الحرباء والمعارضة الســـودانية

الحرباء والمعارضة الســـودانية
[email protected]
صوفيا حسن

لنبدأ بالمعارضة الســودانية التى بحثت فى قواميس عدة حتى أرهقت نفسى ولم أجد تفسيرا واحدا لها ! ولا قالب واحد يمكننى من أن أضعها فيه بغرض الوصول إلى كنهها والتعرف على حقيقتها ! بمعنى تفسيرا واحدا يدلل على ماهيتها ! حتى أننى قوقلت (من قوقل) فماتوصلت إلى شئ . وبعد أن أصابنى اليأس (غلب حمارى ) رأيت أنه من المهم اللجوء للقارئ الكريم علنى أجد لديه صائب التفسير بما يريح نفسى المجهدة من التجوال باحثة عن مايطمئن له قلبى . وهانذا أطرح أسئلة محورية علنى من خلالها أتمكن من الوصول إلى غايتى: ماهى المعارضة السودانية ؟ ومن هو المعارض السوداني؟!ثم ماهو الهدف من المعارضة؟!!! المتطلع إلى الساحة السياسية السودانية يجد هناك كيانات عدة لارابط مشترك بينها . ربما يتعجب القارئ من عبارة “لارابط بينها ” ويقول أن تلك الكيانات تعارض السلطة القائمة فى البلاد وهذا هو الذى يربط بينها . أعلم أنه تتعدد الأسباب والموت واحد. وفى ذات الوقت نطرح سؤال مكملا: هل جميع الكيانات السياسية فى الساحة السودانية تعارض السلطة القائمة ؟!
الســـودان وبكل أسف قد توارث كيانات تضع نفسها فى خانة المعارضة ولكنها فى ذات الوقت تتعامل مع النظام بعدة طرق منها المباشر ومنها غير المباشر مما يجعل المواطن فى حالة إنعدام وزن وهو يحاول أن يتبين الحقيقة من خلال منطقة رمادية وجد نفسه فيها وبدون إرادته مما يأخذ من وقته الكثير! وهذا يترك إنطباعا لدى المواطن بأن المعارضة ليست لديها آليات تنسيق فيما بينها بغرض توحيد الجهود من أجل تحقيق هدف إسقاط النظام . هذه الوضعية جعلت السلطة تستشعر رخاوة القوى المعارضة ، مما جعلها تسير فى خطها بدون خشية من أحد . وبالتالى وبرغم أن أحد أهم أسباب إنفصال الجنوب كان تمسك السلطة بالشريعة الإسلامية التى يراها أهل الجنوب بأنها ستجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية . ومما يدلل على عدم إكتراث السلطة بالصوت المعارض تطرح السلطة سياسة أكثر إحكاما بحيث يعلن رئيسها بتصريحات عنصرية تمثلت فى مناداته بعروية السودان ناكرا أو متجاهلا التركيبة السكانية للسودان والتعدد الدينى الواضح فى البلاد .
الأحزات المعارضة أو شبه المعارضة مثل حزب الأمة والحزب الإتحادى والحزب الشيوعى وحزب البعث والحركة قطاع الشمال ، بالإضافة إلى الجبهة الوطنية العريضة بقيادة الأستاذ على محمود حسنين . وقرفنا وشرارة وبعض التنظيمات الشبابية الأخرى التى تتبنى موقفا معارضا للنظام وربما يعتبر أكثر ثورية . فى ذات الوقت الذى نجد فيه أن من تلك الكيانات من يتفاوض مع النظام بغية حثه على تغيير نهجه والتسليم بمشاركة قومية فى السلطة . وبين تلك الكيانات والتنظيمات من يتشكك فى الآخر ، ومنها ماتبنى خطا مخالفا مثل الجبهة العريضة التى طرحت لاءاتها بمعنى لاتفاوض ولاحوار بل إسقاط النظام ولكنها لم توضح لنا حتى تاريخه شيئا عن آليتها فى إسقاط النظام ! وهذا السؤال موجه إلى رئيسها الأستاذ على محمود حسنين الذى يقيم فى الخارج . وهنا لابد من طرح سؤالا عريضا: هل كل تلك القوى تعمل على إسقاط النظام ؟!!! إذا كانت الإجابة بنعم ، علينا أن نطرح سؤالا آخر ألا وهو: ماهو النظام؟! أى هل هناك نظاما ذا صورة أو طبيعة محددة يقاتلونه أو يعملون على إسقاطه؟!!!!
