الإعلام العربي ساهم في غيابها و أسقطها من حساباته..الأغنية السودانية تحاول كسر الحواجز نص محلي وإيقاع أفريقي ولحن عربي

دائما تكون للسياسة توابعها المزلزلة للفنون، فإما يصعد منحنى الفنون، أو ينهار في بورصة لا تستقر، ومن بين الفنون التي تأثرت سلبيا، فن الغناء، خصوصا في ظل ظروف سياسية قلقة يعاني منها أي بلد، فلو نظرنا إلى الوضع السياسي لدولة مثل السودان يتميز بالتوتر المستمر داخلي وخارجي، فإننا نقف على الأسباب التي من شأنها أن تعصف ليس فقط بفن الغناء، بل بالفنون أجمعها، فالأغنية السودانية غابت عن أذن المستمع العربي على الرغم من أصالتها وتميز قوالبها الموسيقية.

وساعد الإعلام العربي في غيابها أكثر بإغفاله لها في جميع المحافل، وأسقطها من حساباته على الرغم من تسجيل المطربين السودانيين الأوائل أعمالاً تضاهي أغنيات عمالقة الغناء من أمثال عبدالحليم وعبدالوهاب، وذلك في استوديوهات القاهرة، لكن المسؤولين عن الأغنية السودانية يعترفون بأنها غير محظوظة؛ بسبب تعرضها لأزمات سياسية متكررة حرمتها من الخروج لأذن المستمع العربي في عالم صار مفتوحا من كل جوانبه؛ لذا أصبح العرب لا يعرفون شيئا عن الأغنية السودانية ومطربيها وكادت تدخل في مرحلة النسيان.

وعلى الرغم من الخمول الذي أصاب المطربين السودانيين، فإن شبكة الإنترنت أعلنت تمرّد هؤلاء المطربين على واقعهم المرير؛ حيث حاول بعض المجتهدين عرض الكثير من الأغنيات على الشبكة العنكبوتية في محاولة منهم لعولمة الفن السوداني، إلا أن الواقع كان مؤلما بعد أن اتضح أن الآذان العربية فقدت تذوق الكلمة واللحن السودانيين، بعد موجة التغريب التي اجتاحت ذوق الغناء العربي بإيقاعات غربية وكلمات غير مفهومة على طريقة المزاح.

عذوبة سودانية

وعلى الرغم من خصوصية الكلمة المكتوبة وعذوبة اللحن، فإن الأغنية السودانية ستظل مجهولة ومهملة لدى الأوساط العربية بوجه عام، وستظل منزوية عن محيطها العربي نسبة لقيام الغناء السوداني على «السلم الخماسي» على عكس الغناء العربي الذي يستخدم «السلم السباعي».

وهذا ما يؤكده الموسيقار حلمي بكر الذي عزا اغتراب الأغنية السودانية إلى كون السلم الخماسي غير مألوف ولا يستسيغه الذوق الموسيقي العام، إضافة إلى تعارضه مع «ميكانيزم» الرقص الشرقي المحبب لدى الذائقة العربية الذي يعتمد على الألحان التي تجعل المتلقي يتمايل مع الموسيقى.

التفاعل مع الخماسي

إلا أن بكر عاد وأوضح أن هناك القلائل من العرب يجيدون الاستماع والتفاعل مع السلم الخماسي مثل أهل اليمن وسواحل الخليج العربي والعراق، باعتباره مألوفا بعض الشيء لديهم من خلال تراثهم الشعبي، إلا أن نطق المطرب السوداني لمفردات كلمات الأغنية بسرعة شديدة يجعل الكلام غير مفهوم.

وأضاف: هناك تجربة رائدة من بعض المطربين السودانيين الذين حاولوا الغناء بالسلم السباعي، مثل العاقب محمد حسن وأحمد الجابري، إلا أنهم فشلوا في تقديمها، ولم يستسغها العالم العربي، وكان ذلك خلال عهد الرئيس السابق جعفر نميري الذي كانت تربطه علاقة وطيدة بالرئيس الراحل أنور السادات.

أغنية عذراء

بينما أكد الموسيقار عمار الشريعي أن الأغنية السودانية تتميز عن الأغاني العربية الأخرى في كونها تفيض بالإحساس والحنان، وترتبط بالألحان الأفريقية ذات الطابع الخاص والإحساس الذي ليس له مثيل؛ حيث تجدها مثل العذراء التي لم يُخدش حياؤها، خصوصا فيما يتعلق بكلماتها؛ لذلك فإن من يستمع لهذه الأغنية يجد أن المطرب السوداني يغني بإحساس عالٍ يصل به إلى درجة البكاء وهو يغني، لما يحمله بداخله من مشاعر فياضة.

