مقالات سياسية

الحـرب كارثـة مـاحقة للشـمال قـبل الجنـوب.اا

الحـرب كارثـة مـاحقة للشـمال قـبل الجنـوب../

د. ابومحــمد ابوامــنة
[email protected]

مما لا خلاف عليه الآن ان الانفصال صار امرا واقعا, واي تشبث للحفاظ علي وحدة السودان صار مضيعة للوقت, فقد تراكمت اسباب الداعية للانفصال عبر الدهور, ولا يمكن تفاديها خلال بضعة سنين كما اشتهت اتفاقية نيفاشا.

لابد من الاعتراف باخطائنا التاريخية تجاه اخواننا الجنوبيين. وللحقيقة والتاريخ كانت تجارة الرقيق تمارس بشكل واسع عبر قرون طويلة, وخاصة خلال الحكم التركي والمهدية, وجاء المستعمر الاوروبي والغي هذه النوع المذل من التجارة. الا انها تركت اثرا لا يمكن نكرانه علي نفسية السودانيين, فقد نظر الشماليون عبر التاريخ لاخوتهم في الجنوب كعبيد, وتملكهم شعور الاستعلائية, بينما تعقد الاخوة في الجنوب من هذه النظرة وتملكهم شعور النفور والريبة من اخوتهم في الشمال. ان ممارسة تلك التجارة تعد وصمة عار في تاريخ العلاقات بين الاخوين.

لقد تعمق هذا الشعور بين الطرفين عبر التاريخ وانعدم شعور التوحد والاخاء والانسجام بين الطرفين, وانعدمت العلاقة الاجتماعية حتي اليوم. وحتي في المدن الكبيرة تشعر بان للجنوبيين وللشماليين اجتماعياتهم الخاصة, واماكن السكن الخاصة, الشماليون في المخطط من المدن والجنوبيون في العشوائي علي اطراف المدن, حيث لا خدمات من تعليم وصحة بيئة وكهرباء وماء. يكفي ان تنظر وتري انعدام التزاوج بين الشماليين والجنوبيين, وان كانت هناك استثناءات, وخاصة لن تجد جنوبيا, مسيحيا كان ام مسلما, يتزوج من شمالية, رغم الكلمات الجميلة التي يطلقها السياسيون الشماليون بوحدة القطر والاخاء والانتماء.

في السودان البلد القطر تعيش القوميات اجتماعيا منفصلة عن بعضها البعض. والهوية معدومة.

بعد الاستقلال منع الجنوبيون من تحقيق حلمهم في حكم فيدرالي يحافظ علي خصوصيتهم وبالتالي علي وحدة القطر. التزمت الاحزاب الشمالية بتحقيق حلمهم في حالة تصويت النواب الجنوبيون في اول برلمان لصالح الاستقلال. عندما تحقق الاستقلال تنكرت الحكومات المتتالية لتلك الوعود.

لم تقف تلك الحكومات عند هذا الحد, بل انها شنت حروبا شرسة عبر السنين الطوال لفرض الوحدة الاجبارية, دكت خلالها المدن والقري, سفكت دماء الابرياء, وخربت ما كان هناك من بنية تحتية, وجعلت الحياة هناك جحيما, ففر من فر, وهلك من هلك, وهاجر من هاجر. لقد جعلت من الجنوب خرابا.

لقد بلغ عدد الشهداء من الجنوبيين حوالي الاربعة ملايين. وتحول كل الجنوب الي ميدان حرب. الا ان حكومات الشمال رغم ذلك فشلت في تحقيق هدفها في فرض الوحدة الاجبارية. واجبرت علي التوقيع علي اتفاقية نيفاشا عام 2005 ـ

جاءت الاتفاقية نتيجة لنضال شرس شنه الجنوبيون وقدموا فيه تضحيات ضخمة لا يمكن تصورها, وظنوا ان حلمهم في بناء السودان الجديد قد تحقق.

لكن الراسمالية الانقاذية كانت بالرصاد. لقد افلحت من افراغ الاتفاقية من كل ايجابياتها, وبدلا ان تكون مدعاة لسودان ديموقراطي موحد, صارت مدعاة للانفصال والمواجهة وضياع وحدة القطر.

