الفن الصخري في السودان القديم

محمد السيد علي

يعتبر الفن الصخري واحدا من المصادر الهامة لتاريخ البشر في مرحلة ما قبل الكتابة ، حيث عمد الإنسان في تلك العصور إلى تصوير ما حوله من مشاهد حياتية وما يدور في بيئته ، من حيوانات ، طيور ، أشجار وبشر وغيره ، وذلك من خلال الرسم ، النقش ، أو الحفر على الصخور ، ويلاحظ أن هذا الفن يتواجد حيثما توفرت معيناته من الصخور ، الجبال ، الكهوف ، المغارات والوديان . مع أن الفن الصخري شكل حضورا في العديد من أنحاء العالم ، إلا أن أفريقيا ظلت أكثر البؤر إستقطابا لهذا الفن والسودان في هذا ليس إستثناء .

يوجد في السودان العديد من المواقع التي عرفت هذا النمط من الفن ، غير أن هناك موقعين إستأثرا بالأضواء وأستحقا الإهتمام . أولهما هو موقع سبو جدي الذي يقع عند الشلال الثالث بين قريتي (سبو) و (جدي) ، ويحتوي على أكثر من (1600) رسمة لحيوانات ، مشاهد من الحياة اليومية وتفاصيل لمناسبات ، في فترات تاريخية مختلفة تمتد لأكثر من (6000) عام ، منذ العصر الحجري الحديث إلى عصور مختلفة من الحضارة النوبية . مع أنّ هذه الرسوم لم تحظى في البداية بالإهتمام المطلوب ، إلا أنها وجدت ما تستحقه بعد ذلك فبفضل الجهود التي بذلها المهتمون بقيادة البروف على عثمان محمد صالح ، تم إدراج الموقع في قائمة المراقبة التابع للصندوق العالمي للآثار عام 2016 وهي القائمة التي تضم (50) معلما أثريا دوليا ، تحتاج إلى الإهتمام والترويج لها .

أما الموقع الثاني وإن جاء إكتشافه مؤخرا ، إلا أنه الأكثر أهمية وإثارة ، إذ إكتشف فريق بولندي يعنى بعصور ما قبل التاريخ والحضارات الأفريقية القديمة ، موقعين في منطقة (بير نورايت) عند جبال الأحمر شمال شرق البلاد وذلك بعد عمل إستكشافي لمدة ثلاثة سنوات ، وبفضل المعلومات التي تحصلت عليها البعثة من قبائل البجا ، تم إكتشاف موقعين غير معروفين من قبل هما الأكثر ثراء في الفن الصخري في أفريقيا ، إذ عثر على الالاف الصور التي تصور المواشي ، الإبل ، الحيوانات البرية والبشر التي تعود في تاريخها إلى عصور سحيقة (الصورة) ويري رئيس البعثة أن هذه المساحة التي تمتد من الصحراء الشرقية السودانية وجبال الأحمر حتى الحدود المصرية ، ذات أهمية أثرية غير أنها لم تحظى بالإستكشاف من قبل البعثات الأثرية ، فيما يرى أحد أعضاء البعثة بأن الصور تبين إلى أي مدى كات الوديان والهضاب الواسعة توفر مراعيا غنية لمربي المواشي ، غير أن تغير المناخ الذي أصبح اليوم جافا للغاية ، فرّض أن يكون الرعي للإبل هو فقط المتاح .

في المقابل فإن الإفارقة عملوا أيضا من جانبهم على الإهتمام بهذا الفن ، فأنشاوا منظمة طوعية تدعى (تارا) ومقرها في نيروبي ، تودع فيها الوثائق وضمانات اللوحات الصخرية القديمة والنقوش الأفريقية ، مما يعني إحساس الأفارقة بأهمية هذا الفن ، ومن قبل قال (مانديلا) : الفن الصخري لأفريقيا هو التراث المشترك لجميع الأفارقة ، لكنه أكثر من ذلك ، هو التراث المشترك للإنسانية .

محمد السيد علي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..