مقالات سياسية

الاتفاقية الدولية الناظمة للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997

حسين ابراهيم علي جادين 

جاءت نظريات فقهية دولية لتنظيم كيفية الاستفادة من مياه الأنهار الدولية واستخدامها فظهرت بداية نظرية السيادة الإقليمية المطلقة (نظرية هارمون) والتي يقول فيها :
The state is deemed able to do what it pleases with water within its territory.
وهذه النظرية تستمد أساسها من حق الملكية المطلق في الفقه الروماني، وهي تقوم على مفهوم واسع للسيادة الإقليمية ، حيث ترى أن من مظاهر السيادة على الشيء حرية التصرف فيه بشكل مطلق من دون قيد أو شرط ، لأن الدليل على استقلال دولة ما إنما يظهر من خلال حريتها الكاملة في استخدام مياه الأنهار التي تعبر أراضيها استخداماً منفرداً الى أقصى الحدود ، من دون أي اعتبار لما ينجم عن تصرفها من أضرار لدول حوض المجرى المائي الدولي الأخرى . وقوله هذا ينسجم مع أقوال الكثير من فقهاء القانون الدولي وفي مقدمتهم فانيل حيث يرى ان النهر محمل بحق ارتفاق لصالح الدول الكائنة بأعلى النهر .
ولكن هذه النظرية لم تلق أي صدى في ممارسات الدول لأنها تقوم على تفسير خاطئ لمفهوم السيادة ، حيث تساوي بين الإقليم الذي هو عنصر ثابت وبين عنصر الماء وهو متنقل وهي تخالف مبدأ عدم الاضرار بحقوق الدول الأخرى وحسن النية وعدم التعسف في استعمال الحق وبالتالي فهي نظرية وحالة فردية في الاجتهاد القانوني باءت بالفشل الذريع، ولم تلق أي نجاح أو اعتراف بها .
ومن ثم جاءت نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة أو التكامل الإقليمي المطلق التي تقوم على فكرة مفادها : ان مجرى النهر يشكل من منبعه الى مصبه وحدة إقليمية ، بغض النظر عن الحدود السياسية ويصبح من حق أي دولة يجري النهر الدولي في اقليمها أن يطل جريانه على حاله في إقليمها.
ولتلافي عيوب هذه النظرية التي تحابي دول المصب على حساب دول المنبع مما يؤدي الى وقف كل المشاريع الجديدة في دول المنبع بمجرد رفض دول أسفل النهر لهذا الاستخدام ظهرت نظريات حديثة حاولت تطوير الفقه الدولي في مجال الأنهار الدولية ، فظهرت نظرية السيادة الإقليمية المقيدة التي تسمح للدولة أن تستخدم بحرية المياه الجارية في أراضيها ، شريطة ألا يؤدي هذا الاستخدام الى الإضرار بمصالح دولة متشاطئة أخرى .
كذلك نشأت نظرية الانتفاع المشترك التي تقوم على أن المجرى المائي بأكمله من منبع الى مصبه مشترك بين جميع الدول التي يجري في اقليمها بحيث تكون حقوقها متساوية ومتكاملة مع ما يترتب على ذلك من قيود على حرية الدولة بالتصرف بالجزء الذي يقع تحت سيادتها . ولكن يؤخذ عليها أنها تقضي بأن يعرف كل شريك المياه التي يحتاج اليها الأمر الذي يؤدي الى نشوب تعقيدات بين دول المجرى المائي .
أما النظرية الأخيرة فهي نظرية المنافع المتوازية وترتكز على أساسين هما :
أن لكل دولة الحق في التقسيم المنصف لمنافع الشبكة النهرية في ضوء حاجتها وذلك حسب مبدأ منصف ومعقول وأنه لا يجوز لأي دولة وقف أو تحويل تدفق نهر يجري في أراضيها بشكل يشكل خطراَ على الدول الأخرى.
كما جاءت المعاهدات الثنائية والدولية والأعراف الدولية والمبادئ العامة للقانون مع الأحكام القضائية والآراء التحكيمية لتسهم في تطوير مفهوم النهر الدولي التي ساهمت في ترسيخ مبادئ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية الدولية والتزام الدول بواجب التعاون ومبدأ عدم إلحاق ضرر بالآخرين وواجب الاخطار وشروطه ولتدعيم ما تقدم جاءت اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997. وهو مبدأ مرتبط بمبدأ الالتزام العام بالتعاون بين الدول وهو يلزم الدول المشتركة في مجرى مائي دولي باستخدامه وتطويره وحمايته بطريقة عادلة ومعقولة وأن تفعل ذلك بروح التعاون ,
الاتفاقيات الدولية العامة تعقد لتعبر أو تصوغ تقاليد شائعة وملزمة لأنها تتضمن مبادئ وقواعد قانونية أساسية لدى المجتمع الدولي وذلك لكون الدول المعارضة لتلك المعاهدات العامة ملزمة بالأعراف الدولية.
فقد قررت محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1937 بشأن النزاع بين هولندا وبلجيكا حول مياه نهر الميزين : تتمتع كل دولة بمطلق الحرية داخل حدودها الاقليمية باستخدام المجرى المائي إذا لم يؤثر ذلك على انقاص حصة الدول الأخرى .
هذه المامة موجزة عن بعض مما جاء في قواعد  القانون الدولي المنظمة لاستخدامات المجاري المائية الدولية ومما يجدر ذكره ان هذه الاتفاقية ليست مقتصرة على الانهار لأنها تشمل كذلك المياه السطحية والمياه الجوفية طالما انها بحكم طبيعتها الفيزيائية في حالة متحركة مستمرة .
هذه مقتطفات من كتاب النهر الدولي المفهوم والواقع في بعض أنهار المشرق العربي لمؤلفه الدكتور صبحي أحمد زهير العادلي الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية وكذلك من مقتطفات من بعض المواقع على الشبكة.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..