مقالات وآراء

آن لهذا السُودان أن يستعدَّل (٣)

نضال عبدالوهاب

 

نواصل في الجزء الثالث ، كنا قد إستعرضنا في الجزء الثاني إنفصال جنوب السُودان في ٢٠١١م ، وبعد الفشل الكبير من جميّع الأنظمة المُتعاقبة علي حل “مُشكلة الجنوب” ، كان هذا الفشل في تقديري هو العنوان الأبرز للأزمة العميّقة في إدارة بلادنا سياسياً طوال تاريخها الحديث ، ويعكس حجم ضَعف العقلية السياسِية التي ظلّت تقود بلادنا ، سواء داخل القوي الحزبية والسياسِية أو داخل اروقة المؤسسة العسكرية “المُستبدّة” والتي تركت مكانها الطبيعي في حماية بلادنا وحدودنا ودستور البلاد الديمُقراطي “المُفترض” طوال تاريخها وتفرغت للبطش والقتل لشعبنا وحُكمه بالقهر والقوة ، في فترات بلغت جُملة حُكمها ومُنذ إستقلالنا قُرابة ال ٥٨ عاماً من مجموع حوالي ٧٠ عاماً هو تاريخنا الحديث مابعد الإستقلال في ١٩٥٦م.

كان إنفصال جنوب السُودان مؤلماً لأن الخيّار فيه لم يكُن لكل السُودانيون كشعب ، والذين إن تم الأخذ برأيهم لم يكونوا ليتخلوا عنه ، وحتي الإخوة في جنوب السُودان من الغالبية التي صوتت للإنفصال “الذي كان مُعداً سلفاً” غض النظر عن أصواتهم ، فقد تم دفعهم دفعاً لإتخاذ هذا القرار ، علي المستوي الشخصي نعلم أن كثيراً من الأصدقاء هنالك كانوا مع الوحدة وضد الإنفصال ، ولكنهم آثروا أن لايعيشوا في بلادهم التي ولدوا فيها وأحبوها وإنتموا لها “السُودان الموحد” كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، آثروا أن يبحثوا عن وطن يشعروا فيه بمواطنتهم وأنهم يتساوون وأن لايتم التفريق مابينهم وبين بقية السُكان والمواطنين فيه علي أساس الدين والهوية واللغة والاثنية والثقافة وحتي لون البشرة؟؟ أن لايشعروا فيه بالعنصرية وهضم حقوقهم السياسِية والإجتماعيّة وفي إدارة الدولة وتولي الوظائف فيها وداخل الخدمة المدنية ، وأن لايشعروا بإهمّال أقاليمهم في التنميّة وإهتمام الدولة وفي الصحة والتعليم وكافة الخدمات ؟؟؟ ، لكل هذا أُجبروا علي إختيار الإنفصال وكأنما يقتطعون جزءاً من جسدهم ، أعلم هذا وقد عايشته من خلال أصدقاء وصديقات كُثر من بينهم ، كانت سياسة الدولة “الدينية” ودولة “الحركة الإسلاميّة” والمؤتمر الوطني تُريد هذا ، ولم يُساعد “الجميّع” للأسف في بقيّة القوي السياسِية للدفع بحلول ليس من بينها “تقرير المصيّر الإنفصالي” وكأنما يقولون إذهبوا وإبحثوا لكم عن وطن وبلاد أُخري؟؟؟ ، وأن هذا حقكم ، لم يستوعبوا أنهم كانوا يُريدوننا أن نقاتل ونناضل كي يكونوا مواطنين متساوي الحقوق في بلاد تحترم آدميتهم وسُودانيتهم ، وليس أن يُقال لهم أن مُطالبتكم بتقرير المصيّر مشروعة ومن حقكم لأنكم أقليّة وتستحقون التحرر؟؟ يا لبؤس هذه العقليّة؟؟؟ .

