أحمد حلمي ينتصر على أحمد مكي..«إكس لارج» خلف الجسد السمين تكمن المشاعر الثمينة

إنه فيلم مختلف على خريطة السينما المصرية، حيث إننا نشاهد بطلا آخر في ملامحه غير النجم الذي دفعنا من أجله تذكرة الدخول إلى دار العرض، وعلى الرغم من ذلك، فسوف تفتقد هذا البطل الجديد عندما يختفي في الدقائق الأخيرة من فيلم «إكس لارج»!! حقق الفيلم الإيرادات الأعلى في مارثون أفلام عيد الأضحى، مالت الكفة الرقمية لصالح «أحمد حلمي» متجاوزة منافسه التقليدي «أحمد مكي»، الذي يعرض له فيلم «سينما على بابا»، والفارق ليس في جاذبية النجمين بقدر ما يعبر عن الفارق والتباين الفني في مستوى الفيلمين.

لا شك أن الترقب كان كبيرا بين المخرج «شريف عرفة» ونجم الإيرادات الأول في السينما المصرية «أحمد حلمي».. «شريف عرفة» واحد من أهم العلامات المضيئة في السينما المصرية، فهو ينتمي إلى جيل الثمانينات، وله مشوار فني استثنائي على خريطة «عادل إمام» في تلك الأفلام التي جمعته أيضا مع الكاتب «وحيد حامد».. أما بصمة «شريف» مع وعلى نجوم هذا الجيل فلا يمكنك إلا أن تراها واضحة مع كل من «علاء»، «هنيدي»، «السقا»، «كريم» حتى قبل تفجر نجومية «سعد» و«حلمي» كان «شريف» قد وضع كل منهما على بداية الطريق في أفلام لعب بطولتها «علاء ولي الدين».

استطاع «أحمد حلمي» أن يصعد إلى قمة الإيرادات، واعتلى العرش في دنيا الأرقام قبل نحو خمس سنوات ولا يزال هو الأول.. لا شك أن «حلمي» فنان مغامر بداخله تلك الروح التي تبحث دائما عن الجديد، لا يرتكن عادة لما هو مضمون في شباك التذاكر، ولكنه يحاول أن يبحث عن الممثل في أعماقه، وفي بحثه الدائم قد يخطئ في الاختيار مثلما حدث مع آخر أفلامه «بلبل حيران»، وقد يذهب إلى آفاق إبداعية أكثر رحابة، مثل فيلمه الأهم «عسل أسود» الذي حقق رقما قياسيا في الإيرادات ولا يزال يحتل القمة الرقمية حتى الآن في تاريخ السينما المصرية، حيث ارتفع إلى قرابة 6 ملايين دولار.. إلا أنه، وهذا هو الحد الأدنى، دائما ما يحاول أن يقفز على القيد الذي يفرضه عادة على النجوم شباك التذاكر فيقف حائلا دون الإقدام على المغامرة الفنية.

هذه المرة في «إكس لارج» يضحي فنان الكوميديا بأعز ما يملك وهو ملامحه، إنها رأسمال الفنان، إلا أن «حلمي» وبمهارة فائقة ارتدى قناعا على الوجه والجسد وحتى أصابع اليدين لنرى أمامنا شخصية درامية أخرى هي التي تتقمص وهي التي تعبر وتتوحد، فتمتزج أحاسيسه مع تلك الشخصية.. إنه الشاب السمين فنان الكاريكاتير الذي يعمل في إحدى الصحف المستقلة بعد أن أصبحت السمنة تشكل بالنسبة له حاجزا يمنعه من التواصل العاطفي مع شريكة حياته التي لم يعثر عليها بعد، وفي نفس الوقت يتوق إليها..

حالة السمنة المفرطة التي يعاني منها البطل كان لها وجه إيجابي، فلقد حققت له مساحات من الثقة مع الدائرة القريبة له خاصة من النساء اللاتي بتن يشعرن بارتياح إليه، فيبحن له بأدق أسرارهن العاطفية.. إنه يبدو ملمحا إيجابيا لو كنت تبحث عن معنى العطاء فهو نبع من العطاء، ولكن الجانب الآخر لتلك الصورة هو أنه لا يمتلك جاذبية ليصبح هو فتى أحلام أي فتاة لترى فيه شريك المستقبل، فهو يحتل عن جدارة مرتبة الصديق الوفي، ولكن ليس هذا هو ما يحمله الفيلم من قيمة فكرية، إنه يتناول قيمة التحدي؛ كيف للإنسان أن يخترق القيود المفروضة عليه، أو التي يتصور أنها كذلك، لينطلق إلى آفاق أرحب.

