لي في جوبا الساحر تسلم لي خدودو

كُتلٌ من السحب الداكنة تلف المكان، لا نجم ولا بدر يبدد ظلمة الليل البهيم فكأنما السموات والأرض لم تفتقا من بعد في تلك البقعة من الارض… المكان هنا لا يعرف الرذاذ فإما وابل هطلٌ وإما فلا…ينهمر فجأة ودون سابق انذار كأن أبواب السماء قد فُتحت بما منهمر كما يقف فجأة كذلك وما هي إلا لحظات حتى يغيض الماء ليصبح أثرا بعد عين، فالمنطقة تربتها ليست سبخه وانما خليط من رمل وحصى من التي لا يستقر الماء فوق صهوتها طويلا فكأن بينهما عداوة، لتنبعث بعدها من فوهات القطاطي المنتشرة هنا وهناك بطريقة عشوائية، خليط من رائحة (السوكوسوكو والبُندق الذي هو نوع من العرق) الذي يتفنن أبناء الجنوب في تقطيره من البلح أو الذرة ـ ورائحة المطر والعشب المُبلل، كلها معا تدخل رئتيك دون استئذان لتمنحك شعورا غريبا لا تعرف كنهه من أين بدأ وأين سينتهي به أو بك المطاف… فهذه الرائحة المميزة لها براءة اختراع خاص بمنطقة (إطلع بره ـ حي من أحياء مدينة جوبا) ولا توجد في أحياءٍ سواها… وحينما يطل الفجر برأسه وينقشع السحاب ترى جوبا على حقيقتها بحسنها وطبيعتها الخلابة لتسحر كل من رآها ولا تدعك وشأنك دون أن تغازلها، فهي ترقد كعذراوات جزر الهاواي على تلال من المروج الخضراء اليانعة فكأن ترابها وُشيتْ من سندس وإستبرق… فكانت جامعة جوبا ثمرة لاتفاقية الوحدة الوطنية التي أبرمها الرئيس الراحل نميري نسأله سبحانه وتعالى له الرحمة والمغفرة، مع قائد الأنانيا اللواء جوزيف لاقو، التي وضعت حدا للحرب المستعرة ما بين الشمال والجنوب منذ عام 1955م حتى توقيع الاتفاقية في أديس أبابا عام 1972. فكان الجنوب ينعم بالراحة التامة والأمن في ربوعه ولا تعكر صفو جامعة جوبا إلا الموسيقى الصاخبة المنبعثة من نادي الاساتذة في أيام الآحاد (الاجازة الاسبوعية للجنوب) فكان جُلّ أساتذتها من الخواجات (أكثر من 75%) والبقية خليط من سودانيين وهنود وغيرهما) … كانت القيادة العامة للقوات المسلحة تقع في حي (إطلع بره) ومن الذين تعاقبوا على قيادة القيادة العامة للجنوب في أيامنا: من اللواءات: جوزيف لاقو، محمد أبو كدوك، جوزيف طمبرة عبد الله رصاص واللواء يوسف محمد يوسف على ما أذكر وفي قيادة المدرعات التي تقع في حي (كتور) كان الرائد محمد علي كباشي وكان الراحل الملازم أول وفتذاك: محمد صالحين وهو من أبناء حلفا وتوفي مطعونا في حي الأزهري قبل بضع سنوات، يعمل في سلاح المدرعات…
وتقع جامعة جوبا بالقرب من محطة ياي للباصات بين حي الثورة واطلع برة على بُعد أمتار من المركز الثقافي (ناكوري) الذي أقامه رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي على نفقته الخاصة وقد كلف المركز 500,000 جنيه (خمسمائة الف جنيه سوداني فقط لا غير) وهو شبيه بقاعة الصداقة في الخرطوم من الداخل… والذي حضر لإفتتاحه مع تخريج الدفعة الثانية لجامعة جوبا مع الرئيس نميري ولكن بطائرة بوينج خاصة له وكان لنا شرف التخرج في ذلك العام وأقيمت مراسم التخرج الذي نال فيه نيلسون مانديلا وهو لا يزال قابعا في سجن جزيرة روبين والزعيم ياسر عرفات لوسام النيلين من الرئيس نميري …. وكان على ما أذكر من ضمن الفنانين الذين أحيوا ليلة التخرج التي أقيمت في المركز الثقافي (ناكوري)، الفنانان الكبيران : محمد الأمين وكمال ترباس أمدهما الله بالصحة والعافية… وكان مدير الجامعة آنذاك البروفسير عبد الرحمن ابو زيد الذي حل محله الدكتور عبد العال فيما بعد كما كان البروفسير موسس مشار الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية في فترة ما يشغل منصب السكرتير الأكاديمي للجامعة… كانت جوبا في ذلك الوقت يسكنها الكثير من أهلنا الشماليين الذين يسمونهم هناك (مُوندوكُورو) أو بالجلابة ولهم حي باسمهم هناك (حي الجلابة) وأذكر فيما أذكر وهم كُثر، من أصحاب المطاعم في حي الملكية جلال كباجه صاحب مطعم الخرطوم وسعيد وأخاه سليمان أيضا من منطقة كباجه وأزهري محمد الأمين صاحب استديو في حي الملكية ووالده كان تاجرا في ياي من منطقة أرتمري أو جزيرة (موقا) والراحل محمد عبده خليل من أبناء عكاشه كان له مطعم وكما أذكر أمين محمد أمين وعمه أحمد أمين اللذان كانا في السوق الكبير في جوبا بعد دوار النادي الاغريقي وهما من أبناء حلفا القديمة ومن كبار تجار الجملة في جوبا وضمن الذين فضلوا عدم الهجرة الى خشم القربة بعد غرق وادي حلفا وهاجروا الى الجنوب بدلا من الهجرة شرقا… ولا ننسى الشجرة المعمرة التي كانت تقف شامخة في وسط الجامعة بكراسيها الخشبية التي شهدت المناكفات السياسية والفكرية بين الجمهوريين والإخوان المسلمين قبل أن يبزغ نجمهم كالذي نراه اليوم وقد جعلوا من دولة السودان جحيما لا يطاق ومن شعبه وقودا للحرب يأكل بعضه بعضا….

