أخبار السودان

السودان: هل ينجح الاتفاق النهائي في دمج وإعادة تسريح الجماعات المسلحة؟

منذ إطاحة نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، في نيسان/ابريل 2019 ما يزال السودان يعيش مرحلة انتقالية بالغة الهشاشة، أمنياً، سياسياً واقتصادياً، فاقم الانقلاب العسكري في تشرين الأول/اكتوبر 2021 من حدتها.
ورغم أن البلاد تشهد حالياً حراكاً سياسياً مكثفاً من أجل استعادة مسار الانتقال الديمقراطي الذي قوّضه الجيش بانقلابه، إلا أن التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية وتعقد المشهد يجعل من نجاح مثل هذه العملية أمراً غاية في الصعوبة.
والأسبوع الماضي، أعلنت الأطراف السودانية، إطلاق المرحلة الأخيرة من العملية السياسية التي من المنتظر أن تؤدي إلى اتفاق نهائي تشكل بموجبه حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
وأخذت العملية السياسية الحالية، منحى جدياً في أعقاب توقيع الاتفاق الإطاري بين قوى مدنية على رأسها تحالف الحرية والتغيير (الائتلاف الذي حكم الفترة الانتقالية) والجيش في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي بالقصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم، وسط حضور دولي وإقليمي كبيرين.
ومع ذلك، مثل موقف القوى السياسية والمسلحة غير الموقعة على الاتفاق، إضعافاً مبكراً للاتفاق في خضم حالة من الفوضى السياسية والأمنية التي تتمثل في تعدد مراكز صنع القرار داخل القوى العسكرية الحاكمة. أما أمنياً، لا تتمثل الفوضى في انفلات الأمن داخل المدن والنزاعات الأهلية العنيفة ببعض أقاليم البلاد وحسب، وإنما يأتي على رأسها حالة تعدد الجيوش والميليشيات المسلحة، التي لا يعرف أحد عددها على وجه الدقة.
فبالإضافة إلى الحركات المسلحة المعروفة مسبقاً سواء كانت موقعة على اتفاق سلام جوبا أم لا، يوجد عدد كبير من الجماعات المسلحة التي يبرز وجودها من وقت إلى آخر، بجانب إعلان جماعات مسلحة جديدة في وسط وشمال السودان عن نفسها، من دون أن تشهد هذه المناطق نزاعاً مسلحاً في يوم من الأيام.
إلى جانب ذلك، يظل الموقف بشأن قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي، محمد حمدان دقلو «حميدتي» محورياً في طريق الوصول إلى جيش مهني واحد، حسبما يطرح الفرقاء السودانيون. رغم أنها أنشئت بقانون في عهد نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، تمت إعادة الاعتراف بها في الوثيقة الدستورية، إلا أن هيكل قيادة القوات العائلي والإثني، يثير الشكوك حول اعتبارها قوات قومية ونظامية ـ بالإضافة إلى تاريخها المعروف في النزاع المسلح في إقليم دارفور غربي البلاد.
وكان القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي، قد تطرقا إلى عملية الإصلاح العسكري ضمن كلمتيها أثناء توقيع الاتفاق الإطاري، وإن من وجهتي نظر مختلفتين.
فبينما أكد البرهان، أن الجيش يمكن أن يخضع للسيطرة المدنية في حالة وجود حكومة منتخبة فقط، تحدث نائبه عن ضرورة إجراء ما وصفها بالإصلاحات العميقة في المؤسسة العسكرية.
وعلى الرغم من هذا المشهد الذي يعج بالسيولة الأمنية، إلا أن الاتفاق الإطاري، أجل قضيتي الإصلاح العسكري وتعديل اتفاق السلام، إلى حين الوصول إلى اتفاق نهائي.
في وقت تحدث القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، عن أن المسائل الفنية العسكرية تخص المؤسسة العسكرية ولا علاقة للسياسيين بها، مع التأكيد على بناء جيش موحد وإنفاذ الترتيبات الأمنية، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الكيفية التي يمكن أن تتم بها مثل هذه العملية؟ وأيضاً كيف سيكون وضع الجماعات المسلحة بعد التوقيع على الاتفاق النهائي، خاصة في ظل وجود مجموعات موقعة وأخرى غير موقعة، وكيف سيؤثر ذلك على إنفاذ الترتيبات الأمنية.
علاوة على ذلك، حدد الاتفاق الإطاري فترة انتقالية بـ24 شهراً تعقبها انتخابات عامة، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات ما إذا كانت تعتبر هذه فترة كافية لدمج الجيوش، أم ستمضي تلك الجماعات المسلحة إلى الانتخابات بجيوشها. بجانب التساؤلات حول دور الأمم المتحدة في الترتيبات الأمنية. مع الوضع في الاعتبار أن هناك حركات مسلحة غير موقعة على اتفاق السلام بالأساس، فكيف سيتم بناء جيش موحد في ظل هذا التعدد في الجيوش، خاصة وأن الأطراف غير الموقعة، على اتفاق السلام، هي كذلك ليست جزءاً من التسوية الراهنة.

