نقد ايدلوجيا الجدود

نقد أيدلوجيا الاجــــداد

ناجى الطيب بابكر
[email][email protected][/email]

قد يكون من القصور فى التفكير بمكان ان ننظر لذهاب جنوب السودان نحو الانفصال بعين السياسه وأخفاقاتها فقط بعيدا من ان نصتصحب معنا تصورات المجتمع السودانى المتوارثه جيلا بعد جيل للآخر المختلف فى اللون والتى خلقت نوعا من الاحتقان الاجتماعى فلم تساعد فى مد جسور التواصل والتعايش داخل مجتمع واحد يحترم تعدده وتنوعه الاثنى وقد عبرت هذه الثقافات المتراكمه داخل المجتمع عن هذا الاحتقان بكثير من مفردات العنف اللفظى بين الطرفين
العبد , الحر , ود البلد , الاغلف , المندكورو , الجلابى ….. الخ
وكذلك مجموع من الامثال العاميه الخارجه من رحم هذه الثقافات تنحو فى ذات الاتجاه الذى لا يتقبل الاخر …
سجم الحله الدليلا عبد , ….. الخ
والامر الذى يبعث الدهشه والحيره فى آن واحد كون كل تلك المفاهيم المنغلقه تجاه الآخر بدواعى اللون والعرق ظهرت مع بدايه توحد وظهور القوميه السودانيه بشكلها الحديث فى الدوله المهديه وتحديدا فى فتره عبدالله التعايشى وما صاحبها من صراعات وتكمن الحيره فى ان هذا الصراع داخل المجتمع فى سياق تلك الفتره التاريخيه مبرر بحسابات ان الرق كان متداولا حينها كعرف سائد على مستوى العالم لم تتجاوزه الاخلاق البشريه بعد فكان من الطبيعى أن تنشأ هذه الثقافه المضهده للآخر ولكن ان يستمر هذا الاحتقان ويتواصل لقرن كامل من الزمان على أساس تصورات صارت بمثابه مسلمات تم انتاجها من قبل الجدود فى ظرف تاريخى معين موغل فى القدم لتصبح بوصله مقدسه تحدد خط سير العلاقه مع الاخر المختلف فى اللون هو الامر المحير ان تتواصل ذات النظره التى ينظر بها الجدود للاخر المختلف فى اللون رغما من ان تلك النظره المعيبه للاخر تم انتاجها فى ظروف تاريخيه معينه كان فيها الرق يلقى بظلاله على المجتمع وكان المجتمع ذاته يرضخ لقيود قبليه معقده وعلاقات مختله فيما بينه .
وصايا الجدود او تركتهم المثقله التى قصمت ظهر الدوله السودانيه الى نصفين متعدده وتغوص لتشمل الكثير من العادات والتقاليد والمفاهيم ساقت بكل سهوله ويسر لأن نصبح من اكثر الدول الفاشله فى العالم فلا أحد يقف ليسأل نفسه لماذا كل هذا التعقيد والبذخ رغم أنف الوضع الاقتصادى الملازم لطقس الزواج مثلا
( سد مال , شيله , قطع رحط , …. الخ ) وكل الشعوب من حولنا لا تفعل مثلنا رغما عن اوضاعها الاقتصاديه الجيده قياسا بوضعنا . لا أحد يسأل لأن الجدود فقط كان يتزوجون هكذا.
طقوس الحداد والموت ايضا يتفرد فيها مجتمعنا عما سواه من المجتمعات فى جانب اطاله فتره الحداد . قد لا نلوم الجدود فى مبالغتهم فى مظاهر الاحتفاء بالزواج ومراسيم الحداد فى ذاك الزمن الذى كانت عجلته تدور ببطء ونمط الحياه فيه ساهل بحيث تقل فيه الاحداث وتكثر فيه الرتابه فيحتفون فيه بكل حدث عابر بطريقتهم المطوله تلك ولكن ما بالنا اليوم نصر على ان نقتفى اثارهم فى الاحتفاء المطول فى زمن تغيرت وتبدلت فيه كل الاشياء من حولنا .
النظره للمرآه لم تتغير ولم تختلف كثيرا من جيل لآخر فلا يدعو للعجب بتاتا ان تجد فرد من مجتمعنا فى عصر العولمه يحمل ذات نظره جده الرابع فى خمسينيات القرن المنصرم بخصوص تعليم المرآه وملازمتها دارها ويدافع عن موقفه هذا بنفس كتالوج الشرف الذى صنعه الجدود للأنثى السودانيه .