كى لا أدخل القارئ الكريم فى متاهات عنوان مقالى هذا ” الحرباء والمعارضة السودانية ” والتى بلاشك أتوقع تعجله لمعرفة الحرباء وإن كان فى واقعه يعرفها حق المعرفة . ما أرمى إليه هو أن النظام الحاكم كان من الذكاء بحيث انه ومنذ انقلاب القصر والسجن فى 30 يونيو 1989 طرح نفسه فى الساحة بإسم الإنقاذ . فهل توقف عند ذلك المسمى؟! بالطبع لا . فهو تارة الإنقاذ وتارة الجبهة الإسلامية وأخرى المؤتمر الشعبى وأخرى الإخوان المسلمون ثم المؤتمر الوطنى!! أمام هذا الجسم الهلامى أو المتغير كالحرباء ، من منهم تعارضه أو تحاربه المعارضة السودانية ؟!
ذلك الجسم الهلامىفى كل حالاته إتخذ من الدين مطية ليس إلا فليس هناك فعل من أفعاله يدلل على إسلاميته أو حتى يقربه من روح الدين الحنيف ! ولكن بالرغم من ذلك تمكن من اللعب على مشاعر الجماهير التى هى متدينة بطبعها ولاترضى لأى من كان المساس بتلك المشاعر الروحانية المتعمقة فى وجدان الشعب السوداتى . لذا فهى تحاول بقدر المستطاع لأن تطوع الدين لأغراضها ، فعملت وقبل إنقلابها على تأسيس البنوك الإسلامية إلى أن سيطرت تلك البنوك على عصب الإقتصاد السودانى وتوسعت تلك البنوك وإرتبطت بالخارج لتسهيل التمويل وعمليات الصادر والوارد ولامانع من إستغلالها فى تهريب الأموال إلى خارج البلاد وكله بإسم الدين !! وبعد إنقلابها على الحكم الديمقراطى بدأت الإنقاذ فى اللعب على المكشوف فعملت على خصخصة القطاع العام لتضع يدها على كل شئ . فبدأت بتغيير القوانين بمايتماشى مع توجهها الجديد الذى لم يتوقف عند شكل محدد والذى من خلاله إستباحت المال العام لدرجة أن باتت فيه سرقة المال العام قارب أن يكون مباحا وهناك من علماء السلطان من يعملون ليل نهار فى تبرير (جستيفيكيشن ) كل عمل تقوم به السلطة
حتى وإن كان ماتقوم به هو نهب للمال العام ! ولإحكام تغطية الأفعال من خلال ذلك الوتر الحساس لدى الشعب السودانى أقامت له المساجد حتى أصبح مابين كل مسجد مسجد ! وكثر الخطباء الذين يبكون فى خطب الجمعة فيبكى معهم المصلون خشية الله وعذاب الآخرة. ان عذاب الآخرة لشئ مهول ! ولكن هل أصوات الخطباء وصلت إلى قلوب أولئك الذين لايجدون حرجا فى نهب المال العام ولا فى جلد النساء على الزى ؟! بالطبع لا .
عندما قالت الماركسية ” الدين أفيون الشعوب ” لم تكن تعنى تحقير الدين بقدر ما عنت كشف رجال الدين ومايقومون به من سيطرة على العامة تحت ستار الدين ! وما الأعمال التى يقوم بها الإخوان من التخويف بإسم الدين فى كل فعل يقوم به الآخر لهو إعادة لصياغة ماكان يحدث فى الماضى من تحكم رجال الدين فى الشأن الحياتى للمواطن مما يعد تدخلا أكثر منه دعوة بالتى هى أحسن . هذا إلى الدرجة التى قال فيها رئيس النظام بأنه بعد 9 يوليو 2011 وإعلان قيام دولة جنوب السودان أنه بصدد تطبيق الشريعة لأن السودان سيصبح عربيا وجميع قاطنوه مسلمون ! بالطبع قد تناسى الرئيس ان هناك من غير العرب ومن غير المسلمين فى السودان ولكنه تجاهلهم عن عمد لأنه كان يخاطب مشاعر الغالبية وهم من المسلمين! وسبحان الله أصبح للنظام قابلية لتغيير جلده فى لحظات ، فمن رئيس يرى الفساد والسرقة والنهب جهارا نهارا لدرجة مناداته بتكوين لجنة للفساد ، أصبح بين عشية وضحاها خليفة للمسلمين ينادى بدولة الخلافة !
