مقالات سياسية

أيدلوجيا الدين: العِقاب الإلهي في زمن جائِحَة الكورونا 

المرض، بوصفه عِلة تُصيب جسد الإنسان، حتما يتقاطع مع الدين ويؤطر لحياة المؤمن به في عدة جوانب إجتماعية وثقافية، خاصة في متلازمة المرض و الموت وعلاقة ذلك بالسؤال الوجودي عن بدء الخليقة ونهاية الحياة ومن ثم الضرورة المُلِّحة لإيجاد تفسير شامل وكافي لسبب تفشي الأمراض الوبائية الفَتاكة والمميتة. وباء مرض نقص المناعة المكتسب، الذي سَبَبه فيروس ‘هتش – آي – في’ والذي تم إكتشفاهُ في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كان أفضل تجربة عملية لمثل هذا التداخل الثقافي، الإجتماعي الشائك الذي تم تبريره من قبل بعض رجال الدين على أنه عقوبةً إلهية تَنزَّلت على المثليين ومدمني المخدرات وعلى من يمارسون فاحشة الدعارة. في هذا قال الداعية الإسلامي، يوسف القرضاوي: “…السبب الأول لشيوع هذا المرض ونشوئه أيضا هو الإنحراف. الإنحراف عن فطرة الله وعن شرع الله سببه هو الممارسة الجنسية المحرمة؛ ‘ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً.’ السبب الأساسي الذي أنشأ هذا المرض هو ما يسموه نقص المناعة المكتسبة لأن ربنا جاعل في جسم الإنسان جند حُراس يعني يدافعون عنه من كل أجسام غريبة مضادة. الإنسان أصبح قلعة بلا حراس فهذا نتيجة الانحراف وشيوع الفاحشة والأشياء الأخرى كلها تأتي عن هذا الأمر.”

لكن، في البداية نسأل أنفسنا عن طبيعة أسباب هذه الأمراض المعدية، خاصة الفيروسية منها، التي تَجْعل منها أوبئة باطشةً تَحتاج لتفسير رباني يُجْلي أسباب ظهورها ويبرر بأس عَدْواهَا؟

كحال الكثير من الإكتشافات العلمية، عثر دميتري إيفانوفسكي على أول فيروس في عام 1892 بصدفة “السرنديبتي” حينما كان يحاول وصف مُسَببات الأمراض غير البكتيرية التي تصيب نباتات التبغ. منذ تلك اللحظة التاريخية الفارِقة في الطب وعلم الأحياء وحتى لحظة ظهور وباء الكورونا المستجد تم إكتشاف عدد ما يربو عن خمسة ألف جنس وملايين الأنواع من الفيروسات مما جعلها أكثر أنواع الكيانات البيولوجية عددًا وإنتشاراً في كل أنواع الوسائط ً البيئية. على عكس الباكتريا، الكائن المصنف في بداية سُلَّم الحياة، يعتبر البعض الفيروسات شبه كائنات تتشبث بأدنى ذلك السُّلَم في كونها إكتفت بأصل الحمض النووي الذي يَخضَع لقانون الإنتقال الوراثي والطفرات الجينية التي تُشفر كل أنواع الحياة وترسم شكلها وتقوم بدور مهم في عملية إنتقاء الصالح وبقاء الأقوى وإحتمال فناء الطالح منها. فلاغرابة إذا شَكَّلت الفيروسات في نظريات النشوء والتطور تساؤلاً مِحْوَريا في ما إذا كانت هي أصلٌ للحياة نفسها، في أول المقام. فإن هي كذلك، فإن الفيروسات في مسار تكاثرها الملازم لحياة الإنسان تٌسهِم في عملية النقل الأفقي للجينات مما يزيد من التنوع الجيني ويباعد بين النِسل والأمراض الوراثية ويوفر غطاء مناعة طبيعية واسع النطاق ضد الأمراض المعدية. بقدر مشابه، في إطار ذلك التحور والتطور والتعايش اللصيق مع الإنسان يُمْكِن للفيروسات أن تَتَسبّْب في عدة أمراض من مثل نزلات البرد؛ إلتهابات الجهاز التنفسي الخفيفة؛ الأنفلوينزا؛ إلتهاب الشُعب الهوائية وغيرها.

