مرحباً بمولانا حيدر رئيساً لقضاء السودان ، لا قضاء المؤتمر الوطنى

(2?الى ان يتحقق استقلال القضاء)
ان تكرار الحديث عن استقلال القضاء لا يعنى أننا نتوقع وفور نشر المقال ان يقوم أهل الانقاذ بفك أسره ، فجميعنا يعلم بأننا نواجه نظاماً شمولياً يدرك تماماً خطورة وجود قضاء مستقل ، غير أننا وفى مناخ الحديث عن الحوار والاصلاح والرغبة فى التحول من الشمولية الى الديمقراطية ، نريد ان نلفت نظر القوى التى استجابت لدعوة الحوار ، الى أهمية وضرورة ان يبدأ الاصلاح بالقضاء قبل كل شيئ ، وان يكون ذلك هو مكمن اختبار الجدية فى تحقيق قومية مؤسسات الدولة والتحول الديمقراطى .
ثم بعيداً عن الحوار ومآلاته ، ورغم أن الأنظمة الشمولية هى عدو العدالة والقضاء المستقل ، الا أننا نريد ان نرسل رسالة للسيد رئيس القضاء الجديد مفادها ، أن العدل الذى حققه والاستقلال الذى تمسك به القضاة دشين والحسين أبو زهرة وشيخ الزبير وعبد المجيد امام وبشاره عبد الله بشاره ، لم يكن خلال عهود رفرفت فيها رايات الديمقراطية وسيادة حكم القانون .
وفى كل الأحوال فاننا نكتب لشبابنا الذين قضوا جل عمرهم فى ظل الشمولية وهم فى حاجة ماسة لمعرفة أهمية استقلال القضاء ، ولمعرفة أن الخطوة الأولى التى خطاها هذا النظام فى سبيل المحافظة على بقائه ، كانت طعنة نجلاء فى صدر القضاء . انه لجريمة فى حقنا ان الكثيرين من خريجى كليات القانون اليوم ، بل الكثيرين ممن تم تعيينهم فى منصب القضاء خلال السنوات الماضية ، لا يدركون معنى وأهمية الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وما هو وجه الخطأ فى ان يكون القاضى عضواً بالحزب الحاكم أو بجهاز الأمن .!
نعود لكتب التاريخ وما روته عن رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل ، فقد سأل معاونيه عن حال البنى التحتية فى بلاده فى أعقاب الحرب العالمية الثانية ، فأفادوه بأنها دمرت كلياً ، فسألهم عن الاقتصاد فأفادوه بانهياره الكامل ، فسألهم عن حال القضاء فأجابوه بأنه لا زال بخير ، فقال قولته المشهورة ” طالما أن القضاء والعدالة فى البلد بخير فكل البلد بخير ” . أما الرئيس الفرنسى شارل ديجول فقد قال : ” اذا كان القضاء بخير ففرنسا فى أمان ، فهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة ” . أما نحن فى سودان الانقاذ فقد أحاطت بنا الأزمات من كل الجوانب ، ووصل القضاء وحال العدالة الى درك لا نستطيع معه الا ان نقول الحمد لله الذى كشف لجميع خلقه مكانة وأهمية العدالة ، بأن جعل العدل اسماً من أسمائه ، ثم جعله لازماً وملازماً لبداية خلق السموات والأرض ” والسماء رفعها ووضع الميزان الا تطغوا فى الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ” ، ففهمها وطبقها تشرشل وديجول وجهلها وأنكرها أئمة وخلفاء المسلمين .
ويبقى العزاء هو أن الأزمة الشاملة التى تمر بها بلادنا قد بلغت منتهاها ، ورغم تفاقماتها الآنية التى تهدد كيان الوطن وتجعل حديثنا تغريداً خارج السرب ، الا أننا ايماناً بالله وتمسكاً بالأمل نرى فى هذا المخاض العسير تباشير ميلاد دولة الديمقراطية والعدالة ، بما يجعل الحاجة الى القضاء المستقل والمتجرد والكوفء والنزيه ، ماسة وملحة ، باعتباره الضمانة الأساسية للتحول الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة ، والمسؤل الأول عن ارساء دعائم الديمقراطية والسلام الاجتماعى والاستقرار السياسى والاقتصادى للدولة ، وباعتباره حامى الحقوق والحريات وسيادة حكم القانون ، وأنه يشكل ضمانة لحماية الأفراد والنظام المؤسسى على حد سواء .
ان نجاح القضاء فى القيام بهذا الدور باستقلال وتجرد ، من شأنه ان يبسط العدل والرضا بين الناس ، ويشيع الأمن والطمأنينة فى المجتمع ، فيتحقق الاستقرار والتماسك والسلام الاجتماعى ، لينطلق الجميع نحو البناء والتطور.
تمسكاً بهذا الفهم يبقى علينا أن نقوم بتشخيص حالة قضائنا بالوقوف على حظه من الاستقلال والحيدة والكفاءة والمصداقية والنزاهة ، ولما كان القاضى هو عماد استقلال القضاء ، سنبدأ بتشخيص حالته ومدى توافر ما اشترطه الدستور والقانون فى حقه من استقلال وحياد يحتمان عليه عدم الانتماء للكيانات السياسية من أحزاب وغيرها ، لأن من طبيعة هذا الانتماء ان يكون القاضى مشاركاً فى تكوين الرأى السياسى للحزب والالتزام به أياً كانت قناعاته الشخصية ، وهذا يتعارض مع طبيعة العمل القضائى . رغم هذا التفريق الواضح نجد أن قضاتنا فى عهد الانقاذ قد اشتغلوا علناً بالسياسة ، حيث أنشأوا أمانة للمؤتمر الوطنى الحاكم بالهيئة القضائية ، تضم فى عضويتها كبار وصغار القضاة فى مقدمتهم رئيس القضاء الأسبق الذى ترشح وفاز كرئيس لمجلس شورى الحزب الحاكم وفى ذات الوقت رئيساً للقضاء .
كما تم انشاء منسقية للدفاع الشعبى بالهيئة القضائية وعبرها التحق القضاة بدورات التدريب العسكرى وقوافل الجهاد السياسى . وفى وسط هذا التهريج القضائى السياسى أو السياسى القضائى ، لم يجد قضاة الأنقاذ حرجاً فى ان يجمعوا بين عضوية القضاء وعضوية جهاز الأمن ، كما لم يجدوا حرجاً فى ان يتركوا القضاء ليتبوأوا أرفع المناصب فى السلطة التنفيذية ، ثم يعودوا ويجلسوا فى كرسى القضاء الذى ظل شاغراً فى انتظار عودتهم ليفصلوا فى القضايا الدستورية والادارية وغيرها من المظالم بين المواطن ودولة الانقاذ ، فيجلس أحدهم ليقضى فى دعوى جنائية ، المقتول فيها طالب جامعى والقاتل من انصار حكومة الانقاذ وطالب فى ذات الجامعة وكانت البينات الدامغة تحيط به من كل الجهات ، ومن بينها شهادة طالبة جامعية شاهدت القتيل وهو يسدد طعنة بالسكين فى صدر المجنى عليه داخل الحرم الجامعى ، فقضى قاضى الانقاذ بأن الطالبة أغمي عليها عند مشاهدتها للمتهم وهو يطعن المجنى عليه وهذا دليل محبة وعلاقة عاطفية بينها والمجنى عليه بما يشكك فى عدالتها ويستدعى رفض شهادتها والحكم ببراءة المتهم !!!. هذا مثال بسيط يكشف مدى فداحة عدم الفصل بين السلطات واشتغال القاضى بالسياسة . ورغم أن وجود أمثال هؤلاء القضاة أصبح اليوم يشكل حرجاً للنظام ، الا أن أعمارهم القضائية لا زالت طويلة كما تقول شهادات ميلادهم التى غيروها عبادة لله وليس تزويراً كما يظن أمثالنا أعداء المشروع الحضارى !!!.
