رياك مشار: بين نبوءة نقودينق ونبوءة السقا (3)

يخيل لي ان الرواي حامد الناظر لم يقرا كتاب انيس منصور (لعنة الفراعنة) .. او مر مرور الكرام وهو يقرأ سيرة الفاتح الاسباني ارنان كورتيس دون تمهل وروية .. فرواية نبوءة السقا تخلو تماما من وجود هرم كان سيلعب دورا فاعلا ويضفيء عليها نوع من الاثارة والتشويق والمتابعة .. كان يمكن ان يكون الهرم حارسا ووصيا على النبوءة ذاتها .. او ان يجعل الهرم أبو على الرجل الاكثر مقتا للاحفاد ان يفقد صوابه ..او يظلل محمود وهو يحمل سلاحه في وجه العدو الاثيوبي باحثا عن تاسيس وطن مفقود .. فالرواية ممتعة وسلسة لا انكار في ذلك.. والرواي يتلاعب بمفردات لغوية راقية وبطريقة ملفتة لم يسبقه اليها احد قط .. بينما اقرا الرواية كنت اقول لنفسي ينقصها هرم .. فالاهرامات دوما مرتبطة بالاساطير والعجائب والاسرار والنبوءات .. يقال عند وضع السجارة داخل الهرم لعدة أيام تفقد مادة النيكوتين وتكون غير ضارة بالمدخنين ويقال ويقال ويقال .. كما ان النبوءة الفرعونية القديمة على قبر توت عنخ تقول (سيذبح الموت بجناحيه كل من يحاول أن يبدد أمن وسلام مرقد الفراعنة) .. ومراقد الفراعنة هي الاهرامات .. هذه حقيقة فاللعنات طاردت كل من هز مضاجع الفراعنة .. هذا مات نتيجة مرض غير معروف وذاك اصابه مس .. ومدينة القاهرة انوارها تطفأ ـــــ دون معرفة السبب ــــ ساعة وفاة مكتشف قبر الفرعون الشاب ..
ارنان كورتيس الفاتح المغامر بعد بعد ان اخضع شعب الازتيك وعينه صوب كنوز مونتى زوما .. تختفي الكنوز الى الابد .. يقال ان هرم الازتيك هو الذي يحرسها ..
والتاريخ يحدثنا ان اول هرم شيد في شمال السودان 700سنة قبل الميلاد .. كما ان التاريخ يحدثنا ان العراف نقودينق بني اول واخر هرم في جنوب السودان قاطبة قبل اكثر 100 سنة .. هرما يدعم النبوءة ويؤسس لها .. لكن هرمه كان غريبا نوعا ما .. بل هو اغرب هرم في العالم .. وسر غرابته انه اول واخر هرم يبنى من الرماد.. نفس الرماد الذي يمسح افراد الجيش الابيض به اجسادهم العصية ..فالعصا المقدسة مصنوعة من جذور شجرة العرديب ومزينة باسلاك من النحاس استمدت عظمتها بطبيعة الحال من قوة تاثير هرم الرماد السحري .. .
هرم العراف نبودينق نفسه موضع خلاف ..بعضهم يقول ان الرماد نجم عن حرق مخلفات روث الابقار والبعض الاخر يقول رماد الهرم نتج عن حرق كميات هائلة من اسنان الفيل وبعض خشب الابنوس المخلوط بمواد متماسكة ..
حتى حجم الهرم به اراء متباينة واسئلة تحتاج الى تمحيص واجابة .. هل تسنده ثلاثة حواف ام اربعة .. وهل شكله مخروطي منساب ام غير ذلك .. الحقيقة ان سر العراف محفوظ داخل الهرم ربما لم يكن اختيار الرماد عبثا واعتباطا .. هناك مرامي لم يعرفها احد سوي العراف وابنه المقاتل او صديقه المختار (يوي) ..
الحقيقة التى خارج اطار النكران ان الهرم الان غير موجود تلا شي وذهب هل اذابته الامطار .. ام ان الانجليز تخلصوا منة .. اسوة بالعصا والنقارة والكدوس ..
في العام 1991 كانت غيوم النبوءة تظلل القتال المحتدم بين (مجموعة الناصر) وبين (مجموعة توريت) هذه الحرب عرفت فيما بعد بـ (حرب إيما) نسبة الى الانجليزية ايما زوجة رياك مشار الثانية التى توفيث عام 1993م بحادث سير في مدينة نيروبي .. حيث ان مجموعة الناصر رأت ان الاوان حان لادراج فصل الجنوب عن الشمال في قمة المنفستو وضمن المسائل الملحة والمستعجلة .. وان القتال من اجل سودان جديد واحد مضيعة للزمن والمقدرة والجهد ..
على راس مجموعة الناصر يقف رياك مشار مسنودا بنبوءة العراف نقودينق ( في اليوم الاول من الشهر الاول يخرج الرجل الابيض مترجلا الى بلاده الباردة .. ليترك الرجل الاغبش القادم من الصحراء متسيدا وحاكما علي البلاد .. يطأ الرجل الاغبش بقدمه الحادة على رقبة الرجل الاسود الذي ينتفض مثل المرفعين .. ويرفع السلاح ويقاتل .. بحور من الدماء المسكوبة تسيل .. بعدها ياتي سلام صغير يعقبه سلام كبير يقوده الرجل الاصلع ثم تقام الاعراس من نمولي الى الرنك ويطردالرجل الاغبش الى بلاده الحارة الى الابد ) ..
حرب ايما وضعت حدا فاصلا بين الدعوة السرية للانفصال وبين الدعوة الجهرية له .. كانت (مجموعة الناصر) تري ان الاوان حان بارساء دعائم النبوءة على ارض الواقع .. خاصة الشق الخاص بالانفصال (تقام الاعراس من نمولي الى الرنك ويُطردالرجل الاغبش الى بلاده الحارة الى الابد ) ..
في عام 1997 وقعت اتفاقية الخرطوم للسلام .. وهي اول اتفاقية تقنن للانفصال .. وتجعله ظرفا سياسيا معترف فيه .. ربما اعتقد وقتها رياك مشار ان هذه الاتفاقية هي المعنية بالسلام الكبير الوارد في النبوءة (بعدها ياتي سلام صغير يعقبه سلام كبير) ..
فالنبوة تقول ان احد ابناء النوير سيعتلى سدة الحكم في الجنوب واوصاف النبوة تذهب الى رياك مشار وحدد علاماته بان صاحب فلجة واشول واحور وليس لديه شلوخ .. فرياك مشار يدرك ان اعتلاءه لمنصب الرئيس في ظل السودان القديم من رابع المستحيلات .. لكن ان وصوله الى الرئاسة في حالةصيرورة الجنوب لدولة اقرب وايسر .. من هنا بدا مشروع الانفصال .. ففكرة الانفصال الاولي نبعت من نبوءة العراف نقودينق الذي مهد لقيام دولة الجنوب باكثر من قرن من الزمان ..
نشير هنا ان العراف نقودينق يعتبر ثيودور هرتزل الجنوب دون منازع .. فهو اول من وضع اللبنة الاولي لفكرة قيام دولة جنوب السودان .. هذه اللبنة تلقفها رياك مشار وفرض شروطها في اتفاقية الخرطوم للسلام 1997م .. ثم مررها لجون قرنق في اتفاقية نيفاشا 2005م .. يتبع

النذير زيدان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..