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اقتباس[… وقد جعلوا من دولة السودان جحيما لا يطاق ومن شعبه وقودا للحرب يأكل بعضه بعضا….

    لا في دي ما عندك حق.. ناس قالوا عايزين انفصال وانفصلوا بنسبة 99.9 وقالوا حا يكونوا دولة براهم وكدا.. ما اظن في علاقة او عمل استخباراتي.. الناس ديل مايلين ومميلين ما ناس سياسة.. كلهم مختلفين مع بعض.. بفقدان جون قرنق فقدوا البوصلة والوجهة.. لا يوجد سياسي جنوب يمكن ان يتفق عليه الناس في الجنوب.. حالهم كحال افريقيا الجهوية والقبلية وعدم التعليم..

    قل لي بربك.. ما هي المدارس أو جامعة جديدة قام بفتحها الحركة الشعبية منذ استقلالهم كما يدعون!!!

    فقط شاهدت شيئاً شاذاً هو اللبس العاري جدا والرقص الخنيث للفتيات مع الشباب بالمؤخرة.. هل هذه هي الحرية التي ينشدها الجنوبيون!! وبعدين السياسييين انفسهم عايزين الشباب يكون مشغول بمثل هذا الرقص والاغاني.. شعب اصلا هو مغيب وازداد تغيباً اكثر…

    لن تستقيم حكومة الجنوب حتى لو ذهبت هذه واتت اخرى.. حتى يدخل الجمل في سم الخياط…

    لان ثقافة الالغاء موجودة كما موجودة في الشمال مع اهل الانقاذ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل

  2. اقتباس[… وقد جعلوا من دولة السودان جحيما لا يطاق ومن شعبه وقودا للحرب يأكل بعضه بعضا….

    لا في دي ما عندك حق.. ناس قالوا عايزين انفصال وانفصلوا بنسبة 99.9 وقالوا حا يكونوا دولة براهم وكدا.. ما اظن في علاقة او عمل استخباراتي.. الناس ديل مايلين ومميلين ما ناس سياسة.. كلهم مختلفين مع بعض.. بفقدان جون قرنق فقدوا البوصلة والوجهة.. لا يوجد سياسي جنوب يمكن ان يتفق عليه الناس في الجنوب.. حالهم كحال افريقيا الجهوية والقبلية وعدم التعليم..

    قل لي بربك.. ما هي المدارس أو جامعة جديدة قام بفتحها الحركة الشعبية منذ استقلالهم كما يدعون!!!

    فقط شاهدت شيئاً شاذاً هو اللبس العاري جدا والرقص الخنيث للفتيات مع الشباب بالمؤخرة.. هل هذه هي الحرية التي ينشدها الجنوبيون!! وبعدين السياسييين انفسهم عايزين الشباب يكون مشغول بمثل هذا الرقص والاغاني.. شعب اصلا هو مغيب وازداد تغيباً اكثر…

    لن تستقيم حكومة الجنوب حتى لو ذهبت هذه واتت اخرى.. حتى يدخل الجمل في سم الخياط…

    لان ثقافة الالغاء موجودة كما موجودة في الشمال مع اهل الانقاذ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..