سؤ الخدمة المدنية .. تعريف المعروف

إن التضعضع والتدهور الذي أصاب الخدمة المدنية لم يعد محل مغالطة أو نكران فحسب، بل صار من المعلوم للكافة وبالضرورة، فحتى راعي الضأن في الخلاء يعلمه ولا يحتاج لمن يعلمه به، ولكن غير المعلوم والمعروف هو متى سيتم إيقاف هذا التدهور وإنقاذ هذه الخدمة من براثن الضياع، ولهذا ما كنا ننتظر من أمين عام المجلس الأعلى للإصلاح الإداري أن يعيد تعريف المعروف لزميلتنا إقبال العدني، فنعيه للخدمة حسبما جاء بصحيفتنا (التغيير) أمس، وقوله فيها (لا هي حية لترجى ولا ميتة لتنعى)، ليس فيه جديد ولا ما يفيد، فقد ظللنا منذ سنين متطاولة نسمع بين كل فترة وأخرى بعض النواح على الخدمة المدنية من هنا وهناك، ثم ينتهي العزاء بتفرق النائحين والمعزين، وتبقى الخدمة على حالها الذي ينتبه إليه بعد فترة نائحون جدد، ينوحون ويسكتون وهكذا دواليك دون جديد يطرأ بل قديم يعاد، وتظل الخدمة المدنية ممددة على فراش المرض تئن وتتوجع من أمراضها المزمنة دون أن تمتد إليها يد بالعلاج الناجع، رغم أن أمراضها مشخصة ومحددة ومعروفة، وبالضرورة فالعلاج أيضاً معروف، والمعروف لا يعرّف، ولهذا فإن ما تحتاجه الخدمة المدنية لإقالة عثرتها هو فقط العزيمة والإرادة ثم الرغبة والقدرة على إجراء الجراحات التي تزيل البثور والدمامل التي شوّهت جسدها الذي كان نضراً وممتلئاً فتوة وقوة…
لا يختلف اثنان ولا ينتطح عنزان حول أن الاستعمار الذي رحل عنا نهايات العام 1955م ترك لنا خدمة مدنية ممتازة حافظ عليها الرعيل الأول، لتبدأ بعد تلك الحقبة عملية التدهور والانحدار بدءاً بشعار (التطهير) الذي ساد في أعقاب ثورة أكتوبر 1964م مروراً بعهد مايو 1969م إلى أن بلغ التدهور والانحدار والتسييس ذروته ومداه في العهد الإنقاذي الحالي كنتيجة طبيعية لسياسات التمكين والصالح الحزبي الخاص، فأصبحت بذلك كل مؤسسات الدولة رهينة لدى الحزب الحاكم، ولهذا فإن أي حديث عن إصلاح وتحرير الخدمة المدنية وضمان حيدتها وقوميتها مثل الحديث الذي تردد من قبل ومن أعلى السلطات، يقود بالضرورة إلى الحديث عمن استعمر الخدمة واستعبدها وخرّبها وجيّرها بالكامل لصالحه حتى أصبحت في حاجة ماسة لـ(التحرير)، أليس هو النظام نفسه؟، وإذا سألنا (تحريرها ممن ومن ماذا) فماذا تكون الإجابة، وكيف للحكومة وحزبها أن يرد المظالم التي أضرت بالكثيرين؟ وماذا سيفعلون مع كوادرهم التي ظلت تتنقل دون وجه حق ودون مؤهل كافٍ بين مواقع الخدمة المختلفة كما تتنقل الفراشات، كلما امتصت رحيق زهرة انتقلت إلى غيرها.. الواقع أن أي حديث عن إصلاح وإصحاح الخدمة وتحريرها سيظل بلا جدوى، ومجانباً للواقع ما لم يصاحب ذلك فعل حقيقي ملموس لتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن والمواطنين أجمعين، وأي حديث بخلاف ذلك لن يكون سوى حديث للاستهلاك…
[email][email protected][/email]