ويحاول بشتى الطرق إمتاع من يأتي إليه، في ظل أغنيات عربية مبتذلة معتمدة على الشهرة المزيفة التي سرعان ما تنضب ويقل نتاجها بعكس الفن السوداني الذي يعتبر قلعة تفيض بكل ما هو جميل على الرغم من حظه المتعثر الذي يقابل عراقيل صعبة؛ بسبب انجذاب المستمع العربي إلى أغنيات ركيكة لا ترقى إلى أن يطلق عليها «أغنية»، علاوة على سيطرة الموسيقى الغربية حتى تعبت أذن المستمع العربي الذي بدأ يلفظ هذا النوع من الأغاني؛ لذلك سيعود مرة أخرى زيادة الطلب على الغناء الحقيقي بعد حقبة الغناء الهابط التي سقطنا فيها منذ أكثر من 20 عاما.

أصول صوفية

وأشار الشريعي إلى أن ما يميز الأغنية السودانية ارتداؤها ثوب بساطة التركيب في الألحان التي تتفق مع ثقافة الموسيقى السودانية؛ لذا أصبح الإيقاع أفريقيا واللحن عربيا والصوت سودانيا، وأهم ما يميزها أيضا أنها تتحدث عن تاريخ الأجداد والعطش والحروب، علاوة على أنها تقدم باللهجات المحلية؛ لأن نشأتها في الأصل صوفية؛ حيث لعبت الطرق الصوفية دورا بارزا في تطور الموسيقى السودانية.

لذلك حرص المطربون والموسيقيون على الحفاظ على اتزانها من ناحية اللحن والإيقاع، وإن كانت هناك بعض المحاولات حاليا لإخراجها من ثوبها بأي طريقة، لكنها لا تمثل سوى محاولات فردية.

أداء جماعي

ويضيف الشريعي: أما المزية الكبرى التي لاتزال تحتفظ بها الأغنية السودانية حتى هذه اللحظة هي الأداء الجماعي، كذلك ارتباطها بالبيئة السودانية؛ لذلك شاركت السودان في الكثير من المهرجانات العربية والعالمية، ومثَّلت حضورا لافتا للنظر في حفلات دار الأوبرا المصرية.

كما أسهم روادها في تطوير الأغاني العربية بصفة عامة والسودانية بصفة خاصة، إلا أن مسؤولية إخفاق الأغنية السودانية في الانتشار خارج الحدود بكثرة مثل الدول العربية الأخرى، فتقع على عاتق المطربين الذين غابت عنهم الشجاعة في اقتحام المنابر الفنية بصفة مستمرة، خصوصا أنهم يمتلكون إمكانات فنية تفوق غيرهم من أبناء الخليج والدول العربية المجاورة.

إضافة إلى رفض أجهزة الثقافة والإعلام السوداني تدعيم المطربين، ما جعلهم يتراجعون في ظل صراعات شديدة من أجل البقاء، علاوة على رفض القطاع الخاص بالسودان المتمثل في قطاع الإنتاج الفني الإسهام بأي دور في إثراء الحركة الفنية؛ لكونه يفتقر لأي رؤية لإنتاج أعمال تسهم في نشر الأغنية السودانية على نطاق واسع.

مواكبة تطور

واختتم الشريعي بأن ما ينقص الأغنية السودانية في الوقت الحالي للالتحاق بركب الظهور هو مواكبة التطورات الحديثة والتقنيات العالية ومسايرة الأشكال الموسيقية التي تقدم حاليا، معتبرا أن الغناء الذي قدمته المطربة «جواهر» في مصر والمطرب «يوسف الموصلي» الذي يستقر حاليا في أميركا، تشويه للأغنية السودانية وبتر لتفاصيلها ومعالمها الراسخة منذ قديم الأزل.

البيان

تعليق واحد

  1. لماذا نصر نحن السودانيين أن نسمع (بضم النون وكسر الميم) العرب غناءنا ولماذا هذه المحاولات للتقرب من العرب يكفينا اننا نتحدث اللغة العربية لنتواصل بها ونقرأ بها القرآن الكريم والأهم من العروبة الإسلام ولا شنو يا جماعة الخير …….

  2. ده كلام صااااح ياعمران يديك العافية
    انحنا مستمتعين جدا بالغناء السوداني لحن وكلمات واداء ومبسوطين شديد جدا ماتوجعوا لينا راسنا بقصة لازم نوصل (غنانا) للعرب
    عرب مين والناس نايمين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..