الترتيبات الأمنية

إلى دور الأمم المتحدة في الترتيبات الأمنية، تثور التساؤلات أيضاً حول المعضلات المتوقعة، خاصة الفنية المتعلقة بالترتيبات الأمنية. أيضاً تعديل اتفاق السلام ضمن القضايا المؤجلة، وهل ستشمل التعديلات عليه الترتيبات الأمنية؟
يقول الخبير العسكري، أمين مجذوب، لـ«القدس العربي» إن وضع الترتيبات الأمنية يفترض أن يتم كبروتوكول قبل الانتخابات، وأن هناك مفوضية قائمة الآن توكل لها مهمة تنفيذ الترتيبات الأمنية بالتنسيق مع القوات المسلحة والحركات الموقعة على اتفاق السلام وهي (مفوضية التسريح وإعادة الدمج). أما بالنسبة للحركات غير الموقعة سيكون موقفها نفس الموقف الحالي، وستكون خارج الفترة الانتقالية وخارج الانتخابات.
ويضيف «أما التي ستوقع على الاتفاق النهائي فستدخل في الفترة الانتقالية وتشارك في حكومة التكنوقراط لترشيح فنيين وخبراء وترتب أوضاعها بأن يتم دمج القوات قبل الانتخابات وتتحول هذه الحركات المسلحة إلى جسم سياسي سواء كان حزبيا أو حركة مجتمعية حتى تستطيع خوض الانتخابات، إذ لا يمكن أن تخوض الانتخابات وهي ميليشيا».
ورأى أمين أن فترة 24 شهراً كافية لعملية إعادة التسريح والدمج التي لا تأخذ أكثر من 100 يوم بجميع تفصيلاتها، حيث يتم تجميع القوات في أماكن خاصة ويتم الفحص ومراجعة شروط التسريح مع توفير وسائل كسب العيش للمسرحين.
وفيما يتعلق بالمجموعة الثانية يتم إدخالها إلى التدريب في القوات النظامية المختلفة بالتزامن مع الأولى، ويتم دمجها في فترة لا تزيد عن 3 أشهر ومن ثم توزيعها داخل القوات المسلحة.
وأوضح الخبير العسكري، أن الفترة كافية إذا كانت هناك إرادة وجاهزية في الاحتياجات اللوجستية والمادية.
بخصوص دور الأمم الأمم المتحدة، يقول إنه دور فني يشمل إمدادها بالتدريب والكوادر والمعدات الفنية والعمل على دعوة الفصائل غير الموقعة على اتفاق السلام حتى الآن. لكن من لا يوقع سيجد نفسه خارج الترتيبات الخاصة بالفترة الانتقالية والانتخابات، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة بما لديها من تأثيرات يمكن أن تضغط هنا وهناك لإلحاق الفصائل غير الموقعة بقطار السلام.
أما مسألة الجيش، فهو جيش واحد كلاسيكي، فبعد إجراء الترتيبات الأمنية من يبقى يعتبر خارجاً عن القانون أو معارضة، لكن لأن الجميع شركاء في الثورة لذلك يتم التعامل معهم بحسن نية وبتمديد وقف إطلاق النار إلى أن يتم إقناعهم بالانخراط في مسيرة السلام.
ولفت إلى أن دور الأمم المتحدة في الترتيبات الأمنية هو دور تنسيقي مشترك بين الجانبين لا توجد فيه أي معضلات، لأن هناك تجربة سابقة في اتفاقيات مثل أبوجا والدوحة ونيفاشا. فالمفوضية قائمة ولديها الخبرات من الكوادر العسكرية والمدنية وعملت مع الأمم المتحدة في تناغم وتنسيق تام، لذلك لا توجد أي معضلات في مسألة الترتيبات الأمنية، فقط الإشكالية الآن هي عدم توفير المعلومات الخاصة بعدد الأفراد في الحركات، وثانياً معضلة تجميع وتنفيذ الشروط وتوفير الاحتياجات اللوجستية والمادية. علماً بأن هناك تأخيرا، فبعض الحركات تريد «أن تبقى على هذا الشكل؛ تستلم دعومات مالية ومرتبات، وبالتالي لا تريد أن تكمل عملية التسريح وإعادة الدمج، أو أن هناك فعلا معضلات تواجه الدمج الداخلي وليس للأمم المتحدة».
لكن الأمم المتحدة، متى ما خلصت النوايا، والحديث لأمين، وكانت هناك إرادة سيكون لها تأثير كبير فني وتدريبي كوسيط لإكمال بند الترتيبات الأمنية.
يتفق المحلل السياسي الحاج حمد مع الخبير العسكري، حول أن فترة الـ24 شهراً كافية لعملية إعادة التسريح والدمج.
ويقول لـ«القدس العربي» المدة كافية لو توفرت إرادة سياسية حقيقية، لكن هل هناك جدية للالتزام حتى بما يتم تحديده من أطر زمنية؟ لا أعتقد يقول.
وأضاف: أن مشروع الدمج والتسريح ونزع السلاح، هو برنامج محدد، وأن بدايته لا ترتبط بتوقيع كل الحركات». «النظام العالمي كان يستهدف أولاً الحركات المرتبطة بقوى إقليمية لإشراكها في السلطة ومن ثم التحرك نحو السلام. أما البقية فهي ذريعة لتأخير الدمج وإعادة التسريح» على حد قوله.

القدس العربي – عمر الفاروق

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..