نحو علاقات خارجية فاعلة ومؤثرة

الإنسان بطبيعته مفطور علي حب الوطن الذي تنسم هواه و تنعم بخيراته من مياه وخضرة واعتز بتراثه وهو رصيد معرفي عملاق وإفتخر بأمجاده والتي تظل أشواق يتطلع إليها ويحن لماضيها ويأمل في مستقبل يضاهيها من حيث الرفعة وعلو الشأن لذلك يحرص دوما على صناعة علاقات حميمة وصلات طيبة مع دول وشعوب العالم من أجل تنمية وحفظ الأوطان وهو ما يعرف بالعلاقات الدولية وهي في مجملها سلوك بشري رفيع وتصرفات متبادلة بين دولة وأخري وفق أحكام وأعراف تتوافق مع أمزجة وتطلعات الشعوب والمجتمعات التي تتكون منها هذه الدول، ولئن كنا كشعوب عالم تجمعنا أهداف أخلاقية ومبادئ إنسانية و قيم إصلاحية فإننا نحتاج لرؤية علمية نوازن فيها بين الروح والجسد بين المادي والمعنوى بين الأخلاق والمنافع لنتمكن من تزكية قيم الحق والجمال فلا تتصادم إرادة الفرد مع مجتمعه الذي يشعر بالانتماء إليه ولا تتقاطع مصلحة الدولة مع رصيفاتها من من ينشدن لها الخير والرفاه.
والسودان بتاريخه العريق جزء لا يتجزأ من المنظومة الأممية للدول ظل يتطلع لعلاقات راسخة وحميمة مع الدول والشعوب لينعم الجميع بالخير و قد كانت مواقفه مشرفة في نصرة حركات التحرر والإستقلال للشعوب العربية والافريقية على السواء وقد أسهم بفاعلية في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ولم يخرج عن الإجماع العربي في مسألة القضية الفلسطينية بل إستطاع أن يوحد الصف العربي في مؤتمر اللاءآت الثلاثة بعد حرب النكسة كما هو معلوم.
واليوم تتشكل في المنطقة العربية تحالفات جديدة تتقاطع فيها المصالح مع المبادئ كما تتقاطع فيها إرادة الدول ورغباتها ضد بعضها البعض والسودان بفعل بعض الأخطاء يصنف مع هؤلاء أو أولئك وهو ليس منهم كما أنه ليس ضدهم ولكن ضبابية المواقف تضيع الحقوق وتخلق مهددات أمنية جديدة يصعب درؤها دون خسارة فادحة يبقي أثرها زمنا طويلا.
فإذا أردنا أن نقوم بدورنا تجاه وطننا ومستقبله لا بد من خلق علاقات خارجية فاعلة ومؤثرة نتبادل فيها المصالح والمنافع والرؤى والعلوم والثقافات مع الغير دون أن يتأذي وجداننا بأن ذلك كان علي حساب المبادئ أوالقيم السامية الموروثة التي نفخر بها وننافع عنها ونعمل علي أن تسود فينا لإسعاد البشرية وذلك لا يتأتي إلا بالأتي: أولا داخليا: لقد ظلت تمارس علي البلاد ضغوط غربية كثيفة تحت زرائع إنتهاك حقوق الإنسان، حجب الحريات العامة ،التضيق علي النشطاء السياسيين، الفساد المالي والإداري، حروب الهامش، ولعل معالجة هذه الإمور وما يماثلها لا يتأتي إلا بالتحول للنظام الديمقراطي ،إقرار مبدأ التداول السلمي للسطة ،التوزيع العادل للثروة ،محاربة مظاهر الفساد ،الإستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمائية والبشرية، ولنعلم أن الأوطان دوما تنمو و تزدهر في أزمنة الحريات والشفافية.
ثانيا خارجيا : لا بدّ للسودان من أن يلعب دور إصلاحي وفاقي داخل المحور السني الذي بدأ يعادينا بسبب التقارب مع الهلال الشيعي ،فيمكننا الإعلان الصريح لدعم ومناصرة الثورة السورية وتنبني رؤية وسطية تقارب بين السعودية من جهة وبين تركيا من جهة أخري فالبلدان كلاهما يدعم الثورة السورية بطريقة تباعد بينه و بين الأخر، كذلك قيادة مبادرة للإصلاح بين المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين، فالمملكة ظلت الداعم الاول للإسلام السياسي وخصوصا الاخوان وذلك عبر العديد من المنظمات العالمية علي بسبيل المثال (الندوة العالمية للشباب الإسلامي – منظمة الإغاثة العالمية – منظمة الدعوة الإسلامية -العديد من المصارف الإسلامية في العالم والتي ظلت تحت إشراف الجماعة ) فحالة الغضب من الجماعة تعتبر سحابة صيف يمكن للسودان أن يلعب دورا مؤثرا في ردم الهوة وإزالت اللبس خصوصا وأن الجماعة هي الأقدر والأكثر جاهزية في تحجيم وهزيمة المد الشيعي،كما أن الإصلاح بين المملكة والإخوان سيكون مفتاح لعودة العلاقات السعودية القطرية لطبيعتها وكذلك الخليجية القطرية فقد تأزمت إثر الخلاف حول الملف الإخواني.
ثالثا شمال الوادى: المعروف عن العلاقات السودانية المصرية تزدهر في زمن الأنظمة العسكرية وتتراجع في عهود الديمقراطية التي حُظي بها السودان دون أن تحظي بها مصر، ورغما عن الجهود الكثيرة التي بزلت لإصلاحها فقد ظلت مأزومة ووتيرة العداء من الجانب المصري في تصاعد حتي بلغت قمتها في السخرية من الشعب السوداني والتندر بقضاياه بعد إحتلال أرضه، وهذا يوجب علينا الخروج من حالة الصمت بفعل صاقع ومؤثر يعيد للمصرين رشدهم فيدركون أن السودان ليس عدوا لهم ولكن في سبيل حماية مصالحه وحفظ ثغوره يمكنه أن يكون مؤذيا وعنيفا على من لا يلزم حده و يرعي للسودان حقه، كما يجب ان يكون موقفنا واضحا من ما يجري في مصر بإلتزامنا الحياد ومحاولة الإصلاح بين الأطرف المتناحرة بعلمها و برضاها .
آخيرا ليس لي معرفة علي وجه الدقة إن كان الحق في قضية القرم لجانب روسيا أولا ولكن لتصويت السودان مغزى ودلالة جديدة هي تركه لسياسية التحفظ والخشية من الغرب والإنحياز لروسيا والتي تستعيد في مكانتها المؤثرة دوليا في صناعة القرار وهذا من شأنه ان يفتح عليه ابواب الحوار مع الغرب بعد أن كان قد أوصدها أمامه ،ولا نريده أن يقف عند هذا الحد ولكن عليه مراجعة كل ما يتعلق بعلاقتنا الخارجية و من شأنه كسر طوق العزلة والحصار عن وطننا الذي جبلنا علي حبه وتفاخرنا بأمجاه ونتطلع لصناعة مستقبل مشرف لأبنائه، أعتقد جازما أن ما ذكرناه أنفا هو ترياق المعافاة للحالة السودانية المرشحة للإنفجار فهل نمضي بسوداننا نحو علاقات خارجية فاعلة ومؤثرة نتبادل فيها المصالح والمنافع؟ أم ننتظر طوفان القطيعة أن يقضي علي ما تبقي من وطن يحترق؟
أحمد بطران عبد القادر
[email][email protected][/email]