الزمت حكومة الخرطوم في نيفاشا بتحقيق الديموقراطية, واحترام حقوق الانسان كما جاءت في المواثيق الدولية, وبالتحول الديموقراطي وبالحكومة القومية, وباشراك الجنوبيين في السلطة المركزية واقتسام الثروة. الا ان الانقاذ افرغت الاتفاقية من كل ايجابياتها.
التحول الديموقراطي لم يتم. بل اكتسبت القبضة الحديدية الانقاذية علي الاوضاع الشرعية القانونية والدولية.

الجنوبيون الذين تم تعيينهم في مواقع المسئولية في قمة الهرم شعروا من اول وهلة انهم مجرد اشكال ديكورية, لا نفوذ لها ولا سلطان, وان الانقاذ تدير الاعمال من خلفهم بواسطة ناسها المخلصين.
الا يخلق هذا مرارة؟ـ

وعدت الانقاذ بتقاسم موارد البترول, لكن الانقاذ دست الموارد واعطت الجنوب جزءا بسيطا من استحقاقاته؟
الا يخلق هذا مرارة؟

سعت الانقاذ لخلخة الاوضاع في الجنوب بدعم المليشيات القبلية وجيش الرب. وسعت لاغتيال القيادات البارزة في الحركة, عرمان كمثال, واعتقلت قيادات برلمانية بارزة وعاملتهم كمجرد مجرمين عاديين رغم تمتع هؤلاء بالحصانة البرلمانية, بقان كمثال.
الا يخلق هذا مرارة؟
وعدت الانقاذ بالتنمية وبناء البنية التحتية وجعل الوحدة جاذبة, لم يتحقق هذا ايضا. بل تواصل بث الاناشيد الجهادية الاستعلائية وتنشيط التجنيد الاجباري, وبث روح الكراهية والنفور في وسائل الاعلام المختلفة والهجوم علي القيادات الجنوبية البارزة كما في أغلب الصحف الانقاذية.
الا يخلق هذا مرارة؟
منعت الجنوبيين في الشمال من ممارسة طقوسهم التقليدية في الاكل والشراب والزواج واللبس واوستعتهم جلدا وملاحقات وسجونا وغرامات وكشات.
الا يخلق هذا مرارة؟

كلما اقترب موعد الاستفتاء, كلما ازدادت الانقاذ تشنجا. فأخذت تستورد المزيد والمزيد من الاسلحة الصينية, وتبعث بجيشها علي طول الحدود الفاصلة, وتستعد لاحتلال ابار البترول, وتسعي لنشر الفتن بين القبائل الحدودية, بل بين قبائل الجنوب المختلفة وبين قيادات الحركة الشعبية ذاتها. جهزت المليشيات القبلية. لقد سممت الاجواء وشمرت عن سواعدها.

ان الحرب التي تتجهز الانقاذ لشنها ستكون كارثة ماحقة للشمال قبل الجنوب, فالجيش لن يكون مستعدا لخوض الحروب من اجل عيون رجال الانقاذ, فقد قدم الكثير من التضحيات وفقد الكثير من الرجال وخاض الكثير من المواجهات دون جدوي. لقد فقد الثقة بنفسه. لقد دمرت الانقاذ الجيش.
واهل الهامش من الغرب والجنوب كانوا يشكلون اغلبية جنوده, واهل الهامش دخلهم الوعي, وعرفوا حقوقهم ولن يخوضوا معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل. حركة العدل والمساواة بذراعها الطويلة والاحداث الاخيرة في دار فور تبرهن ان الجيش ليس آلة تحركها الانقاذ كما تشاء. ان الجيش ربما يشكل خطورة للمؤتمر الوطني ذاته, ان حاول هذا دفعه لمغامرة جديدة في الجنوب.

ثم ان امريكا لن تقف متفرجة هذه المرة, فربما وجهت صواريخها لقلب الخوطوم كما تدل كل المؤشرات.

بدلا من مواجهات مدمرة يجب علينا ان نقعد ونتفاكر لايجاد حلول لهذه المشاكل. فكونوا معنا

ونواصل

تعليق واحد

  1. ما اورده الكاتب ينبغي ان يكون وثيقة اعتراف واعتذار يبصم عليها كل الشماليين وتقدم للاخوة الجنوبيين وان كانت متاخرة. هذا النهج الصريح من الكتابات من انجع الوسائل لترميم ورتق النسيج الاجتماعي. احيي الكاتب واسال الله ان يزيدنا من امثاله.:lool: :lool: :lool: :lool: :lool:

  2. فى رد على مقال الدكتور أبو محمد أبو آمنة المنشور على صفحات الراكوبة بعنوان "الحرب كارثة الشمال قبل الجنوب"

    أقول وبالله التوفيق.!

