أفكار «هارفارد» حول الرعاية الصحية تثير الغضب بين أساتذتها

واشنطن: روبرت بير
ظل خبراء جامعة «هارفارد» في اقتصاد وسياسات الصحة لسنوات ينصحون الرؤساء الأميركيين والكونغرس بشأن كيفية تقديم المزايا الصحية للأمة بتكلفة معقولة. وسيجري تنفيذ تلك الطرق العلاجية على طاقم التدريس في «هارفارد»، مما أثار غضب الأساتذة واستياءهم. وصوت عدد كبير من أفراد كلية الفنون والعلوم، التي تعد قلب الجامعة التي أنشئت منذ 378 عاما، خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لمعارضة التغييرات التي ستفرض عليهم وكذلك على الآلاف من العاملين في «هارفارد» دفع المزيد من المال مقابل الرعاية الصحية. وتقول الجامعة إن من أسباب تلك الزيادات سنّ قانون الرعاية الصحية ذات التكلفة المقبولة الذي دفعت إدارة أوباما باتجاهه ودافع عنه الكثير من أساتذة «هارفارد».

تأخر تصويت الكلية إلى الحد الذي بات معه من المستحيل تعطيل تطبيق زيادة التكلفة المقرر أن يكون خلال الشهر الحالي، ويظل الغضب داخل الجامعة منصبا على تساؤلات تؤجج الغضب في الكثير من أماكن العمل، ومنها: ما صيغة مشاركة العاملين وأصحاب العمل في تحمل عبء تكاليف الرعاية الصحية؟ وفي حال اضطرار العاملين إلى تحمل جزء أكبر من التكلفة، هل سيهملون الرعاية الطبية الضرورية، ويقللون من استخدام الخدمات الأقل قيمة، أم كلاهما معا؟
وتعد جامعة «هارفارد» نموذجا مصغرا لما يحدث في مجال الرعاية الصحية في البلاد، على حد قول ديفيد كاتلر، الخبير في اقتصاد الصحة بالجامعة الذي عمل مستشارا في حملة الرئيس أوباما الانتخابية عام 2008. مع ذلك حتى هذه اللحظة يتجنب الأساتذة في «هارفارد» بوجه عام دفع المزيد من النفقات التي يفرضها أصحاب العمل على العاملين. ويثير هذا غضبا عارما بين أعضاء هيئة التدريس لأن «هارفارد كانت ولا تزال صاحب عمل كريم للغاية»، كما يوضح كاتلر.
وذكرت الجامعة في دليل الاشتراك في الرعاية الصحية بجامعة «هارفارد» لعام 2015 أن عليها الاستجابة للنهج القومي المتمثل في زيادة تكاليف الرعاية الصحية، بما فيها تلك التي تقوم على إصلاح نظام الرعاية الصحية من خلال قانون الرعاية ذات التكلفة المقبولة. وذُكر في الدليل أن «هارفارد» واجهت «التكاليف المضافة» لأن بنود قانون الرعاية الصحية الذي يمتد ليغطي الأطفال حتى سن 26 عاما، توفر خدمات وقائية مجانية مثل تصوير الثدي بالأشعة وعمل منظار للقولون، ويضيف بداية من عام 2018 ضريبة على التأمين مرتفع التكلفة تعرف باسم ضريبة الـ«كاديلاك».
ووصف ريتشارد توماس، أستاذ الأعمال الكلاسيكية بجامعة «هارفارد» وواحد من المراجع البارزة في العالم لفيرجيل، تلك التغييرات بـ«البائسة وشديدة الرجعية»، وعدّها «دليلا على تحويل الجامعة إلى شركة».
وقالت ماري دي لويس، الأستاذة المتخصصة في تاريخ فرنسا الحديث التي قادت جهود معارضة تلك التغييرات، إنها بمثابة خفض للأجور. وأوضحت قائلة: «كذلك سيجري تحديد توقيت هذا الخفض للأجور بحيث يأتي في لحظة تكون فيها إما مريضا أو متوترا أو تواجه تحديات مراحل الأبوة الأولى».