لله درك ياخليفة !ولما لا فالساحة خالية ، فيها تعرض وفيها ترقص وفيها ترتدى جبة الخلافة ! ولما لا وعلماء السلطان جاهزون وسيباركون وليس فيهم من احد سيراعى الله فى حق الوطن طالما الجميع مخدرون تحت مظلة التمكين !
والناس مخدرون هكذا ، والسلطة قد تخندقت بالدين وأظهرت ان من يخالفها وكأنه يخالف الدين . إذا كيف للمعارضة أن تتبين الطريق لإسقاط النظام ؟! وأى من النظم تعارض أو تحارب وهل فى إمكانها أن تقاتل أولئك النفر بدون المساس بالمعتقدات حتى وإن كانت وهمية ؟!
على المعارضة أولا أن تجد سبيلا لخلخلة النظام وكشف حقيقته لدى الجماهير . عليها أن تجد آلية مناسبة لتوضح للمخدرين أنهم يعيشون الوهم . فالنظام الذى يتدثر بالدين هو أبعد ما يكون عن الدين يجب أن تعمل المعارضة جاهدة لكشف حقيقة النظام للجماهير. عليهم تعرية النظام وكشف حقيقته للجميع . أما وأن تستمر المعارضة فى أساليبها القديمة ويستمر النظام فى إستغلالة للدين بجذب رجال الدين إلى حظيرته وإرتداء عباءة الدين وهم نفس رجال الدين الذين إستغلوا سذاجة الرئيس السابق جعفر نميرى عندما ألبسوه عباءة الخلافة ونصبوه أميرا للمؤمنين ! أليسوا هم ذات الأشخاص وذات الحزب حتى بعد أن حاول تغيير جلده كالحرباء التى ستظل حرباء مهما فعلت لتتأقلم مع الفضاء الخارجى ! على المعارضة أن تعمل جاهدة فى كشف تلك الفئة وتخليص الدين منها . عندها ستخرج المعارضة أيضا من ثوبها الزائف وتظهر على حقيقتها ، فمن ينادى منها بالعلمانية سينادى بها فى العلن وكذا من ينادى بفصل الدين عن السياسة أو فصل الدين عن الدولة . ماعلى المعارضين إلا البدء بكشف هؤلاء وتعريتهم حتى من ورقة التوت التى يظنون أنها تستر عوراتهم بالرغم من أن عوراتهم بائنة للجميع .ولكنهم يحاولون إخفاؤها بورقة الدين . عندها ، وعندها فقط سيكون للسودان نظام حاكم ومعارضة . والحشاش يملأ شبكته .

