الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري : دونك معتمة جبال البرق

ابراهيم علي ابراهيم ي
دونك معتمة جبال البرق
شاعر افريقيا والقومي العربي الملتزم
لاخائفا : ان صوتي مشنقة للطغاة جميعا
> غائب والعيون عليك اشتياق
> هائم خمرك الذكريات العتاق
> يا سحابا من اللحم والعظم
> يمخر في حلم
> عاصف لايطاق
> كلما غافلتك مرايا العيون
> تكسرت فوق زجاج العناق
يعد الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري في طليعة الشعراء الرواد الذين انتقلوا بالشعر العربي الي رحاب الحداثة , بعد ان ارسي جذورها الرواد الاوائل : نازك الملائكة وبدر شاكرالسياب ورفاقهما . وظل الفيتوري ينحت الصخر مدافعا عن الحداثة ومواجها لآنصار القصيدة التفليدية , وفي ذات الوقت حمل عبء الدفاع عن افريقيا التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الغربي , جسد الفيتوري كل هذه القيم ومهرها بحس صوفي مسيج بمقدرات فكرية وابداعية , واغنت تجاربه جذوره الضاربة عمق التراث الاسلامي حيث ورث والده عن جده ( ياقوت العرش ) سجاده احدي الطرق الصوفية وهو صاحب المقام الشهير في الاسكندرية حتي يوم الناس هذا, حيث الانشاد وطبول المداح وبليغ الشعر في مدح الرسول (ص) وحلقات الذكر كل هذا شكل النواة الاولي قي وجدان الفيتوري .وابان دراسته الجامعية في كلية الملك فؤاد الاول بالقاهرة , كان من الطبيعي ان يلتقي بكوكبة من الشعراء السودانيين من رواد الحداثة : د. تاج السر الحسن , د. جيلي عبد الرحمن , د. حسن عباس صبحي , محي الدين فارس . فكانوا صوت السودان الصادح في كل المحافل المصرية وحملوا الي الساحة العربية اصوات الرواد : محمد المهدي المجذوب ومحمد محمد علي والتجاني يوسف بشير واصوات اندادهم : محمد المكي ابراهيم وصلاح احمد ابراهيم ومحمد عبد الحي وعبد الله شابو وبقية العقد الماسي في زمن الابداع المتميز , حيث يظل ذاك الجيل يحتفي بعطاءه حد التقصير في حق الاجيال
* ..اضفي الفيتوري جديدا علي الشعر العربي الحديث بصوته الصاخب الثائرالمتمرد المتعدد المنابع
انطلق كالشهاب يفرض تميزه وفرادته ليحتفي به النقاد والشعراء : يصفه الشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي بأنه يمتلك تاريخا وامتدادا ابداعيا لايعترف بقوانين الرتابة واقفاص الكون , اشتهر بقصائد المنفي التي اتسمت بالكلمات الابداعية الحادة , وان قصائده وما بها من من تصادم وغناء تشكل ايقاعا يكاد يكون منتظما بسبب الجمرة الافريقية في دم الفيتوري التي مازالت متقدة تلتهم عواطفه وتثور معها احاسيسه ¸والذي يغزي تلك الجمرة الزنجية لدي الشاعر لهيب الدم العربي الصحراوي المكهرب بفضايا امته :
? وتمضي غريبا
وجوه الدخان
تحدق فيك وتدنو قليلا
وتنأي قليلا
وتهوي البروق عليك
وتجمد في فلوات القناع يداك
وتسأل طاحونة الريح عنك
كأنك لم تك يوما هناك
كأن لم تكن قط يوما هناك ..”
