النرسيسية و الأدباء السودانيين

في المثولوجية الآغريقية ، ثمة شاب كان فائق الجمال و محط أنظار فتيات القرية و هو إبن لإحدى حوريات البحر التي تحمل إسم ناياد ( Naiad ) في قول آخر يُطلق على حواريات البحر “النيادة”و هن يعشن في البحيرات و ألأنهار و الينابيع …
و كان هذا الشاب يسمى “نرسيسوس”
و على الرغم من أن معظم الفتيات عشقنه و تعلقن به إلا إنه كان متيماً بنفسه مولعاً بها حد الجنون ، و تهيمن علىه عقدة حب الذات !!!؟…
لا يرى سوى نفسه !!!….
هو الأعلى و الآخرون هم الأدنى …
لم يكن يدرك دلالة ( كن الأدنى تكن الأعلى ) !!!؟…
لذلك ظل يحدق في صفحة الماء
مفتوناً بصورته
و يطيل التحديق
بلا إنتهاء …
الى أن هوى
بين الأمواج !!!…
و هناك من يقول أن زهرة النرجس
نبتت في موضعه …
لذلك يُِطلق على أمثاله “النرجسيون”
و هم أقل غلواً من النرسيسيين ، الذين يُنسبون “لنرسيسوس” الشخص وليس زهرة النرجس …
أما النرسيسيون فهم الأكثر غلواً في تبجيل الذات ، ورفعها الى مراقي الثريا
و نظرتها الى الآخرين لا تتجاوز الثرى !!
* * *
ثمة سؤال جارح يلح عليّ منذ عدة عقود
لماذا الأدب السوداني يتوارى خلف الغيوم ، ولا يُذكر إلا لماماً !!؟…
و حين يحدث ذلك ، يعتبره الآخرون “عجبة” !!؟…
أمر غير طبيعي !!؟…
تماماً كما ينظر الآن الأخوة العرب للراعي السوداني الأمين ، تلك النظرة المثيرة للجدل !!؟…
مع إن الأمانة خصلة أصيلة في معظم الشعب السوداني …….
ما الرابط – بلغة الأسافير – بين الراعي و الأدباء السودانيين ؟؟!…
ربما لأن كلا الصفتين
الأمانة و الإبداع
فرطنا في صونهما
الأولى بجعلها مستباحة من قبل أولو الأمر بإعتبارها لا تساوي شروى نقير في
مشروعهم الحضاري !!؟…
(ظهرالفساد في البر و البحر)
فطمس كل معالم الخير والحق و الجمال في الشخصية السودانية !!؟؟…
أما الثانية و هي موضوع مقالنا هذا ،
لماذا الأدباء السودانيون لا صيت لهم بين قرنائهم من الأدباء العرب ؟؟!…
هل الإبداع السوداني لا يجرؤ على ممثاثلة إبداع الآخرين ؟؟!…
لماذا أدبنا لا يتعدى صوته تخوم الوطن ؟!. و يظل يراوح بين أسوار الخرطوم !!!….
أبه تشوه خلقي ؟؟!…
أم حباله الصوتية معطوبة !!!…
* * *
كل هذه الأسئلة و غيرها
ظلت تلازمني في حلي و ترحالي بين المهاجر!!!؟…
و قد تضخمت و صارت هاجساً جارحاً…
خلال السبع سنوات التي أمضيتها في قاهرة المعز مؤخراً ، قبل أن ترسو بي
عصا الترحال في أمريكا بالقرب من بحيراتها العظمى …
و في القاهرة تبين لي جلياً أن الأدب السوداني و لا الأدباء السودانيين ، يمثلون شيئاً يُذكر بين أضرابهم من الأدب و الأدباء العرب !!!؟؟…
و لعل مثالاً واحداً قمين بتجسيد هذه الحقيقة المرة !!!؟؟…
في أول مهرجان للشعر العربي أُقيم في القاهرة ….
شارك في هذا الملتقى كل الناطقين بلغة الضاد ما عدا الشعراء السودانيين
فقط لأن “الفيتوري” كان مريضاً !!؟….
كأني بمنظمي هذا المهرجان يقررون حقيقة مؤداها ألا شعراء في السودان ، يمكن أن يرقى مستواهم لمصاف المدعوين من الدول العربية الأخرى !!…
أو ربما هو ضرب من الإستهانة !!؟…
أو عدم إهتمام بالناس الذين يدبون في منطقة جغرافية لا زالت رهن التعمير !!؟.
* * *
ظل الأدب السوداني منذ مطلع القرن العشرين ولا سيما الشعر ينمو و يزدهر
الى ان لامس عصر الحداثة في النصف الثاني منه …
فظهر “المحجوب” و المجذوب و توالت الأسماء !!؟…
ذوات القامات السامقة أمثال “جيلي عبدالرحمن” و ” تاج السر الحسن ” و “محي الدين فارس”و “الفيتوري” و لحق بهم جيل ثالث “محمد عبدالحي” و “النور عثمان أبكر” و “عبدالرحيم أبو ذكرى” و “علي عبد القيوم” و غيرهم كُثر ….
و أعقبهم جيل الثمانينات و هم باقة من الأزاهير لا يقل أريجها فواحاً من سابقيهم !!؟….
كل هذا الثراء و الغنى …
و صيتنا لا يغادر تخوم الوطن !!!؟؟…