تعليق واحد

  1. كاتبتنا الرائعه الاستاذه صوفيا حسن
    لك الود
    الجماعه ديل بيلعبوا السياسه بقواعد وقوانين المافيا وليس بطريقة سياسيينا المحترمين امثال السيد الامام الصادق المهدي او قياداتنا السياسيه التاريخيه امثال طيبي الذكر الازهري والشريف حسين
    من اول يوم مستر داستي دخل كوبر والمشير دخل سراي غردون باتفاقيه مشابهه لاتفاقية ميتستوفوليس مع دكتور فاوست (الفصل الاول من مسرحية تغيير لبس الماسكات الكيزانيه)
    المفاصله الوهميه مقلب وشربونا ليهو بمزاجنا لكن الشيخ فيتو كورليوني محمد طه ركل شيخه مستر داستي خارج جنة الحكم وده طبعا شغل تقيل علي ميه بيضاء لكي يكون الترابي سفينة نجاة احتياطيه حين تغرق سفينة الانقاذ بتاعت الجمهوريه التانيه الكيزانيه البشيريه النافعيه العلي عثمانيه (الفصل الثاني من المسرحيه ) ونحن في انتظار الفصل الثالث
    طبعا عمك الامام الرائع دخل المطبخ السياسي وفتح الحلل لقي الطبيخ الابليسي الجهنمي قلبه انقبض وجره واطي واقتنع ان الناس ديل احسن حاجه يخليهم لغاية ما يموتوا بامراض شيخوخة الانظمه
    بالمناسبه انتم سودانيي المهجر بتشوفوا الوضع احسن مننا نحن سودانيي الداخل لان زاوية الرؤيه بتاعتكم اوسع ونحنا شايلين قفة الخضار والمعايش وحايمين ما لاقين طريقه حتي نفكر في الحاصل لينا
    ملحوظه ناس المعارضه بدل يحضروا كماشه لقلع المسمار مشوا جابوا شاكوش وقعدوا يثبتوا فيهو زياده وافضل مثال ناس قطاع الشمال خلوا الشارع الشمالي كله يلتف حول النظام وعندك عبدالواحد وخليل ما عندهم رؤيه نهائيا والحل كان في شيخ المناضلين علي حسنين وجبهته العريضه لكن للاسف ضيقي الافق وأدوا الجبهه العريض بانانيتهم المفرطه
    تحياتي

  2. الاخت صوفيا تحية طيبة. اختلف معك في اعتبار ان النظام المجرم القائم في السودان غير معروف او غير محدد الا لو كنتي تتحدثين عن اشخاص. وقد سالتي عن الجبهة العريضة والتي اعتبر نفسي عضوا فيها بدون اي عضوية تسجيلية او صفة حتي لانني اسعي لاسقاط النظام واتفق مع مبادئها وهي اتفاق يجمع جميع من يؤمنون بحتمية اسقاط النظام القائم ووضع قوانين تضبط العمل الحزبي والسياسي في السودان بما فيها تحديد مدد الرئاسة علي المستوي الحزبي واجبار الاحزاب علي اقامة المؤتمرات العامة والانتخابات الداخلية ، القصاص الشعبي، حماية الديقراطية. الية اسقاط النظام مفتوحة خياراتها لنا جميعا تبعا لقدرة شعب السودان الابداعية الثورية. وانا واثق جدا من قدرتنا الابداعية الغير مسبوقة . نحن نحارب نظاما شرسا يجيد التحايل وكل قوته ومصادر تمويله في الجهاز الامني. ولم اسمع عن ثورة في التاريخ كشفت عن الياتها قبل اوانها او عن تشكيلها وتخطيطها الا لو كانوا اطفال مدارس يلعبون عسكر وحرامي. كل ما استطيع قوله ان اذكرك بان نظام الانقاذ لم يحتفل هذه المرة بتاريخ انقلابه المشئوم لانه مرعوب وهو علي حق في رعبه . ان الثورة قادمة كالزلزال وان اعتي الاعصاير تاتي بعد هدوء طويل. ما بعد الثورة يمكنك مراجعة ما اتفقت عليه معظم القوي الشعبية الفاعله والذي تبلور في الجيهة الوطنية العريضة بقيادة الزعيم علي محمود حسنين. وقد اجاب قبلا في اكثر من موضع بما هو ممكن الذكر اعلاميا : ( ان كافة خيارات الشعب السوداني مفتوحه لاسقاط النظام ) ( الحل العسكري وارد لحماية الثوار والانتفاضة ان اضطررنا ولكن ادواتنا الاساسية هي الشعب والانتفاضة ) . ( للجبهة ركنان ، الايمان باسقاط النظام وعدم التحاور مع النظام ، وكل من يؤمن بهما هو عضو في الجبهة الوطنية العريضة ) ( الجبهة خط نضالي وليست اشخاصا ) (الجبهة ليست بديلا عن الاحزاب وليست تجمع احزاب بل اصطفاف للشعب السوداني تحت راية الوطن ) . من يحاولون الايحاء بان النظام القائم في السودان له اشكال مختلفه وبه خير هم من يحاورنه من الاحزاب وغيرهم ممن وهن ايمانهم بالحرية وهم قطعا ليسوا في الجبهة الوطنية. وندعوهم للحاق بخط الشعب و قبل الطوفان وانه لقريب باذن الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..