في تظاهرة رد الجميل: حيدر ابراهيم علي.. شعبك يحبك !

فضيلي جمّاع

ما إن رفع بعض أصدقائه وقرائه إعلاناً في مواقع التواصل الاجتماعي بجمع مبلغ من المال لإجراء عملية جراحية عاجلة له في القلب ، حتى تداعت سائر فئات المجتمع السوداني للقيام بالواجب تجاه الباحث والمفكر السوداني الكبير الدكتور حيدر ابراهينم علي. شعبنا إذن يعرف من هم الذين أعطوه ويعطونه بكل إخلاص وفي ذات الوقت لا يمتنون عليه.
عرفت المفكر السوداني الدكتور حيدر ابراهيم علي مثلما يتعرف القارئ على كاتبه المفضل عبر ما يتلقاه في الكتب والصحف السيارة. كنت قد قرأت له في النصف الأول للتسعينات سفره: (أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية السودانية مثالاً). بهرتني الموضوعية في الطرح والمقدرة الفائقة في التحليل وقوة المنطق. ومن يومها صار حيدر ابراهيم علي صديقي ? يكتب لي وأقرأ له.. وهي صداقة افتراضية تقوم على البحث عن كل ما يخطه يراع الكاتب، فتقوم العلاقة متينة بينه وبين قارئه.
وكان لابد أن يجمعنا ظرف ما. والتقينا في مؤتمر أقامه (مركز الدراسات السودانية) في دار الأوبرا بالقاهرة في العام 2000م ?إن لم تخني الذاكرة. كان المؤتمر- الذي حمل عنوان عنوان:( السودان: الثقافة والتنمية ) والذي شهد نجاحاً باهرا قد تنادى له العديد من قبيل الثقافة من أركان الدنيا الأربعة. عرفت حيدر يومها عن كثب في تلك الأيام الرائعة، فعرفت السوداني الأصيل بكل ما تحمل الكلمة من معنى. كان-وهو القائم على العرس الثقافي الكبير- أقل من تحدث طيلة ايام المؤتمر ، رغم أنه كان يذرع القاعة جيئة وذهاباً مستقبلا ومودعاً ضيوفه من السودانيين وغير السودانيين الذين اكتظت بهم صالة الحفل الثقافي بحسبان أنه مدير المركز الذي دعا الحضور. كان أشبه في احتفائه بالناس بشيخ القبيلة الوقور، يتفقد المجلس وطعام الضيوف وشرابهم بابتسامة لا تفتر ودون ضوضاء. وأجزم أن بعض الحضور ممن لم يروا حيدر من قبل إلا عبر عناوين كتبه وأبحاثه كانوا يجهدون ليعرفوا أين هو الرجل وسط الحشد الكبير من أهل الثقافة طيلة أربعة أيام من الجلسات الصباحية والمسائية، ألقيت فيها عدة أوراق بحثية متنوعة في الهم الثقافي السوداني ، مما اضطر المركز لتمديد الجلسات يوما خامساً صدرت في ختامه توصيات المؤتمر. من يومها عرفت حيدر الإنسان: الكاتب المفكر والمثقف الملتزم نحو قضايا شعبه وعصره والباحث التنويري الذي يرفض محاولات طمس ذاكرة الشعوب ويمقت لعب بعض المثقفين والساسة على أكثر من حبل ويمقت الرقص بين ? بين!
أتفق مع الباحث القدير الدكتور عبد السلام نور الدين أن حيدر بين كل من حملوا القلم في التصدي للقضايا السودانية الشائكة يعتبر أكثر من حمل مهماز النقد القاسي للشعب السوداني وركز على سلبيات حياتنا والجوانب الهشة في ثقافتنا. حفلت كتابات حيدر عن الشعب السوداني بلغة الرائد الذي لا يكذب أهله ، ولا يجاملهم البتة. لم يجامل لأنّ المجاملة في نشر الوعي هي من باب الغش !
ستجرى جراحة في القلب للدكتور حيدر ابراهيم علي خلال اليومين القادمين في براغ (سلوفاكيا). وكلنا عشم في العلي القدير أن يمن عليه بالعافية حتى يعود لأسرته الصغيرة ولوطنه وشعبه الوفي موفور الصحة. ولعل تفاؤل أطبائه من أن العملية عادية ولا مخاوف منها ، لعل ذلك يجعلنا أكثر اطمئناناً لعودة هذا القلم الشجاع لساحة التنوير والوعي أكثر قوة مما مضى.
أكتب هذه السطور لأقول بأنّ هذا الشعب ليس بالبساطة التي يحسبها البعض. لشعبنا ? رغم سلبياته ? مرتكزات إنسانية وحضارية تقوم على النفرة والفزع وعلى قرى الضيف ونجدة المغلوب على أمره. وفوق ذلك كله فإن شعبنا يعرف تماماً من هو الذي يطبطب عليه ، ثم يسرق خزانته وغلاله ، ويقتل ابناءه بدم بارد ويدمي بالسياط أجساد الحرائر..ويعرف أكثر من ذلك من الذي يقف في الضفة الأخرى كالطود الشامخ ، ينشر الوعي ويشد الحيل في زمن سقوط الأقنعة والصمت المزري على ما يحيق بالبلاد من هوان وموت مجاني رخيص. لذا فقد تدافعت الأكتاف عندما رفع أصدقاء حيدر وتلامذته النداء ? تدافعت الأكتاف والسواعد- رجالا ونساء في داخل الوطن وخارجه لرد الجميل لمن تعب قلبه الكبير جراء العمل الفكري الشاق لنشر الوعي في زمن تقوم فيه للظلام دولة ويتحلق حول موائد دولة الظلام من الخفافيش ما لا يحصى.
إنّ شعبنا بخير. ففي زمن وجيز كان ما جاد به الرجال والنساء ردا للجميل قد فاق التصور. نسأل الله في هذا الشهر الفضيل أن يكسو أبا مظفر ثوب العافية وأن نرى ابتسامته الصافية في المحافل الثقافية اكثر إشراقاً

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. امين يا رب ونحن من قصرت خطاهم واياديهم نتمسك بالدعاء ان يرده سالما غانما ببركة هذا الشهر الكريم

  2. امين يا رب ونحن من قصرت خطاهم واياديهم نتمسك بالدعاء ان يرده سالما غانما ببركة هذا الشهر الكريم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..