في الوقت الذي ناضل الجنوبيون ليكونوا مواطنين متساوون مع بقية الشعوب السُودانية وأن يكون لهم الحق في ذات السُودان مثلهم وبقية السُودانيون المسلمون و”أولاد وبنات العرب” فيه كان هنالك من يري وبغباء “غريب” أن لاينتقص من حقوق “أولاد وبنات العرب” وأبناء وبنات “الشمال والوسط” ولكن يمكن وبكل يُسر “المجئ” فوق حقوق إخوتنا الجنوبيون والدوس عليها؟؟؟ ، هذه الحقوق التي تتمثل في المساواة في الدستور ، وأن ينتموا لسُودان يعترف بكل الهويات فيه لا أن يفرض هوية “الدولة العربية” والثقافة والديانة” الإسلاميّة” ، أن يقبلوا بأن يحكُمنا “مُسلم” ولا يقبل الآخرون أن يحكمهم “مسيحي” أو حتي “لاديني” أو يؤمن في معتقده “بالكجور” والديانات الأفريقية ، وأصبح الدين بالتالي والثقاقة والهوية هي من تحدد مقياس المواطن من الدرجة الأولي أو الثانية والثالثة والرابعة الخ في ذات الوطن الذي لايُساوي في الحقوق ويُفرق بين المواطنين ، والأغرب أن الكثير من النُخب والناس في السُودان يعتقدون أن هذا طبيعي في بلد ذات أغلبية “مُسلمة” أو حتي سكان أغلبهم ينحدرون من جذور “عربية” ، ويعتقدون أن هذه هي الديمُقراطيّة والتطبيق لها ؟؟؟ ، وجهلوا أن الشرط الأساسي للديمُقراطية والحق المتساوي في المواطنة أن يتساوي الجميّع سواء كانوا أقليّة أو أكثرية في ذات الحقوق ، بمعني إن كان هنالك مُسيحياً واحداً في السُودان فمن حقه يترشح ويصبح رئيساً للدولة ، وأن لايُحرم هذا الحق ، وأنه إن كانت هنالك عدد من المكونات لاتنتمي للثقافة والهوية العربية والإسلامية ، وأخري تنتمي لها فليس من المقبول هُنا أن تفرضها علي كُل الدولة ويقال السُودان دولة عربية وإسلامية ؟؟؟ ، وفي هذا أنتقاص وعدم إعتراف بالآخرين في ذات الوطن ، وهذه الأشياء ضرورية لبناء وطن موحد مُتعدد الثقافات والإثنيّات والأديان واللغات ، والصحيح الإعتراف بها جميعاً وعدم فرض أحداها علي الأُخريات ، ولهذا إن العالم المُتسع قد قدم حلول معلومة للتعايش المُشترك ونموذج الدولة الحديثة ، وحتي يسهُل إدارة تعددها ، وتتوقف فيها الصراعات والحروب والإقتتال علي الموارد أو بسبب الطائفة أو القبيلة والإثنية ، فعندما يكون جميّع من بالدولة لاتمييز بينهم حقيقةً ويجمعهم دستور وقانون يخضع له الجميّع ويتساوا أمامه ، لن يكون هنالك مجال لكي يشعر أي مواطن داخل الدولة في الغُربة داخلها ، أو بعدم الإنتماء إليها ، وأن يكون وجدانه مشوشاً ومشوهاً أو يحمل رغبة في الحرب عليها أو الإنفصال عنها ؟؟؟ ، وبل عندها لن تقف معه أي قوانين دولية ، لأن سيادة الدول صُممت أن تتم المُحافظة عليها وعلي شعوبها طالما ليس هنالك تفرقة عُنصرية أو إبادة جماعية أو تطهير عرقي أو منع للمُشاركة السياسية وتمييز وإطهاد لمجموعات وأقليات مُتجانسة فيه من حيث الإثنية أو الثقافة والديانة أو اللغة وتعيش في رُقعة جُغرافية مُشتركة داخله!….

ونواصل…

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. خليك عايش مستعدل في أمريكا وكف شرّك عن السودان والسودانيين
    الشيوعي السوداني الأمريكي يريد السودان أن يستعدل وهو آمن في أمريكا منذ عقود لكنه لم يبخل أن يعرقل مع شلة الجذريين مسار الثورة وحكومة الإنتقال ولم يخجل وهو آمن هناك أن يبلبس ويساند حرب الإسلاميين وجيشهم ولم يحتشم وهو يدعو للحوار معهم. بئس البلبوس العرْص

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..