    من أين أتت فكرة الإنفصال والإستفتاء وتقرير المصير ونذر الحرب والخراب والدمار؟؟ السؤال موجه للدكتور وللحركة الشعبية ولدعاة الإنفصال سراً وجهراً علماً بأن

    كل القرائن وواقع الحال يدل على أن الجنوب ظل جنوباً واحداً منذ الإستقلال وحتى قبيل الإنفصال لأنه كان كتلة واحدة فى الوطن الكبير، ولو كنت تقرأ خارطة الجنوب وتكوينها الإثني والعرقى والقبلي فسوف تعلم أن الذى كان يوحد الجنوب هو السودان الكبير فإذا ما وقع الفاس فى الرأس وأنسكب الحليب كما يقولون هذه الأيام تارة والوحدة الجاذبة تارةأخرى، فسوف يتم بهذا الإنفصال تطبيق نظرية "الحشاش يملأ شبكتو" وما يدور فى الجنوب الآن هو إلا ما نراه من جبل الجليد الغاطس وتايتنك أخرى يقودها ربابنة من على البعد بالريموت كنترول، وربنا يستر.
    أما بعبع أمريكا والتى لن تقف متفرجة والتى ستوجه صواريخها للخرطوم هى من باب "دق القراف خلي الجمل يخاف" وإن كنت لا أستبعد فى قانون الغاب الذى يتحكم فى العالم والذى يقلب الموازين مثل هذه الخطوة إلا أن وقع الإستكانة بالرضوخ للضغوط والقبول بالأمر الواقع لن تجعل منا سوى قطيع يأكل ويشرب كما تأكل السوام وأهلاً بالصواريخ والغارات والحظر مع الإحتفاظ بالكرامة لنصحبها معنا إلى القبر ولئن كان لا بد من الموت فمن العجز أن تموت جباناً.
    يقول الله سبحانه وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم
    (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
    كل ما ذكرته عن العلاقة بين الجنوبيين والشماليين يفتقر إلى المصداقية وربما لا تعلم أن الشماليين فى الجنوب هم الذين إحتضنوا إخوانهم وأبنائهم فى الجنوب من إيواء وكسوة وطعام وتعليم ويمكنك أن تلاحظ ذلك فى اللغة العربية التىيتحدثها إخواننا وبطلاقة ، إن ما تقوله عن العبودية هو ذلك الذى كان يمارسه المستعمر الذى أحرق الملابس الأفرنجية "بناطلين وقمصان" لشخصية جنوبية مرموقة عند إلتحاقه ببلدية ملكال لحضوره للمكتب ببنطلون وقميص وتم الحرق فى حرم البلدية وبحضور جميع الموظفين ولو كان لديك إلمام بشئون البلاد لعرفت إسمه فهو من ألمع الشخصيات الجنوبية
    هذه واحدة والأخرى هى ذلك البلك فى الجيش الذى كان يعرف بـ "بلك حفيان" وهم جنود جنوبيون منتظمون فى الجيش السوداني ولكن كان محرماً عليهم لبس الأحذية وأظن أنه قد نما إلى علمك هذه الحقائق الموثقة والمتناقلة بين أهلنا فى السودان هذا بالإضافة إلى العزل الذى مارسه المستعمر على أهلنا فى الجنوب بسياسة الأرض المقفولة والأرض هنا هى جنوب السودان بصفة عامة والمحرم على المسلمين والعرب دخولها إلا بإذن خاص مع تكثيف التبشير المسيحي ووقف التعليم على الكنائس والتركيز على أن تجعل من المواطن الشمالي "مندكورو" ينظر إليه الجنوبيون كتاجر رقيق بينما يعلم الجميع أن الرق كان من أحد الأسباب التى دفعت مصر وتركيا ومن بعدها الإمبراطورية البريطانية لغزو السودان وإستعماره.

    لا حدود للتنازلات أمريكا لأنها محكومة بمصالحها وليس هنالك أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون ولن ترضى عنك أمريكا حتى ولو إتبعت ملتها !!!!!!!

    ولك التحية وللوطن العزاء!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..