ماذا لو طرحنا مثل هذه الأسئلة على أنفسنا ؟؟؟…”
هل “محمد عبد الحي” يقل شعره قيمة عن شعر “محمود درويش” مثلاً
أياً كانت الإجابة …
فهل شهرته تساوي واحد في المائة من شهرة “محمود درويش” !!؟…
وسؤال آخر …
هل “النور عثمان أبكر” معروف في الوطن العربي كما هو الحال بالنسبة ل “أحمد عبد المعطي حجازي” !!؟…
و سؤال ثالث …
هل أفضل شعراء العربية على الإطلاق ، “محمد المهدي المجذوب” يمكن أن تبلغ شهرته قدراً بسيطاً من هالة الشهرة التي تحيط ب “الجواهري” أو “البردوني” مثلاً
و كثير من هذه المقارنات تفضي في الغالب الأعم الى نتائج صفرية تُؤكد أن حظنا بين الأمم مآله الخسران !!؟…
* * *
لكن لماذا ؟؟؟!!….
ألاننا خرجنا من عباءة الصوفية ، و نرتدي
مسوح الزهد !!؟…
و نكتفي بالقدر اليسير من عطايا الخالق
أو لعلنا لا نجيد تقديم أنفسنا الى الآخرين !!؟… أو ربما بسبب إعلامنا الضعيف !!؟… كل هذه مشاجب نعلق عليها أخطاءنا … معللين بذلك تقصيرنا !!؟…
يبدو أننا لا ندرك أهمية أن نزيل الغبار عن بعضنا البعض !!؟…
أن نلمع قرناءنا من أهل الأدب …
حتى نصنع رموزاً تنافح الآخرين و تنافسهم في الشهرة !!؟…
إذن النقيصة كامنة فينا !!…
و لعل ثنائية التعالي و الدونية
تختزل هذه الإشكالية !!؟…
كل من نشر كتاباً أو كتب نصاً سرداً أم شعراً ، تلبسته حالة من النرجسية أو أحياناً يذهب بعيداً و يتزي بمسوح النرسيسية فيختال متعالياً !!!…
و مفتوناً بما أنجز !!!…
بينما هناك آخر أبدع و أجاد
لكنه يتلفع بالدونية متقوقعاً
فيظل قابعاً في محارته !!!….
دون أن يُشار إليه بالبنان و لو تلميحاً …
* * *
هل نحن كمبدعين لا نحب بعضنا البعض ؟؟!…
إذن لماذا لا نسقط بقعة ضوء على رفقاء القلم !!؟؟…
لماذا نذهب بعيداً
هنا في صحيفة الراكوبة …
ما يُنشر من نصوص أدبية و دراسات
نقدية لا يتعدى الواحد في المائة أيضاً ،
من المقالات السياسية التي تحظى بكثافة القراء و تعليقاتهم !!!…
بينما يظل النص الأدبي كماً مهملاً … لا
تصافحه عيون القراء حتى من قبل أصحاب “الوجعة” و إن فعلوا لا يرفدونه بأي تعليق قدحاً أو مدحاً !!..
ما هذا اللغو ؟؟…
لماذا نحن لا ندعم مبدعيننا و لا نرفع من شأنهم و لا نجعل لهم مقاماً !!؟…
لذلك يظلون خلف الغيوم بعيداً عن دائرة الضوء و الشهرة !!…
إلا من صنعت شهرتهم الفرص الذهبية !!. و ربما ما تقوم به شركة زين للإتصالات خلال الأعوام الأربعة الماضية لتخليد ذكرى الراحل “الطيب صالح” ، عبقري الرواية العربية من عبر الإحتفاء بجائزته العالمية للإبداع الكتابي .. قد يفتح باباً لمبدعينا من أجل الولوج عبره الى دوائر الأضواء و الشهرة …
و بعد كل هذا ليس بعيداً أن يعبر القراء عنوان هذا المقال دون أن يستوقفهم !!؟…
كأن ثمة مؤامرة صمت تُضرب حول الأدب السوداني !!!؟؟…..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. انت في زمن الانقاذ يا فيصل…الثقافة ترف ..ناس تاكل لسواندسيت واصبر
    وقاعد في الضل
    وحتى لم تذكر تجربة ربع قرن في اليمن
    وحرية الطباعة والاحتفاء بالابداع السوداني في اليمن
    كانك تريد اعتراف فقط من المصريين
    مصر بقت موضة قديمة
    وجه بوصلتك نحو لامارات واسعى للنشر والتعامل مه الخليج حيث البيئة الليبرالية البكر
    سيشرق ابداع السودانيين من الخليج
    كما فعل الراعي الواعي
    المصريين ونخبهم متاصلة فيهم انهم اذكى من السودانيين وهذه ذكرها ابيل لير في كتابه الشهير
    ان” بعض المصريين يظنون انفسهم اذكى من السودانيين وبعض السودانيين يظنون انفسهم اذكى من الجنوبيين”
    وهسه انت في امريكا…حاول تجعل ابداعك امريكي نشوف راي الامريكان شنو في السودان والسودانيين
    هسة مش فضيحة موت بهنس في القارهة جوعا وبردا وعنده رواية وفنان تشكيلي بارع؟؟