ومن قبيل الاشتغال بالسياسة ان يذهب بعض القضاة من منسوبى المؤتمر الوطنى الى القصر معترضين على تعيين رئيس قضاء لا يكون من شيعتهم ، اننا نصر على تكرار هذه الواقعة لا استنصاراً لرئيس القضاء الجديد ، ولا جهلاً منا بحقيقة انتمائهم السياسى ، لكننا نقول بأن هذا السلوك يكشف عن اصرارهم على الاعلان الصارخ عن عدم حيدتهم ، والامعان فى الاستهانة بمطلوبات الوظيفة القضائية ، لذلك فان الامساك عن محاسبتهم يشكل سابقة جد ، خطيرة !!!.
لقد كان فى اشتغال القضاة بالسياسة آثارًا مدمرة على واقع العدالة فى بلادنا ، حيث قام قضاة الانقاذ بسد الثغور فى وجه القضايا الدستورية والادارية و كآفة أنواع القضايا التى رفعها المواطنون فى مواجهة الدولة ومؤسساتها وشركاتها طلباً للانصاف ، وفى سبيل القيام بالمهمة ظل ولازال بعض القضاة يحتكرون محاكم بعينها لعدة سنوات !!!.
وليت الأمر اقتصر على قضاة الانقاذ ” أهل المشروع الحضارى ” ، فهناك من عرضوا خدماتهم على حساب ضمائرهم ومصداقيتهم حرصاً على الوظيفة وخوفاً من ان تشملهم كشوفات الصالح العام ، فتقبل أهل الانقاذ العرض سداً لحاجتهم فى قضاة يقال عنهم غير منتمين ، فجمعت المصائب المصابين ، وتبوأ أؤلئك القضاة أرفع المناصب الادارية بالسلطة القضائية ، ومن خلالها أساءوا للقضاء ولهيبته واستقلاله واستهانوا بحرمته ، وأنشأوا دويلات قائمة بذاتها وخلقوا علاقات خارج السلطة القضائية تقوم على تبادل المنافع الخاصة ، وتلقى الهدايا الفخيمة . …أننى أجاهد قلمى فى ان يتوقف أو يكتب فقط ما يصلح للنشر رحمة بالقضائية وأملاً فى غد يخالف ما عليه حالها اليوم !!…
لكل ذلك فقد لقي القرار الأخير الذى أصدره السيد رئيس القضاء بتحريك بعضاً من اؤلئك القضاة من مواقعهم ، ترحيباً وارتياحاً فى الوسط القانونى وكل الحادبين على مكانة وسمعة القضاء ، فقد كان الجميع يراقب ما يجرى فى حيرة واندهاش . لكن هذا القرار لن يجد أثره وبعده المطلوب ، والبعض لا زال فى موقعه يباشر عمله بحجة ان القرار جاء فى اطار حركة تنقلات عادية يستدعى تنفيذها شيئاً من الوقت !! ، لقد كان المتوقع ، صوناً لكرامة القضاء واسترداداً لشيئ من هيبته ، ان يتم تنفيذ هذا القرارفور صدوره باعتبار أنه يشكل بداية وضع الأمور فى نصابها ، وان تعاد الهدايا الفخيمة التى تلقاها اؤلئك القضاة ، سواءً كانت فى اسمائهم أو فى اسم القضائية ، فهناك أمور لا تحتمل أنصاف الحلول ومقولة ” العافية درجات ” !!!. لقد تعمدنا ولا زلنا ، عدم التعجل فى الكتابة والتطرق لأمور حساسة ، باعتبار أن السيد رئيس القضاء كان متابعاً لما يجرى فى القضائية حتى خلال فترة عمله بالخليج ، وله رأى معلن فيما يحدث من دمار ، بالتالى فهو يعلم تماماً ما يحتاج لقرارات فورية وما يتطلب التأنى !!.
ان الحديث عن واقع الهيئة القضائية اليوم يرمى السهام ويسلط الأضواء ، على بعض أعضائها وفيهم من تربطنا بهم عدة وشائج ، بما يستلزم التأكيد بأننا لا نهدف للتشهير أو تجريح أحد ، لكن المقصود معالجة أمر السلطة القضائية فى اطار مبادئ عامة لا اختلاف حولها ، فان طال تطبيق تلك المبادئ مصلحة أي فرد تبقى مصلحة الوطن فوق الجميع ، ونحن على يقين بأن من نعنيهم يدركون تماماً بأن ما يفعلونه بالسلطة القضائية ولأسباب ذاتية ، أصاب ويصيب العدالة فى بلادنا فى مقتل ، وهز ولا زال يهز كيان المجتمع هزاً عنيفاً ، وهدد ولا زال يهدد سلامة ووحدة الوطن ، من هنا فاننى أدعوهم ، من باب نصرة الأخ الظالم ، وتطهيراً لأنفسهم ورحمة بوطنهم ، الى تقديم استقالاتهم والوقوف أمام محكمة التاريخ بتهمة الاعتداء على استقلال القضاء والحط من قدره وتشويه سمعته ، بما يعد ضرباً من ضروب تخريب الحضارة الأنسانية التى هي عنوان وجود الدولة وتقدمها وشرفها وكبريائها ، كيف لا وقد كان استقلال القضاء ثمرة كفاح مرير قطعته الأنسانية فى طريق نضالها المستمر ، من أجل ضمان سيادة حكم القانون وتحقيق العدالة والمساواة والقضاء على الظلم ….
ومن باب الانصاف نذكر أنه لا زال بالسلطة القضائية قضاة تمسكوا بمصداقيتهم رغم كثافة الغبار من حولهم وتعرضهم لشتى أنواع العسف الادارى ، بالتالى الأمل معقود فى ان يتنادى السادة القضاة لاجراء حوار فيما بينهم ، حول واقع ومستقبل السلطة القضائية . اننا حريصون على سمعة ومكانة القضاء السودانى ونتوق لليوم الذى يسترد فيه عافيته ليكون محل احترام وثقة الجميع ، لكن أحرص الناس على ذلك يجب ان يكونوا هم القضاة أنفسهم ، لأن حياد واستقلال القضاء يصنعه ويحمية القضاة بما يجب ان يتحلوا به من الشفافية والشموخ والكبرياء وعلو الهامة ، ولأنهم أدرى من غيرهم بموطن الداء ، ولأنهم أكثر الناس تأثراً بالانتقادات التى يتعرض لها القضاء ، وهي انتقادات موجعة لكنها موضوعية لا يمكن مواجهتها الا بموضوعية .
والى ان يحدث ذلك سنواصل الحديث ، صراخاً لا هتافاً ، مرحباً بمولانا حيدر، رئيساً لقضاء السودان لا قضاء المؤتمرالوطنى………………..
عبد القادر محمد أحمد المحامى .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هذا القاضي هو الذي واجه الإنقاذ في اولى ايامها بقلمه الشجاع وتعرّض بسبب مذكرته المشهورة للإعتقال والتعذيب والفصل. ظل ينافح من مكتبه ويناضل نضال العالم ببواطن الأمور وها هو يعود مرة اخرى بهذا المقال الرائع عن الحال والمآال.