وتتبنى الجامعة سمات معيارية ثابتة لخطط الرعاية الصحية التي يتكفل بها صاحب العمل، وهي أن يدفع العاملون الآن جزءا من رواتبهم ويشاركون في التكاليف لدخول المستشفيات وإجراء الجراحات وتحاليل محددة متطورة. ويقدر المبلغ المخصوم سنويا بـ250 دولارا للفرد و750 دولارا للأسرة. بالنسبة لزيارة الطبيب فتكلفتها ستكون 20 دولارا، أما بالنسبة إلى أكثر الخدمات الأخرى، فسيدفع المرضى 10 في المائة من التكلفة إلى أن يصلوا إلى حدود 1500 دولار للفرد و4500 دولار للأسرة.
في السابق، كان العاملون في «هارفارد» يدفعون جزءا من رسوم التأمين وحدود تكلفة متدنية عند تلقيهم للرعاية الصحية.
وأقر مايكل تشيرنيو، الخبير في اقتصاد الصحة ورئيس لجنة المزايا في الجامعة، الذي أوصى بالنهج الجديد، بأنه في ظل تلك التغييرات سيدفع العاملون مبلغا أكبر من المال مقابل الحصول على رعاية صحية في مكان تقديم الخدمة. وأوضح أن من أسباب تعمد القيام بذلك هو ما ثبت من أن مشاركة المريض في التكلفة تقلل إجمالي الإنفاق.
وأقر درو غيلبين، رئيس جامعة «هارفارد»، في خطاب موجه إلى هيئة التدريس، بأن التغييرات في مزايا الرعاية الصحية «تسببت في «توتر» و«أثارت القلق» داخل الجامعة، رغم أنها تستند إلى توصيات من بعض خبراء سياسات الصحة في الجامعة. مع ذلك أوضح أن تلك التغييرات ضرورية لأن تكلفة مزايا الرعاية الصحية في جامعة «هارفارد» تزداد على نحو أسرع من عائدات التشغيل أو رواتب العاملين، وتهدد بنودا أخرى لها الأولوية في الميزانية، مثل التدريس والبحث ومساعدات الطلبة.
وردا على ذلك، حلل أساتذة «هارفارد»، ومن بينهم علماء رياضيات وعلماء اقتصاد جزئي، بيانات الجامعة وتساءلوا عما إذا كانت تكاليف الرعاية الصحية تزداد بالسرعة التي تتحدث عنها الجامعة. ووضع البعض جداول بيانات وزعموا أن حجج الجامعة بشأن زيادة تكاليف الرعاية الصحة للعامل كانت مضللة. خلال الأعوام القليلة الماضية، ازداد الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية بمعدل بطيء جدا.
إضافة إلى ذلك، بعض الأفكار التي بدت جيدة للأكاديميين نظريا، باتت الآن سببا للذعر؛ ففي عام 2009 عندما كان الكونغرس ينظر في التشريع الخاص بالرعاية الصحية، قاد دكتور آلن غاربر، الذي كان أستاذا في جامعة «ستانفورد» في ذلك الوقت قبل أن يصبح إداريا في جامعة «هارفارد»، مجموعة من خبراء الاقتصاد الذي أرسلوا خطابا مفتوحا إلى أوباما يدعمون فيه تفاصيل مشروع القانون الخاص بالسيطرة على التكلفة. وأشادوا بضريبة الـ«كاديلاك» بوصفها وسيلة لتحجيم تكاليف الرعاية الصحية ورسوم التأمين.
وكان دكتور غاربر، الطبيب والخبير في اقتصاد الصحة، محور الجدل الدائر حاليا في «هارفارد». ووافق على التغييرات في المزايا التي أوصت بها لجنة ضمت إداريين وخبراء في سياسات الصحة بالجامعة. وأقر غاربر في مقابلة بأن العاملين بجامعة «هارفارد» سوف يضطرون إلى زيادة مشاركتهم في تكاليف الرعاية الصحية، لكنه دافع عن تلك التغييرات، حيث قال إنه في حال تطبيقها بالطريقة الصحيحة يمكن أن تبطئ معدل زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية. وأضاف قائلا: «نحن بحاجة إلى الاستعداد لمواجهة احتمالية زيادة الإنفاق على الصحة».
مع ذلك قال جيري غرين، أستاذ علم الاقتصاد والإداري السابق الذي ظل ضمن هيئة تدريس جامعة «هارفارد» لأكثر من 4 عقود، إن حدود التكاليف الجديدة قد تدفع الناس إلى تأجيل الحصول على رعاية صحية أو إجراء تحاليل طبية لتشخيص أمراضها، مما يؤدي إلى أمراض أكثر خطورة ومضاعفات مكلفة في المستقبل.