بحالة من الألق الإبداعي يقدم لنا «شريف عرفة» لقطات التعارف مع القانون الفني للفيلم، إنه مفتاح فك الشفرة بين المتفرج والعمل الفني، حيث يمزج بين ملامح البطل الذي يفتح قلبه على مصراعيه لكل الأصدقاء ويجزل لهم النصيحة المخلصة بصدق ونهم، في نفس الوقت الذي يقبل فيه على تعاطي الأكل بنفس الحالة من النهم والصدق، فهو مشاعر دافئة مقبلة على العالم وفم يلتهم كل ما هو ممكن في هذا العالم.

لجأ المخرج إلى القطع المتوازي بين قضمة الساندويتش والمكالمة التي يتلقاها أو يجريها، فهو يبدو وكأنه خلق لكي يأكل، لتتراكم على جسده أطنان من الدهون، ولكنه في نفس الوقت متصالح مع نفسه.. هو فقط يبحث عن شريكة حياته التي لا يعوق مشاعرها ترهله الجسدي لتنظر إلى ما هو أبعد من ملامحه.. ونرى خيطا دراميا أراه أهم ما عثر عليه مؤلف الفيلم الشاعر والكاتب «أيمن بهجت قمر» إنه في تلك العلاقة الخاصة التي تجمع بين «إبراهيم نصر» الذي يؤدي دور الخال، فهو يلعب دور الأب البديل طبقا للمفهوم الشعبي المتعارف عليه في مصر «الخال والد».. إنه الرجل الذي أحيل للمعاش ليس له إلا ابن شقيقته، ولا يفعل شيئا سوى أن يكتب زجلا ركيكا في كل مناسبة يرحل فيها أحد زملائه القدامى أو يرحل أحد يقترب منهم بصلة قربى.. إنه يبدو وحيدا في هذه الحياة لا يجمعه بها سوى هذا الشاب والذي يتمنى أيضا أن يصبح على نفس موجته الشخصية فقط يريد من ابن شقيقته أن لا يمضي به سريعا قطار العمر ويكتشف أنه يكمل حياته وحيدا، يريده أن يتزوج ليحقق حلمه المجهض!! فنان الكاريكاتير بداخل بطل الفيلم لا يتوقف عن الإبداع، كل شيء يحيله إلى عمل فني يرسمه بإحساس عال.. ومن اللمحات التي قدمها بذكاء الطقس الرمضاني الذي عاشه البطل عندما تعرف على «دنيا سمير غانم» التي يعثر عليها عن طريق «فيس بوك». إنها فتاة أحلامه في الطفولة ووجدها بالصدفة عبر النت فقرر أن لا يترك الفرصة تهرب منه، ولهذا قدم نفسه باعتباره صديق البطل الذي يستقبلها في المطار، وتأتي اللمحة الرمضانية بتلك الخصوصية عندما قررت أن تسافر للشرقية لتقديم واجب العزاء اصطحبها معه ووجدها فرصة لكي يفطر مستندا إلى أنه طبقا للشرع على سفر، وينظر إليه البائع شذرا وهو يشتري كل هذه الكميات من الأطعمة وتتهمه النظرة بأنه مفطر.. في هذه اللحظة ينتحل شخصية مسيحي من خلال إجراء مكالمة وهمية يطلق على نفسه فيها اسما لا يحتمل سوى أن يكون صاحبه مسيحيا، وهنا نرى التسامح على وجه البائع فتتبدل النظرة!! من اللمحات أيضا التي قدمها السيناريو بخفة ظل خوف البطل في اللقاء من أن يصدم «دنيا سمير غانم»، ولهذا يحاول أن يضع – كورسيه – يخفي ترهله الشديد في منطقة البطن ولكن حتى الكورسيه يتمرد عليه فلا يجد أمامه سوى أن يتوارى ليصبح واحدا آخر يقدم نفسه باعتباره الشخص الآخر الصديق..

