فوائد قوم عند قوم مصائب .. حسن العطا سليم شاهد عيان من إحدى مناطق التنقيب عن الذهب

هو مزارع بن مزارع، فقد ورث تلك المهنة أباً عن جد بحكم انتمائه إلى المنطقة التي نشأ وترعرع فيها وهي منطقة (مرّي) بالشمالية، وأصبح الآن واحداً من وجهائها، وهي منطقة رباطاب استمدت اسمها من الاغريق الذين عاشوا في تلك المنطقة هي وعدة قرى مجاورة لها حسبما أفادنا بذلك ابنه متوكل حسن العطا سليم الموظف بجامعة النيلين، وقد لعبت الصدفة البحتة دورها في إجراء هذا الحوار مع العم حسن العطا، حيث أتى للخرطوم لتلقي العلاج من وعكة صحية المت به، فذهبت إليه للاطمئنان على صحته، وفي عرض الحديث تطرق الرجل للحديث عن المنطقة التي قال إنها تعاني الاهمال التام من قبل المسؤولين، وبخلاف معتمد أبوحمد السابق فلم يزرهم قبلها مسؤول، للوقوف على مشاكل المنطقة التي تفتقد لأدنى البنيات التحتية، في التعليم والصحة، حيث في المنطقة مدرسة واحدة (آيلة) للسقوط الآن بناها شخص من منطقة المناصير، ووعدنا مرشح دائرتنا البرجوب الذي اتانا لكسب الاصوات في حملته الانتخابية بتشييدها وقال بالحرف الواحد (إن هذا شيء بسيط) وحتى الآن لم نر تحركاً ايجابياً في هذا الموضوع الذي هو نواة لمستقبل فلذات اكبادنا، فالتعليم هو مستقبل الاجيال، أما الشق الثاني من الحد الأدنى الذي لا يتوافر في البنيات التحتية فهو الصحة، فمهما قلت لك عن المعاناة التي نعانيها فلن استطع أن اوصف لك، فمنطقتنا التي تضم حوالي الأربعمائة منزل تقريباً ليس بها أي وحدة صحية، وإذا مرض أحدهم فليس امامنا سوى التوجه إلى منطقة أبوحمد التي تبعد عنا حوالي الست ساعات، وقمة تلك المعانة تتمثل إذا داهمت إحدى نساء المنطقة آلام المخاض، ولك أن تتخيل حجم الماساة بعد ذلك، كل هذا بالاضافة للمشاكل التي نعاني منها في مهنتنا التي نأكل منها عيشنا، حيث انخفض انتاجها بصورة كبيرة، فالفدان الذي كان يخرج في السابق حوالي أربعون جوالاً من القمح صار اليوم يخرج خمس شوالات ولذلك عدة اسباب، يأت في أولها قلة الأيدي العاملة بحسبان أن المنطقة تقع بالقرب من مناطق التنقيب عن الذهب، فاتجه كل أبناء المنطقة تقريباً الآن مناطق التنقيب، وهجروا الزراعة للعائد المجز الذي قد يصل في اسوأ الفروض لعشرة اضعاف ما تعود عليه الزراعة في قمة مجدها، حينما كان الفدان يخرج أربعون جوالاً من القمح، أما ثاني المشكلات التي نعاني منها فهي تتمثل في الآفات التي جئنا بها للخرطوم واوصلناها إلى أهل الشأن عسى ولعل يجدوا لنا حلاً يريحنا منها، وتتمثل تلك الآفات التي تقض تماماً على المحصول في العدار التي تقضي تماماً على محصول القمح، بالإضافة لآفة البوتا، وهي حشرة تفسد محصول الفول، وثالث مشكلات الزراعة تتمثل في عدم توافر التراكترات الزراعية، والموجود منها فإن ساعة استئجارها تصل لأربعين ألف جنيه، ورابع المشكلات الجاز حيث يصل سعر البرميل إلى 280 جنيهاً، وهو سعر كبير جداً، ثم يات التمويل البنكي في ذيل المشاكل التي تعاني منها الزراعة، لأن البنك شريك في الربح، لكنه لا يتحمل معك الخسارة، وأنا عبركم أناشد المسؤولين الذين يصعب الوصول إليهم عبر مكاتبهم بأن يسجلوا زيارة لمنطقتنا ويقفوا على حجم معانتنا لأنه ليس من رأى كمن سمع!!.
الذهب نقمة علينا.. ونعمة لغيرنا!!