الفيروسات ذات الطبيعة الجينية المستقرة، مثل فيروس شلل الأطفال، الحصبة، الجدري، النُّكاف، إلتهاب الكبد الوبائي وغيرها التي تُمَكِّن جهاز مناعة الإنسان من قراءة شفرتها الجينية ومن ثم صناعة مضادات حيوية ناجعة في تحييده ثم التخلص منه في وقت وجيز، تُكْسِبه مناعة طويلة الأمد، وفي بعض الحالات لمدى الحياة. لكن، إذا كانت طفرة الفيروس الجينية واسعة وعويصة، بحيث يتطلب من الجهاز المناعي وقتا طويلا لفك شفرتها وإستيعاب تركيبها، كحالة فيروسات ‘سارس’ ‘وميرز’ و‘كورونا’ و ‘إيبولا’ المتحورة، عندها يكون هناك متسعاً من الوقت للفيروس من نَسْخ نفسه في متوالية عددية متصاعدة على حساب خلايا مُضيفه المغلوب على أمره الذي يسقط، في نهاية المطاف، فريسة لدائه العُضَال. هكذا قد تكون الفيروسات سبباً في وجود الحياة وبقائها وتتطورها، ولكنها أيضا قد تُصبح طاعُونا يذهب بها إلى مدارك السَقَّم والعَدمِ.

على مر العصور أوْدَت الأوبئة بحياة عدد كبير من جنس الإنسان وتَسَببت في أزمات إنسانية رهيبة وعصيبة. طاعون أنطوني، الذي إنتشر في ربوع الإمبراطورية الرومانية وطاعون جستينيان، في زمن أوج سطوة الإمبراطورية البيزنطية، أوديا بحياة أكثر من خمسة وثلاثين مليون نسمة. الموت الأسود، طاعون العصور الوسطى، الذي سببته باكتريا ‘اليرسينيا’ الكامنة في قوارض بلاد الصين والذي إجتاح أنحاء أوروبا والشرق الأوسط عبر طريق تجارة الحرير، ذهب بحياة ما يقرب من مئتين مليون شخص حول العالم. مرض الجدري، الذي إستطاع الإنسان بعِلمِه إستئصاله بالكامل، كان طاعوناً حصد أرواح ستة وخمسون مليون من الناس في أنحاءٍ متعددة من العالم. أما فيروس الإنفلوينزا الأسبانية الذي ما إنفكَّ يَتَحوَّر ويتغيير ويأتينا في كل حول بشكل وهوية جديدة، فقد كان جائحة – جانحة تسببت في موت ما بين سبعة عشر وخمسين مليون نسمة خلال عام واحد فقط.

حاول الإنسان ومنذ فجر التاريخ إيجاد تفسير لأسباب الظواهر الطبيعية من أمراض معدية وزلازل وبراكين وفيضانات ومجاعات وغيرها. غير أنه في تلك الحقب التي قَصُرت فيها قامة معرفة العلم وتَسَتّرت علل الظواهر والأحداث من خلف حُجُبْ عوالم ما وراء الطبيعة والغيبيات، اُصْطُلِحَ على تسمية الأوبئة والجوائح، إجمالاً، بمرض الطاعون وأعتبرها الكثيرون نوعاٌ من الإنتقام والعقاب الإلهي بسبب سوء ومعصية الإنسان وفساده في الأرض. لكن، إذا كان الإله الخالق، واهب الحياة والصحة والسعادة، عادلا في حُكمِه وشاملا في رحمته فكيف له أن أن يكون سببا في كوارث الطبيعة المدمرة والأمراض المعدية التى تقود لمعاناة الإنسان وتعاسته وموته؟ وكيف له أن يَرضى وهو السامي، المتعالي والمتسق في قوله وفعله بتناقض مفهوم عدلِه مع شمول عقابه؟ وكيف له أن يعجز في التمييز بين من صدق رسالته فآمن ورَضَى وبين من كذبه وعصاه، فأذنب وأبى؟ وهل يستقيم للخالق – القادر القوي، المليءُ بالسماحة والعفو، أن تتجسد فيه صفات سائر الناس من خلقه فيغضب ويثور ويثأر وينتقم؟ كانت تلك هي الأسئلة الوجودية المحيرة والمُحَرِّقة التي لم يكتفي الإنسان إلى تحويلها إلى سلوك عصابي من الشعائر والطقوس، لكنه قام برسمها ونحتها وتجسيمها في آلهه تحتوي على كل الإجابات في معرفة شاملة، مطلقة – مقدسة.