    إن الخراب الذي احدثه الجلالين (جلال لطفي وجلال محمد عثمان) فظيع لا يمكن تناوله في تعليق واحد او مقال واحد بل يفوق التصور وهو الكبر بكثير من الخراب الذي احدثه البشير في وطننا الكبير. إن فساد القضاة لا تُخفى منه خافية سيما الذين عملوا بالقرب من الفاسد الملتحي جلال الدين محمد عثمان من بطانته واهله واهل حظوته. بل ان الكثير منهم ما زالوا يعملون بعد ذهابه. مع إحترامي الشدي لمولانا حيدر دفع الله (مهنيا) إلا انني أعرف عنه الضبابية في المواقف وعدم الشجاعة في كثير من الأمور ولا اعتقد بأنه سيحدث ثورة حقيقية في القضاء السوداني. لقد عملتُ معه في المحاكم ردحا من الزمان ولم اعرف له موقفا صلدا او رؤية ثاقبة او ركنا تليدا من الشجاعة والإقدام. وسوف ننتظر لنرى هل ما زال لم يتغير أم أن القدر وضعه ليدخل التاريخ من اوسع ابوابه؛ إما التغيير الجذري او الإقالة أو الإستقالة. هو يعرف الكثير أكثر مني ومن مولانا عبد القادر ويعرف القضاة المرتشين والفاسدين الذين ابتنوا فصورا وتملكوا عمارات وتاجروا في الأراضي بأسمائهم فهل ننتظر وكلنا أمل فيه أم أنه سيكون مثل سلفه ذاك الضعيف ابو عاقلة أو أيا كاناسمه؟