  2. أشكرك إنك لم تعبر عنوان المقال
    دون أن يستوقفك كالآخرين !!؟.
    في البدء أريد أن أبدي أسفي على الخطأ
    الطباعي الذي وقع مني سهواً و هو
    بالنسبة لي لا يغتفر فبدلا من أكتب
    الأدباء السودانيون ، كتبت السودانيين
    فمعذرة لكل القراء !!!؟؟…
    أما عن اليمن ففضلها لا ينكره إلا جاحد
    لكني أنا هنا أتحدث عن الأدباء السودانيين
    و ليس عن نفسي ….
    على كل نحن جميعاً كمبدعين سودانيين
    لكي يلتفت إلينا الآخرون ، أن نهتم ببعضنا
    وأن نحاول أن ننفض الغبار الذي علق بنا
    وعزلنا عن دائرة الضوء !!!؟؟…

  3. أين آنت يا رجل ؟
    ظننت أننا سنتواصل عبر
    اليريد الإلكتروني كما تواعدنا
    على ذلك !!؟….
    لكن يبدو أن ثمة ما يحول دون ذلك !
    أرجو أن يزول هذا الحائل و يتم
    التواصل بيننا …
    مع دوام الود

  4. لك التحية و التقدير استاذ فيصل لقد تطرقت الى موضوع في غاية الاهمية ورغم انني ليس لي باع في الادب وضروبه ولكننى حيناً وىخر اتابع ما يكتب عن الادب السوداني وارى ان إنعدام الحريات و ضيق المساحه المفرده للادب والادباء وعدم إهتمام ال
    مؤسسات ذات العلاقه وغيره كل ذلك أدى الى الإنزواء

  5. ربما يكون هذا جانب مهم
    أغفلت الإشارة إليه
    شكراً لإهتمامك بإحدى
    قضايا الوطن !!؟…
    و أنت بالقطع أفضل من
    من الذين يتشدقون بأن
    أمر الأدب وخروجه من
    خلف الغيوم الى الشروق
    يعنيهم !!!؟….

  6. أين أنت يا أيقونة السرد اليمني
    كم أشتاق الى رسائلك الخفيفة
    الظل !!؟…
    ماذا لو تواصلنا مجدداً كن على قيد الكتابة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..