في الميثولوجيا اليونانية، إله الشمس والحقيقة، أبولو، إمتلك قيثارةً وقوساً وسهماً وإختزن الداء والدواء في دولاب عرشه السرمدي ثم قام بتكليف إبنه ‘أسكليبيوس’ بتقسيمهما على عباده؛ كل على حسب سوءِ فعله أو صلاحه. على الرغم من كل ذلك، إحتفظ هو لنفسه، كبيرة الآلهة، بخيار إطلاق عنان وباء الطاعون في سهام قوسِهِ الموتور ليرمي به ويصيب في مقتل قومه العاصين – الكافرين. أثناء حصار الجنرال الروماني، لوسيوس، لمدينة بابل في بلاد الرافدين، قام أحد جنوده بالخطأ بفتح الكفن الذهبي الذي إحتوى الداء والدواء فتحرر مارد الطاعون اللعين من قُمقَمِه المعتق بالوباء ليصيب، أول ما يصيب، جُندَه الكواسر ومن بعد ذلك أهل المدينة الآبقة – الخاسرة. من بعدها إمتطى الطاعون أسير الإله أبولو ظهر البواخر والسفن ولم يبقِ منها على ظهر ليشُقّ عُباب مياه البحر الأبيض المتوسط ويرسو في ما وراء شواطيء بلاد أوروبا وشمال إفريقيا، لبرهة، ثم يتسلل لعمق أراضيها ويتمكن من صحة الناس فيها وأرواحهم ويُصْبِح طاعونا – جائحة، سيء السيط، أسمه ‘أنطوني’. أما إله شروق وغروب الشمس الفرعوني، آمون – رَعْ، واهب الدفء والفصول والحياة والمترفع عن التمثل بعباده الأسوياء والمتعالى عن الأحقاد والضغائن، فقد أوجد بخلقه وحده، إلها آخر من عَدمٍ أسماه ‘سَخْمتْ’ لكي ينوب عنه حينما يَجِب التَنَزُّل بالعقاب والإنتقام.

كذلك، قَصَص التراث في الديانات الإبراهيمية مليئة بحكايات أقوام وشعوب أوردهم الخالق موارد التَهْلُكة  بسبب عنادهم ومعصيتهم. قال الله تعالى في سورة العنكبوت: “فَكُلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حَاصِبا ومنهم من أخذته الصَّيحَةٌ ومنهم من خَسَفنا به الأرض ومنهم ن أغْرقنا وما كان الله ليَظْلِمهم ولكن كانو أنفسهم يَظِلمُون.” عندما سألت عائشة زوجها محمد، رسول رسالة الإسلام الكريم، عن الطاعون، قال لها: “أنه كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين؛ فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد.”