    شكرا مولانا الهمام.

  2. حيدر نشا وترعرع في دولة الجلالين وكان مطيعا جدا ( لاولاد جلال المحس المشهورين) والاصغر منه سنا وخبرة وعقلا …ففاقد الشى لا يعطيه…

  3. مقال رائع يامولانا،ولكننى إقترح بدلاً من قولك أو مقترحك إجراء حوار فيما بين القضاة،من أجل إعادة الهيبة للسلطة القضائية،إقترح أن يكون للقضاة إتحاد أو نادى كما فعل الأشقاء الزملاء بمصر،فقطعاً قيام مثل هذا الجسم ليس من مصلحة القضاة والقضاء فحسب بل لمصلحة الوطن والمواطن،حيث أن هذا الجسم سيكون بالمرصاد لكل من لايريد سيادة حكم القانون أو قيام دولة المؤسسات ،أو من يتلاعب بكرامة وحرية الشعب.
    مع خالص شكرى وتقديرى

  4. مرحباً بمولانا حيدر، رئيساً لقضاء السودان لا قضاء المؤتمرالوطنى………………..

    من سايروا نظام الفساد لا ثقة في طهارتهم ونزاهتهم
    نأمل ألاّ يتحوّل من (حيدر القضاء) إلي ( حميدتي القضاء)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..