنزيله: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
ويقول كذلك: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ).
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ).
فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعاً بمنافع دنيوية من سمعة وثناء. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه فمن يبخل فإنما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء).
إن الكثير من الناس اليوم عندهم المال الضائع والتالف أحب إليهم من المال الباقي ومال وارثهم أحب إليهم من أموال أنفسهم وذلك لأن ما يبذلونه على شهواتهم إسرافاً وتبذيراً مال تالف وهم يحبون ذلك وما ينفقونه في سبيل الله مال باق ونام إذ ينميه الله حتى تكون الحبة كالجبل وهم يكرهون ذلك ولا تندفع نفوسهم إلى إدخاره عند الله وتخليده في خزائن رحمته وفضله والذين يبخلون عن الإنفاق في وجوه الخير إنما يكنزون أموالهم لوارثهم وهم يحبون ذلك فمال وارثهم أحب إليهم من مالهم لأن ما يجمعونه بالكد والجهد سيأخذه الوارث بالراحة التامة من غير تعب ولا جهد وهذا ما بينه النبي ]لأصحابه فقال لهم: {أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟}قالوا: يا رسول الله ما منّا من أحد إلا ماله أحب إليه قال: {فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر}.
عباد الله:
أنفق أخي الكريم في سبيل الله ولا تتردد واحذر من وساوس الشيطان [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ] ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته، اللهم إنا نسألك أن تجنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم نسألك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وحسن العقبى وحسن الميعاد. واتنا اللهم من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا واتنا ربنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..