هكذا توارد بعض مفهوم العقاب الإلهي في الدين والميثولوجيا في شكل كوارث مزلزلة – مدمرة وأوبئة سقيمة – مُهْلكِة ليتخذها البعض من رجال الدين ذريعة فقهية يعتبِرُ بها تلك الظواهر الطبيعة عقاب وحساب من الله عسيرٍ يُوقعه على عباده كلما رأى ذلك وقدَّر. فإن أصاب الطاعون القوم المُلحِدين والذين كفروا بدينه وسُننِ رُسِله، فحينها يكون عقابا إلهيا نافذاً وناجزاً لا ينتظر اليوم الآخر في الحساب والعقاب، أما إذا أصاب عباده المؤمنين، الصادقين – المخلصين، كان إبتلاءً صعباَ وإمتحاناَ عسيراً لمدى طُهرهم وصدق إيمانهم. هكذا يكون نفس ذات الإله، العَصِيُّ على فِعل الخيال والتجسيد والمُنَزه عن الصغائر والضغائن، قادر على مشاعر الحَنَق والغضب والإنتقام؛ مثله مثل سائر خلقه من البشر؛ يفكرُ ويُدَبِّر بليل ليرسل جُندِه الأشداء، الاكثر عددا من فيروس الكرونا ليثأرو له من عباده الضالين – الكافرين أو حتى ليمتحن صدق من آمنو به وبرُسُله وأنبيائه. بعد كل هذا، وجب علينا نحن عباده، صَنيعة جميل خَلْقِه وحَصيف عًقلهِ أن نَقْبل ونُسَلِّم بعدالة إختلاف حُكْمِهِ وإن كانت الأسباب وطبيعة العقاب والعذاب والممات واحدة.

لكن، في حقيقة واقع الحال، كان لقضاء مسار عدوى جائحة عصر الفضاء والعولمة وأسافير الترحال والمعرفة، الفيروس التاجي المُتحوِّر – المستجد، حكما آخر أمره فادح وجَلَل. فعلى الرغم من محاولات التنميط والحَشْر العقائدي التي حاول بعض المسلمين إلصاقها بوباء فيروس الكورونا وبالملحدين والشيوعيين والبوذيين بسبب إضطهادهم للمسلمين في بلاد الصين وتركستان، إلا أن الفيروس في إنتشاره المباغت والسريع لم يستثنى أيَّةَ عرقاٌ أو دينا كان ولم يحترم في عبوره الغاشم أية إشارة لحدود لأرضٍ حلالٍ أو حرام. فحتى بيت الله ومزار محمد، رسول الإسلام، تَعطَّلت شعائر العبادة فيها بسبب فيروس كوْنيٌ لئيم أتاها من بلاد إتخذ أغلب أهلها غير الإسلام ديناً.

كان الأمر واضحاً أن هذا الفيروس الشرس لم يصيب الانسان بسبب ظلمه لأخيه الإنسان أو معصيته لخالقه أو لقِلَّة دينه أوضعف إيمانه ولكن، لمجرد حقيقة وجودِه الضعيف والهش والمكشوف لظروف البيئة ونوائب الطبيعة ونواميس الأسباب والنتائج فيها. كان واضحا أيضا الفيروس التَّاجي لم يُميِّز في سلوكه الجائح – الجامح بين البشر إلا بقدر ما يتمتعون من حظ في تجنب وقع خطاه المُلَوَّث وجهاز مناعي حاذِق الذاكرة عركته نوائب الأمراض والعلل. ففيروس كورونا الخارج على نوع جِنْسِه والمتمرد على أصل فصله، ساوى بين كل الناس في بسط قَسْط محنته ومأساته؛ الغني منه والفقير؛ الأسود منه والأبيض، وعرى من غير أدنى سترة، التدني المعرفي والأخلاقي الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية والقائمين على أمر تجديد الفكر والدين فيها. فالحرج المعرفي هنا، ، يقع إذاً، ليس على من لم يعرف أن بلاد الصين، التي أنزل بها الله عقابه الحازم – الصارم نصرة لعباده المسلمين، بها ما يربو على مائة وعشرين مليون مسلم كان لهم نصيبهم الوفير من المرض الخطير، ولكن، الحرج، كل الحرج، سوف يكون من نصيب من ظن وإعتقد أن للكائن الناقص؛ الفيروس التَّاجي، المُلوكي الغير مَتوَّج، له دين يُؤدْلج أفكاره ويوجِه سلوك وأفعاله.