وبدون شك تتعدد الامثله ووتنوع التى تصف كل تلك .. المسلمات البديهيه .. التى توصل اليها الجدود وحدهم وصارت اطارا عاما للمجتمع السودانى وقد لا يسع هنا المجال لعرضها بالشكل الكافى لكن المهم هنا ملاحظه ان كل تلك ( المسلمات والبديهيات ) المتوارثه فى المجتمع السودانى والتى صارت أطار عاما له صنعها اجدادنا وفقا لتصوارات معرفيه محدوده جدا فالمعرفه الانسانيه عموما تتسع وتكبر كل ما تقدم هذا العالم عاما للأمام فليس من المنطق فى شئ ان نحتكم لذات الاعراف والتقاليد بعينها التى كان يحتكم عليها جدودنا قبل عشرات السنين دون مرعاه لعامل السنين والانفتاح على العالم وتجربه الشعوب من حولنا . والسبب الثانى الذى يفسر محدوديه تلك التصورات كون الجدود كانوا خاضعين لقوى أجتماعيه معينه ساهمت فيها التركيبه القبليه ( زعيم القبيله , الفكى ) ولا ننسى فى تلك الفتره ان نمط الحياه الذى كان سائدا هو النمط الرعوى فالمدن لم تتشكل بطبيعتها الحاليه ومعروف ان الرعاه بطبيعه المهنه أسرى لواقع اجتماعى معين .
ونجد فى اول أحصاء رسمى فى الدوله السودانيه عام 1953 ان عدد سكان المدن فقط كان يمثل 6 % من تعداد السودان وهذا يوضح بجلاء ان معظم التقاليد والاعراف تمت ولادتها فى الريف السودانى الشاسع ولم تخرج من كنف مراكز حضاريه ذابت وأنصهرت فيها الاعراق والاجناس
ونلاحظ أيضا ان المجتمع السودانى على مر تاريخ تكوينه لم تتشكل فيه طبقات أقطاعيه بالمعنى الكلاسيكى للأقطاع كما حدث فى اوربا وبعض بلدان العالم التى كان فيها لطبقات الاقطاع قصب السبق فى ارساء دعائم واعراف وتقاليد المجتمع بحكم تعليمها وتطورها على باقى الطبقات .
أذن كل هذه الموروثات من عادات وتقاليد وتصورات لشكل العلاقه مع الاخر التى تم أنتاجها فى ظروف تاريخيه معينه صارت بمثابه ايدلوجيا ثابته تتناقل فى هذا المجتمع جيلا بعد جيل فتحدد بصرامه مطلقه كل نسق وأفق الحياه داخل المجتمع السودانى .
فبعد تجربه الانفصال المريره للجنوب والفشل المريع للدوله السودانيه والتشظيات الجهويه التى تحمل فى طياتها النذر باحتمالات واسعه لانفصالات قادمه لاجزاء اخرى من هذا الوطن لابد من أعمال النقد الجاد لأيدلوجيا الجدود على كل المحاور على مستوى المجتمع وفتح مسارات لحوار حقيقى يتلمس كل الجروح الغائره فى جسد هذا المجتمع .

تعليق واحد

  1. نظرية قبائل الاشراف وحكايات الشعب العربى الكريم وما ذكرتة من مواقف قبل وما بعد الاستقلال هى امراض وتحولت لذهنية لدى الاجيال الملتزمة بدلوجيا جدودنا زمان مازالوا يعيشون داخل الماضى الزمانى ولذلك لم تتوفر لدى هذا الطرف الاخر الشجاعة والقدرة على تقديم نقد مباشر لحكاية تصورات ووصايا الجدود الذى قاد الى انفصال الجنوب وبروز جنوب جديد يتاهل لدورى الانفصال الثانى ، وعلى العموم نامل ان يكون هناك حوار يجمع كل الكائنات المدنية لحوار متمدن يفضى على مفاهيم قبول الاخر بلونه ودينه واى بكل حاجاتة

  2. مع انتشار اﻷميّة اﻷبجديّة فى السّودان، إﻻّ أنّ التّعليم المنهجى المُنظّم لم يكن ليكفى أبداً لتغيير أنماط التّفكير والتّراكيب العقليّة المتوارثة عبر القرون، ولذلك نجد الكثيرين ممّن نالوا حظّاً وافراً من هذا التّعليم، يتصّرفون بشكلٍ تغلب عليه البداوة، ومنهم من يتواجد على قمّة الهرم المُجتمعى من حيث المُسمّى الوظيفى.

    التّعامل مع “المسلمات البديهيه”، والتى “من فرط بداهتها احتجبت” على حدّ قول أحد المُفكّرين، وأصبحت بمنأى عن التّشكيك والتّساؤل، يتطلّب أوّل ما يتطلّب نقداً للذّات على مستوى الفرد، والإنتباه ﻵليّات العقل اللّاملحوظ التى بها تتحوّل اﻷفكار -بما فيها اﻷفكار حول اﻵخر المُغاير- إلى “ثوابت”و”مُعتقدات”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..