وقال الأستاذ غرين: «هذا مثل فرض الضرائب على المرضى. لا أعتقد أن أي حكومة في العالم يمكن أن تفرض ضرائب على المرضى».
وقالت ميريديث روزنتال، أستاذ علم اقتصاد وسياسات الصحة بكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، إنها ذهلت من هذا الغضب. وأوضحت قائلة: «التغييرات في مزايا هيئة التدريس بـ(هارفارد) مثل التغييرات التي تحدث لكل الأميركيين. بل لقد وصلت إلينا متأخرة عن الآخرين».
وترى أن هناك سقطات في خطة «هارفارد» وخططا مماثلة لها تفرض على المستهلكين دفع جزء من تكاليف الرعاية الصحية وقت الحصول على الخدمة. وأضافت: «إن مشاركة المستهلك في التكلفة وسيلة قوية سوف توفر المال، لكن لدينا دليل قوي على أنه عند زيادة التكاليف التي سيتحملها المريض وحده، لن تكون اختيارات المستهلكين في صالحهم من حيث الصحة».
خطة «هارفارد» الجديدة أكثر كرما من الخطط التي تروج ضمن برامج شراء تأمين صحي بموجب قانون الرعاية الصحية ذات التكلفة المقبولة. وتقول «هارفارد» إنه طبقا لخطتها سوف تدفع 91 في المائة من تكلفة الخدمات للأشخاص الذين يدخلون تحت مظلة نظام الرعاية الصحية، في حين أنه طبقا لأكثر الخطط قبولا بشأن برامج شراء تأمين صحي التي تعرف بالخطط الفضية، يجري دفع 70 في المائة في المتوسط، مما يعني أن على الطرف المؤمن عليه طبيا دفع 30 في المائة، لكن دون احتساب التكاليف الطبية الأخرى المحتملة التي تتحدد بحسب الحالة الصحية للمؤمن عليه. وقالت لويس: «لم يحتجّ أي منا بدافع المال، بل بدافع المبادئ»، معبرة عن قلقها من تأثير تلك التغييرات على العاملين الذين يحصلون على أجور متدنية.
واشتكى المستهلكون في الكثير من الدول من خطط الرعاية الصحية التي تقيد اختيارهم للأطباء والمستشفيات. وقال بعض العاملين في جامعة «هارفارد» إنهم سوف يرحبون بشبكة أقل اتساعا من جهات تقديم الخدمات الطبية إذا كان ذلك سيقلل التكلفة التي يدفعونها.
مع ذلك ما يعقد مهمة «هارفارد» في عمل مثل تلك الشبكات هو أن بعض مستشفيات بوسطن الأشهر والأعلى سعرا تابعة لكلية الطب بجامعة «هارفارد»، ولعمل شبكة من الجهات المقدمة للخدمة الطبية المتميزة، سوف تحتاج «هارفارد» على الأرجح إلى استثناء بعض المستشفيات التعليمية التابعة لها أو عدم التشجيع على الذهاب إليها.
وقالت دكتورة باربرا ماكنيل، رئيسة قسم سياسات الرعاية الصحية بكلية الطب في جامعة «هارفارد» وعضو لجنة المزايا: «يريد العاملون في هارفارد الحصول على كل شيء. إنهم لا يريدون أي قيود تتعلق بالمؤسسات التي يمكنهم الحصول من خلالها على الرعاية الصحية».
ورغم أن التكاليف يدفعها العامل مباشرة في «هارفارد» سوف تزداد عام 2015، فإن الإداريين قالوا إن رسوم التأمين سوف تنخفض قليلا. وأشاروا إلى أن الجامعة، التي تحصل على منحة أكبر من 36 مليار دولار، لديها برنامج استثنائي لتوفير الحماية من التكاليف المرتفعة التي يدفعها مباشرة العاملون الذين يبلغ راتبهم 95 ألف دولار أو أقل سنويا.
وقالت أستاذة إن قواعد الحماية لم توازن الأعباء المالية الجديدة التي يمكن أن تقع على كاهل أعضاء هيئة التدريس متوسطي المستوى ومن يتقاضون أجورا منخفضة.
وقالت ماري ووترز، أستاذة العلوم الاجتماعية: «يبدو أن هارفارد تحاول توفير المال من خلال تحميل المرضى التكلفة. لا أفهم لماذا تفعل جامعة لها موارد هائلة مثل هارفارد ذلك. ما الأزمة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..