لا مناص إذاً من الإشارة إلى أن عقل أيدلوجيا الدين الذي يركنْ للتأويل الديني السلفي في تفسير وتبرير أسباب الأمراض والكوارث والأوبئة وعلاقتها بمفهوم العقاب والابتلاء هو الذي يقوم بمهمة تلفيق تماسك عدل الحُكم الإلهي، بوعي أحيانا وبغير وعي في كثير من الأحيان، ليعطي إحساس زائف ومغالط بإختلاف طبيعة عقابه من إبتلاءِه ومن ثم تجاوز التناقض والحرج المنطقي عند سقوط المؤمن، الصادق – البريء فريسة للداء والموت الزؤام. هنا، حريٌّ بنا أن نقول أن كل المعارك في الحروب الغير متكافئة بين معرفة الدين المطلقة والمتسامية وبين معرفة العلم النسبية والمتواضعة إنتهت لصالح الأخير، ليس فقط في تشخيص وعلاج الكثير من الأمراض، لكن في إستئصال البعض المعدي منها وبالكامل من دورة حياة الإنسان.

في الختام يبقى السؤال: ما الذي تبقى لشيوخ الدين الواقفين على رصيف قطار العلم سوى الوصمة بالبقاء خارج إطار الزمان والمساهمة في سخاء في تحويل الشعور بالعجز في مواكبة معرفة العصر إلى مغالطات سُوفِسْطائيَّة مُلتبِسة في معانيها إلى مُغت وكراهية للآخرين المختلفين في الدين أو حتى درجة الفهم والإيمان؟ وكيف ستكون عِبَر ودروس تجربة جائحة الكورونا، في ظل هذا الواقع المعرفي المُختل، مفهومة ومفيدة لمن رآها على ضوء العلم والتجربة الحياتية ومن إنتظر منها عدلاً وعقاباً سماوياَ لا يستقيم؟ فوق كل ذلك، يبقى السؤال الأهم: ماهي عبر ودروس تجربة هذه المرض الوبال الذي وحَّد الإنسان في محنته كإنسان مجرد من سَحنة العرق وعقيدة الدين وسطوة المال والسلطان؟

د. عثمان عابدين عثمان
[email protected]
https://web.facebook.com/notes/osman-abdin-osman/