لقد طال الفيتوري ( الشاعر ) الكثير من الاذي بسبب مواقف الفيتوري ( الانسان ) وبسبب مواقفه السياسية , ورأي البعض في منح القذافي له جواز السفر الليبي وتعيينه سفيرا في بيروت جعل منه هدفا للكثير من السهام . ولسنا في موقف الدفاع عنه , ولكن ما يجهله الكثيرون إن الفيتوري ينتمي للتلاقح ? الدارفوري الليبي ? وما صنعته الجغرافيا والتاريخ , ولا يخقي موقفه السياسي كقومي عربي ملتزم لم ينتمي لآي تيار سياسي ولكنه طل منافحا عن القضايا القومية وفي طليعتها الفضية الفلسطينية , و لم تكن قصائده تخلو من تلك المواقف , وهو ليس بحديث نصبغه عليه عرفانا وتقديرا إنما خبرنا فيمته ونحن تلاميذ في المدارس حين درسنا شعره , وخبرته الجامعات العربية وانجزت في شعره وآراءه ومواقفه الادبية خمس و ثلاثين رسالة علمية ( في الدكتوراة والماجستير ) , وهو امر قلما يحدث لشاعر عربي معاصر . كانت القسوة تجاه الفيتوري تستهدف قيمته كشاعر , وهي بعض أشكال الصراعات التي تنتظم الساحة الثقافية العربية أوان توهجها , وكان كاتب هذه السطور حاضرا في بعض جوانبها إبان الحصار الاسرائيلي لبيروت عام 1982 م , حيث ظل جانبا من قبائل المثقفين والساسة والطوائف اللبنانية حضورا في الصالون الادبي للصحفي السوداني الراحل وحيد عنتر , وكان هناك قدرا من التطاول علي قامة الفيتوري من بعض ممن لم لايعرف التاريخ عنهم أي قدر من الاسهام . ذاك الواقع اللبناني كان إنعكاسا لواقع الخارطة العربية التي أدت لحصار بيروت ? وهو السقوط الداوي ? الذي يسعي الشباب قي هذا الربيع العربي للملمة أشلاءه ? إن صح التعبير ? وبالعودة للفيتوري فإنه حصل علي الجنسية الليبية بعد أن رثي صديقة المفكر السوداني الشهيد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الذي أعدمه الجنرال الراحل جعفر نميري كتب يقول :
>
> ?? لا تحفروا لي قبرا
> سأرقد قي كل شبر من الارض
> أرقد كالشمس في حقول بلادي
> مثلي أنا ليس يسكن قبرا ..
> أعلم سر أحتكام الطغاة إلي البندقية
> لا خائفا : إن صوتي مشنقة للطغاة جميعا
> لا نادما : أن روحي مثقلة بالغضب
> كل طاغية صنم .. دمية من خشب ..
> لا تحفروا لي قبرا .. سأصعد مشنقتي
> قتلوني وأنكرني قاتلي
> وهو يلتف بردانا في كقني
> وأنا من ؟
> سوي رجل واقف خارج الزمن
> كلما زيفوا بطلا قلت :
> فلبي علي وطني ?? .
> ما هو أكثر تميزا أيضا في شعر الفيتوري مزجه للتصوف بروح التمرد والثورة والعصيان , كأنه الحلاج الذي مزج بين العشق الالهي ومقاومة الاستبداد ودعوته للعدالة الاجتماعية , فقتل الحلاج مرتين :
> الاولي : حينما صلب بعد تلفيق التهم بالمروق .. والالحاد ..
> الثانية : هي إسقاط المؤرخين عنه مواقفه الثورية وفكره السياسي الداعي إلي العدالة الاجتماعية وتمكنه من جمع طبقة من المثقفين من حوله مما أغضب عليه الفصر .. وقد أستقطب من الوزراء والحاشية .. مما هدد اركان الدولة .. , وهو كتاب في التاريخ يحتاج إلي المزيد من البحث والاضاءة .
> يصدح الفيتوري .. وهو الصداح قوي الصوت , حاسم العبارات .. قاطع النبرات .. يصدح حتي أوان الخروج منهذه الارض .. , كأنه يحمل مصباح ديوجين , متسربلا في الروح المطلق لكنه لا يتخلي عن مواقفه كأحد رواد الحداثة :
> لوجهك ياسيد الكون
> تغدو حقول النجوم بحارا
> هادرة في دجي مطبق كم هيولاك
> ولوجهك رفصت أقنعتي عارية
> وتسلقت أغصان موتي ..
> لأنك ياسيد الذات تشبه ذاتك
> في ملكوت صفاتك
> في كل حال
> وأنت تكبلني في صلاتي
> وترفع عني الغطاء
> يقول الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور : ” إن الفيتوري قي أول إنتماءاته التي لا تمحوها الهويات البديلة إبنا للسودان , فكل سوداني بالفطرة شاعر صوفي يستشعر روح المعاناةالروحية مما يجعل لهذه الضراعة قدرا كبيرا من العمومية والشيوع لاتنث عبقها المميز إلا في إختياراتها الاستعارية والرمزية .., إن الروح الصوفية هيب إيقونة من جوهر ثمين في روح الشاعر تنداح علي شعره ليفيض بالوجدانيات وهو الاكثر أثرا ويجعل من شعره مميزا ..” .
> ويقسم الشاعر الكبير فاروق جويدة المراحل التي مر بها شعرالفيتوري من خلال أعماله :
> أغاني افريقيا .
> سقوط دبشليم .
> عاشق من أفريقيا .
> أذكريني يا أفريقيا .
> ثم جاءت مرحلة التوهج الشعري وتفاعله مع الهموم العربية , والتي واكبت عصر الشعراء من ذوي القامات الشعرية الكبيرة من أمثال : أمين نخلة والأحطل الصغير وسعيد عقل , وقدم آنذاك عددمن الدواوين منها :
> البطل والثورة والمشنقة .
> ابتسمي حتي تمر الخيول ?? .
> ويصف المرحلة الثالثة بأنها تجسد حلمه الشاعري بينما يقول المفكر الراحل محمود أمين العالم : ? إن الفيتوري قي بداية حياته الشعرية كان خطابه الشعري, ذو طابع غنائي , وقصائده تثب أحيانا حد الخطابية , وقدراته علي تجسيد وإبراز القسمات لا تتعدي حدود الصور الجزئية , وكانت الرؤي والصور والشفافة بالانفعالات والمشاعر المتحفزة , ثم أخذت هذه الغنائية تخف شيئا فشيئا فلم تعد القيمة الاولي للتعبير , بل أصبحت أداة الدلالة .., وأختفت الخطابيةإلا في بعض المقاطع الصغيرة في مرحلته الاخيرة , حينما تعلو أصوات أفريقيا ويشتد الحنين الجارف إلي الخلاص .
> هكذا يسترسل أمين العالم لكنه ينأي عن التقييم الحقيقي للفيتوري وموقعه ودوره كشاعر حداثي أستطاع أن بنفذ إلي ساحة الشعر من خلال نهج خاص شديد التعقيد أختطه لنفسه من خلال رؤي فلسفية متكاملة ومقدرات فكرية
> سيجت بألمام بديوان الشعر العربي وتميز الثقافة العربية في السودان ببعديها العربي والافريقي :
> ?? لما أنغرس الخنجر ,
> كانت سيدتي الشمس
> تموج عبنبها .. فوق الغابات
> وتغني لحقول الكاكاو الممتدة
> والشلالات
> وقوارب صيادين مساكين
> حزاني الضحكات
> ونساء علقهن إله الجوع
> علي طول الطرقات
> وهلطت إلي كوخي سيدتي
> ذات نهار
> مرغت جلالك فوق وسائد صياد مثلي
> قاربه مكسور وموانئه للريح ممر
> لم ياذات العمق المرمر
> حتي انعرس الخنجر ..
> عاري شمسي .. هل أنسي عاري
> ياسيدة الشمس
> سأظل أخبئ وجهي عن وجهي
> ربما أنساه .. ربما أنسي
> أنني خضبت يدي يوما بدماه
> ربما أغسل عاري عن روحي يا أختاه
> ولو أن العار يزين صدورا في عصري
> ويرصع تيجان ملوك
> ويقيم عروشا وطغاة .
>
> الفيتوري في كل ما أبدعه من شعر عبر عن التزام صارم تجاه كل قضايا أمته العربية والعالم الثالث عامة , والشعر عنده هو المنطقة المحرمة , وكذا قضايا القارة الافريقية وموقفه من المستعمر الغربي تجاه القارة ثابت ومعلن . وهو لا يخفي إلتزامه في الشعر ويقول إنه يميز بين ثلاثة أنماط من الشعراء : أحدهم ملتزم , والأخر غير ملتزم , لكنه يري ان ليس ثمة ما يحول بينه وبين التعاطف مع أحداث واقعه الاجتماعي .
> والثالث يري ذاتيته كفنان , وإن عالمه الشعري الجمالي ينبغي أن يتطهر تماما من أية مؤثرات أو عوامل مطروحة عليه من الخارج .
> والفيتوري في أعتقاده ان جوهر الالتزام يتشكل من خلال قناعات الشاعر وارتباطه بالجماهير , فالجماهير هي كصدر طاقته في الفن والفكر والحياة ..زهي تيارات نهر الحياة العظيم :
> ?? قولي للأباطرة الذين تفحمت أرواحهم
> وغدوا شهود اللعبة الكبري
> وألهة الحروب الآن .. قولي لهم :
> مهلا … فإن رساسة العدوان
> ترجع حيثما أنطلقت وإن طال الزمان بها
> وإن بعد المكان
> قولي لهم مهما علوتم |أو كبرتم , فأحذروا :
> للكون خالقه .. ولستم خالقيه
> ولن يكون لكم صليبا كما تبغون
> فالأوطان صنع الناس
> والأرض إحتراع الله
> والإيمان حوهرة تشع بنورها في وحدة الاديان
> الايمان رغم تعدد الاشكال والالوان
> يعني رحمة الانسان بالأنسان
> يعني الصفح والغفران
> يعني أعنيات النصر
> يامصر التي هي مصر .
> ?? من قصيدة في رثاء صديقة الشاعر الكبير
> صلاح عبد الصبور
[email][email protected][/email]