وبعد أن عدد السيد حسن العطا سليم حجم المشاكل التي تعاني منها المنطقة بصورة مباشرة دلف بعد ذلك للحديث عن المشاكل غير المباشرة، حيث وجدوا انفسهم في مواجهة ارتفاع أسعار جنوني في الأسواق التي يقصدونها لشراء احتياجاتهم، وذلك بسبب وقوع المنطقة بالقرب من مناطق التنقيب عن الذهب، فقال:
بدأ التنقيب عن الذهب منذ أربع سنوات تقريباً في مناطق البياسمين وقبقبة، وكان الأمر بسيطاً في بداية الأمر، قبل أن تصبح منطقتنا قبلة لكل باحث عن الثراء، وتحسين الدخل، وهي أشياء محمودة، استفاد منها كثير من أبناء المنطقة، ولكن مقارنة بما يجنيه غير أبناء المنطقة فإن العائد من الذهب يعتبر ضئيلاً جداً، خاصة بعد أن أصبح التنقيب يحتاج لآليات، وبات المنقبون يستعينون بالأجهزة الحديثة والكراكات الضخمة لأجل استخراج الذهب، ومع العددية الضخمة للمنقبين ارتفعت الأسعار بصورة جنونية بالنسبة لنا نحن المزارعين ذوي الدخل الـ(مهدود)، بصورة تفوق طاقتنا، فقد وصل سعر كيلو اللحم في الأسواق إلى ثلاثين جنيهاً، وسعر رغيفة الخبز وصلت لألفي جنيه بالتمام والكمال، وذات السعر بالنسبة لرطل السكر ، ووصل سعر جركانة الزيت إلى 130 جنيهاً، وهذه امثلة فقط لسلع كثيرة ارتفعت بصورة غير معقولة يمكن كما اسلفت أن تكون في طاقة من يعود عليه التنقيب عن الذهب في اسبوع بمليون، لكنها فوق طاقتنا وترهقنا كثيراً تلك الأسعار، والتي أناشد المسؤولين بالتدخل لوضع حد لارتفاع الاسعار الجنوني، بعد أن باءات كل محاولاتنا بالفشل في تحمل رهق الذهاب إلى مناطق بعيدة عن التنقيب لشراء احتياجتنا، بعد أن أصبحت تلك المناطق قبلة للتجار تعود عليهم بأضعاف مضاعفة من بيعها في تلك الأسواق!!.
كهرباء المنطقة.. قربك لي بعيد صعب المنال!!
وأضاف حسن العطا سليم إن المنطقة لم تدخلها الكهرباء حتى الآن على الرغم من وجود أعمدتها قبل أكثر من عام، وثم أردف قائلاً بأنه يعود ويكرر بأنه ما لم يأت مسؤول للوقوف على حجم المشاكل فلا يمكنه أن يصدق ما نعانيه، وصراحة افتقدنا محافظ أبوحمد السابق فقد كان لنا نعم العون على الرغم من محدودية صلاحياته إلا أنه سخرها لحل بعض المشاكل التي كانت تتمثل في مياه الشرب حيث لم يفارقنا وساهر معنا حتى تم حل المشكلة، ولولا وقوفه على أرض واقع مشاكل المنطقة ما كان له أن يحلها، وهذه ما نريده من المسؤولين وهو الحضور والوقوف ميدانياً على مشاكل المنطقة، والمناطق المجاورة، والتي لولا ترابطها الاجتماعي الشديد لما استطاع مواطنوها العيش فيها، فأهل المنطقة كلهم أهل سراء وضراء، فلا تستطيع أن تميز صاحب المناسبة من جاره، فالمناسبة مناسبة كل المنطقة، فالأفراح تساهم فيها كل القرية، أما الاتراح فالعزاء يكون للجميع لأنهم أهل!!.
الوحدة.. ثم الوحدة.. ثم الوحدة!!
هكذا رددها وكررها السيد حسن العطا سليم، عندما سألته عن موقفه من خياري الوحدة أو الانفصال، ثم اضاف بأن التعايش بين الشمال والجنوب موجود في منطقتهم، ولا يستطيعون تخيل المنطقة من دون ابنائها من الجنوبيين لأنهم أصبحوا جزءاً منها، وأصبحت جزءاً منهم، لذا عندما ينادي بخيار الوحدة فإنه ينادي من منطلق معايش، ولا عاش من يفصلنا، وادعو كل القوى السياسية للعمل من أجل الوحدة لأن الذئب ياكل من الغنم القاصية، ويطمع فينا دول الغربة التي تتربص بنا الدوائر، وقوة هذا السودان في وحدته!!.
رحم الله الزعيم إسماعيل الأزهري!!
وقبل أن يختم السيد حسن العطا حديثه معنا، تهدج صوته، وأصبح كمن طعنته غصة في حلقه، وهو يحدثنا عن الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري، حيث قال:
كان الأزهري يزورنا باستمرار، ويقف على كل مشاكلنا ميدانياً، وكان يقف على المشكلة حتى يحلها بصورة جذرية، وعندما يصل منطقتنا كان يرسل مناديبه لأهل القرية التالية بأن لا يرهق أحدهم نفسه وأنه سيأتي إليهم في مكانهم، هكذا كان الأزهري والذي لو جلست اعدد في كريم خصاله لما كفاني هذا اليوم.. رحمك الله يا أزهري بقدر ما اعطيت وقدمت!!.
عبداللطيف أحمد
الأحداث