تعليق واحد

  1. رائع هذا التناول المسهب د. عثمان. ورغم تنوع الاسباب الا ان الامر في النهاية لا يمكن فصله عن واقع الانسان وعلاقته بخالقه ودينه. فالامراض متعددة واسبابها متعددة وكلها بسبب تقصير من جانب الانسان بشكل او بآخر او تجاوزه لحدوده التي قد تكون غذائية او سلوكية او صناعية او بيئية او غيرها من الاسباب. فلكل فعل رد فعل مساو في المقدار ومعاكس في الاتجاه. وكلها من الانسان مباشرة يتحمل اسبابها ونتائجها كما قال القرآن “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا”. وتتنوع طرق انزال نتائج سلوك وافعال الناس واعتقادهم بالنتائج وحكمهم وفهمهم الخاطئ لها كما رأينا في الآية التي تقول “فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ” فكل ما يحدث للانسان هو اما اشارة مباشرة من الله تعالى او بطريقة غير مباشرة كالتلوث البيئي وارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد وانقراض بعض الانواع. فالشرخ الذي يخلقه الانسان في التعامل مع اخيه الانسان او مع البيئة التي حوله تنتج نتائج يلمسها الانسان ونرى ذلك في انقراض بعض الانواع النباتية والحيوانية مما ادى الى نشاط انواع اخرى ضاره فيضطر الانسان اما الى اعادة تنشيط تلك التوازنات بعد ما تسبب في انقراضها او ان يلجأ الى المعالجة الكيميائية وغيرها ولكل نتائجها على ارض الواقع. فالعلماء الان يقرون ان كورونا من الطبيعة وان ليس هناك بشر يستطيع عن يخلق جرثومة وكل ما يفعله البشر هو تثبيط نشاط الجرثومة ليستفيد منها في اللقاحات. فقد ضرب الانسان الطبيعة حتى هاجمته تلك الطبيعة بافرازاتها وكانت النتيجة كورونا الناشئة من الخفاش الذي ازعجناه في مقابعه بل وازلنا مكان عيشه فجاء الى المدن وبدأ الانسان محاولا التغذية عليه فحمل جراثيمه التي انتقلت للإنسان ووجدته حاضنا ضعيفا لها. فلا يمكن ان نختزل التفسير الديني للظواهر حولنا بانه تفسير سلفي (مجرد سلفي). فنحن نتعامل في التفسير الديني مع النص القرآني والنبوي ولا علاقة لنا بالنص الفقهي الذي نسميه سلفي الا اذا كان قصدنا ان نسمي التناول القرآني والنبوي بانه تناول سلفي وهذه طامة كبرى. وعليه لا يمكن ان نفصل الدين عن ظواهر الحياة من حولنا لان الدين اكد لنا ان فيه تبيان كل شيء وانه لم يفرط في شيء. فاذا كنا نفهم كلمة “شيء” الفهم اللغوي الصحيح فاننا نرجع كل شيء الى الله ونبيه واذا فشلنا في استلهام المعنى فهذا من عيبنا نحن وليس من قصور الدين لان الله تعالى وعد الناس قائلا “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ” فمن يعجز في فهم الدين فلا يجب ان يتهم كل نظره دينية للظواهر من حولنا بانها نظرة سلفية حتى يفقدها معناها ويجر شبابنا نحو العلمانية والالحاد. فلا انفصال بين الحياة والدين ومن يفصل بينهما يحصد الكوارث التي يحصده الغرب العلماني الآن والذي رمى كبار السن في دور العجزة ليموتوا من دون ان يستطيعوا ان يودعوا من انجبوا. فالغرب الان ادرك انه كان مهملا لكثير من الجوانب الاساسية وسيراجع تلك الجوانب وعلى دعاة العلمانية الانتظار حتى ينظروا من اربابهم ماذا سيفعلون لان المنظومة العلمانية والمادية الغربية التي حولت الانسان الى ماكينة في عجلة الاستغلال والتدوير لن تستمر على وتيرتها الماضية ولذلك على دعاة العلمانية التريث حتى يروا ماذا سيفعل اربابهم في الغرب الفاشل الذي وصفه امثال عبدالباري عطوان بانهم في الحقيقة من دول العالم الثالث ولم يكن يخيفوا الناس الا بأساطيلهم التي تمارس القرصنة منذ خمسمائة عام والى اليوم وقد تجلى ذلك في التنازع النسري (الصقري) على الكمامات واجهزة التنفس الصناعية كما رأينا سلوك الجيوش واجهزة الامن الغربية التي وقفت في مضايق البحار والمطارات لتخطف وتعيد شراء ما تم شراءه لدول اخرى وهذا هو الغرب الذي يتغني باسمه الحمير والبهائم من شبابنا المستحمر والمستحمق. فهذا هو الغرب الموسوم بالعلم والتنوير لكنه اظهر اكثر الجوانب جهلا ووحشية في شخصيته بينما دول كالصين هزمت المرض بطريقة علمية وغير مسبوقة ودارت عجلة الانتاج فيها لتسعف العالم بالكمامات واجهزة التنفس. وعليه فان على المعجبين بعلم الغرب ان يراجعوا مفاهيمهم المغلوطة ويرجعوا ليتناولوا كبسولة علم الشرق. واذا فشل كهنة الدين في اعطاء تفسير صحيح للحال فهذا الفشل ليس فشلا للدين بل فشل للفهم المغلوط للدين الذي ورثه هؤلاء الكهنة من سلفيتهم التي توالي وتترضى على من حرَّفوا الدين وارسلوه لنا في شكله المحرَّف لينتجوا لنا هؤلاء الكهنة الذين لا يعرفون سوى بطونهم الكبيرة وفرجوهم القذرة ودقونهم المعتتة. فلا ترموا فشل هؤلاء الكهنة في صياغة العقل الديني للناس على الدين. فالدين هو الدين من خالق الناس والدين ولا يمكن ان نصمه بالفشل ابدا. وبدلا من ان نتهم الدين فعلينا ان نراجع فهمنا للدين وقناعاتنا بمن نجلس امامهم لاخذ الدين منهم لانهم من سلسلة منحرفة منذ السقيفة والى يومنا هذا ولم يقدموا للانسانية سوى الخزي والقتل والدماء والاستعباد من خلال طغاة رفضوا الهداية الالهية والنبوية واختاروا للناس الضلال ومع ذلك سكت الناس ورضوا بما اختاره لهم الجبت والطاغوت وهذه هي النتائج الحتمية؛ واقع مخزي واستنارة منحرفة وهجوم على الدين وكل ذلك عبر العقود والقرون ينتج شتى انواع ومصادر المعاناة والذل والهوان والامراض والكوارث والحروب للانسان وهذا هو الدم العبيط الذي حذرنا منه اهل الدين والحق ووعدونا به في حال الانحراف وفي حال رفضنا للدين والحق واهل الحق. فلا يمكن ان نفصل الوبائيات عن التفسير الديني ابدا. فبعد ان خذل اهل الكوفة امير المؤمنين الامام علي عليه السلام وقتلوه وخذلوا كذلك الامام الحسن عليه السلام فغادرهم وتم التمكين الكيزاني السلفي السقيفي على مفاصل الدولة الاسلامية لم يمض زمن قليل حتى ابتلى الله اهل الكوفة بطاعون ضربهم ففر حاكمها الاموي المغيرة بن شعبة الى خارج الكوفة ورجع بعد ذلك ظانا انتهاء الطاعون الا انه أُصيب به وهلك. وكان الملك الاسباني في سياق حربه على المسلمين يعطي الاسبان وزن رأس المسلم ذهبا فنزلوا في المسلمين قتلا وقطعا لرؤوس المسلمين وتناول وزنها ذهبا من الملك حتى هلك من يسمون مسلمون والذين لم يذهبوا لاسبانيا الا لثروتها ونساءها وسباياها وخمرها. لكن لم يترك الله تعالى اسبانيا من دون عقاب فكانت سلسلة من العقوبات لم يكن انفلونزا 1918 اولها ولن تكون كورونا لحالي اخرها. وهكذا يدفع الانسان وتدفع المجتمعات نتاجات افعالها وافعال اسلافها اذا لم تتب وتصحح وتصلح ونحن لسنا استثناء في هذا السياق. فمجتمعاتنا تترضى على المجرمين والسكرجية والزناة والقتلة والخائنين والناكثين والمنقلبين؛ الجبت والطاغوت ومن يسميهم الجهلة سيف الله وليسوا الا سيف الشيطان ومادامت المجتمعات لم تتوب وتراجع وتصحح وتصلح فسيكون هذا هو الحال فسيتحكم بمجتمعاتنا الظلمة والطغاة والمجرمين والناهبين والسُّرَّاق وسنعاني من الضائقة الاقتصادية وستضربنا الامراض والاوبئة وحياة الضنك لاننا اعرضنا عن ذِكْرِ الله تعالى وطاعة نبيه واتباع هداتهما ولذلك سيعرض