لا شك أن الأمر كان يبدو صعبا على مستوى البناء الدرامي، كيف تستطيع على مدى ساعتين إيقاف الحدث الدرامي لكي يصبح الأمر مجرد موقف ضاحك على هذا الفتى السمين، وفي نفس الوقت يحب من طرف واحد فقط، بينما لا تقابل «دنيا سمير غانم» كل تلك المشاعر الجياشة سوى بالاستخفاف من تلك المشاعر التي يمنحها مجانا لمن يحبها، وكانت حلمه وهو طفل.. الكاتب «أيمن بهجت قمر» يبني من خلال تلك المواقف الكوميدية مشاعر وملامح وأيضا تطور العلاقة بين البطل والبطلة!! ما الذي تملكه «دنيا»؟ لم يقدم لنا السيناريو سوى فتاة جميلة أنانية لم تعط شيئا ملموسا لمن يحبها، ولكن مع تراكم المشاهد تبدأ بوصلة مشاعرها تتحرك إيجابيا ناحيته، وفي النهاية تستطيع أن ترى أنه أمات شخصية السمين تماما، بعد أن أجبر على رجيم قاسي، لينتهي الفيلم بعد أن فقد ما يزيد على مائة كيلوغرام لنرى أمامنا «أحمد حلمي».. من الممكن أن تقول إن «حلمي» أحب على الرغم من أنها لم تمنحه ما يستحق، فكان ينبغي أن تمنح مشاعرها للشخصية الأخرى، أقصد السمين الذي تنجذب إليه على الرغم من كل هذا الترهل الظاهري.. كان على السيناريو أن يقدم مشاهد نرى بها قدرا من التمسك بمن أحبته بهذا الجسد.. فكرة الفيلم أن ننظر لما هو أبعد.. لو أن الفيلم يعلي من شأن الإرادة مثلا ويعتبرها القيمة التي ينبغي أن يدافع عنها البطل دراميا، لأصبح الأمر ممكنا أن نرى في النهاية البطل وهو يدخل في تلك المعركة التي يخرج منها وقد أصبح يمتلك جسد «أحمد حلمي»، بالإضافة إلى أنه حقق نجاحا مبهرا في دنيا الكاريكاتير.

الحالة التي قدمها الفيلم في البداية وتلك العلاقات بين العطاء والانتهازية وتحليله لنوازع وتفاصيل النفس البشرية وما يعتمل فيها، كل هذا كان يوحي بحصاد فكري أفضل من مجرد أن البطل قد عاد رشيقا، إلا إذا كان صناع الفيلم اعتقدوا أن المطلوب هو منح الجمهور مكافأة، وهي مشاهدة «أحمد حلمي»!! هل انتصر لحلم خاله، الذي أراد له أن يختصر من وزنه ويحقق حلمه بالزواج قبل أن تسرقه الأيام.. أشعر أن هذا الانتصار الذي يبدو ظاهريا كان بالفيلم أحلام أخرى ينبغي أن تبقى.. حتى رحيل «إبراهيم نصر» عن الحياة كنت أراه من الأوفق دراميا أن يحمل بداخله عمقا فكريا. لقد مهد «أيمن بهجت قمر» ببعض أزجال ركيكة كتبها «إبراهيم نصر» عن الذين عرفهم، فلماذا لا يكتب عن نفسه مثلا شعرا ويكتشف ذلك ابن شقيقته ونسمع صوتيهما في تأبين «إبراهيم نصر»؟ إنها علاقة خاصة التي جمعت بينهما على الرغم من أنها على الشاشة لم تستغرق سوى تلك المشاهد الضئيلة التي جمعت بينهما، وكان الأكل دائما هو ثالثهما.. كنت أنتظر رحيلا لائقا وساحرا لتلك الشخصية الآسرة! إنه فيلم سينمائي على الرغم من تلك الاستاتيكية (الثبات) التي أعاقت قطار الدراما بين الحين والآخر عن السير قدما للأمام.. «حلمي» الذي وقف خلف ملامح الشخصية بهذا القناع كان فنانا مؤديا بالإحساس وهو يعبر عن تلك الشخصية المليئة بالسخونة.. نعم، هناك غطاء يغلف ملامحه ولكن أيضا هناك مؤدّ تستطيع أن تشعر بإحساسه عن طريق الصوت والحركة، فكان دورا مؤثرا.. و«دنيا سمير غانم».. إنها فنانة لها طلة وكاريزما، بالطبع الدور لا يحمل مساحات إبداعية مباشرة في فن الأداء. إنها دائما تبدو صورة مكملة للبطل.

«محمد شرف» كان لافتا في تلك المساحة في دور البواب الذي برع فيه، وهو أحد النجوم الدائمين في الأفلام التي يلعب بطولتها «أحمد حلمي».. ويبقى هذا الفنان الكبير «إبراهيم نصر» الذي سرق مشاعرنا في مشاهد معدودة، وكان اختيارا ذكيا من المخرج «شريف عرفة» عندما رأى «إبراهيم نصر» في هذا الدور، لأنه أشار إلى الممثل الموهوب داخل هذا الفنان الذي أبكانا وأضحكنا بهذا الأداء البسيط والهامس.

المخرج «شريف عرفة» يقدم فيلمه بروح الفنان المغامر.. كوميديا تنتصر للإنسان.. إننا بصدد فيلم جاد في بنائه المغرق في الضحك!

وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..