الله تعالى عنا. حيث يقول الله تعالى “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” ولم نسأل اهل الذكر الحقيقيين الذين سماهم لنا الله تعالى ورسوله. ففي جامع الاحكام للقرطبي فان اهل الذكر هم اهل البيت عليهم السلام (امير المؤمنين الامام علي عليه السلام). ويقول الثعلبي في كاشف البيان بنفس المعنى. حيث يقول امير المؤمنين الامام علي عليه السلام ان اهل الذكر هم اهل البيت عليهم السلام. وهذه هي كتب السلف التي تقر بالحقيقة. ولكننا للأسف رجعنا للكاذبين والجبت والطاغوت والخائنين والناكثين لنأخذ عنهم الدين وكان هذا هو حالنا. فأي ضنك اسوأ من حالنا الذين نعيشه الان وقد سلّط الله علينا القتلة والمجرمين ليحكمونا من القصور وهم من يحرقون القرى ويهجرون اهلها ويقصفون القرى بالطيران ويقتلون اهلها ويحولون الاقتصاد الى جيوب شلة مسلحة مجرمة من أولاد الحرام لا يقل اجرامهم عن اجرام جيش عبدالله بن ابي السرح الذي يترضى عنه الناس بالرغم من انه فرض على السودانيين اتفاقية البقط التي يعمل وفقا لروحها من هم في القصر الجمهوري الان. فاتفاقية البقط فرضت على السودانيين توريد الذهب والعبيد للذي يسمونه صحابي (عبدالله بن ابي السرح) وهذا هو فرد من صحابتهم الذين يترضون عليهم ليل نهار بعد ان رفضوا اختيار النبي ص واله لأهل البيت عليهم السلام لامته ليديروا شؤنهم. اليست الاجهزة العسكرية والامنية هي التي تتحكم الان على ثروات السودان من ذهب وغيرها وتهربها الى خارج السودان وتصب عوائدها في جيوبهم؟ اليس الاجهزة الامنية والعسكرية وتحت مظلة الكيزان والسلفية المنافقين (اتباع عبد الله بن ابي السرح) قد اجبروا الملايين من الشباب ليعبروا البحر المتوسط ليموتوا فيه او يذهبوا للاستعباد الرأسمالي الغربي في اوروبا؟ هل هذا يختلف عن المنظومة الاقتصادية التي فرضها عبدالله بن ابي السرح في اتفاقية البقط على السودانيين؟ فلماذا نلعن الكيزان وسلفيتهم وعسكرهم ولا نلعن عبدالله بن ابي السرح؟ ما هذه الازدواجية في التناول والجهل وفي الفهم والفقر العقلي والدين المزيف الذي يجعلنا كالحمير تحمل اسفارها ولا تفهمها؟ فكوارثنا الاقتصادية والصحية والسلوكية والاجتماعية هي من نتاجات انحرافنا عن الدين الاسلامي الاصيل وليس عن اي شيء اخر. لان الله تعالى قد قال “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” فنحن نكذِّب الكتاب المجيد والنبي ص واله الذي جاءنا ولكننا نصدِّق الكاذبين ولذلك تكون النتيجة الحتمية هي الحال الذي نحن فيه الان ولا خيار بديل من ذلك اذا لم نتمعن في قول الله تعالى “ولو”. فهل راجعنا ديننا الذي كان ينهق وينبح وينعق على منابره امثال عبدالحي يوسف ومحمد مصطفى وعصام البشير ومزل فقيري والجزولي وغيرهم ومازالوا؟ واذا لم نفعل ذلك فنبشركم بالأسوأ لانه لن يهندسوا غير الاسوأ للسودانيين كما فعل صحابتهم المنحرفين بالناس. ولن يكون نتاج ظلمهم سوى الاوبئة والامراض والابتلاءات الالهية للناس حتى يراجع الناس دينهم ويرجعوا لأهل الدين الحقيقيين من اهل البيت عليهم السلام. فالايديولوجيات هي التي تتحكم في الناس ولكننا تركنا ايديولوجيتنا الاسلامية العترية الاصيلة التي تربطنا بما اختاره الله تعالى ونبيه ص واله لنا واتبعنا الجبت والطاغوت اللذين اوصلانا الى سواحل التيه والضلال فبحثنا عن ايديولوجيات الاخرين كالعلمانية وغيرها وتقمصناها فاصبحنا كريشة تسقط من السماء فتتخطفها الطير او تهوي في مكان سحيق.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..