مقالات وآراء سياسية

الثورة السودانية بين مطرقة دراويش السياسة وسندان الانقلاب والموازنات الإقليمية والدولية : الفرص والخيارات لبلوغ الثورة لسدرة المنتهى

إبراهيم موسى 
بعد أن قدم ثوار ديسمبر البواسل أرواحهم الطاهرة مهرا لبناء دولة العدالة والسلام والحرية تحت ظل انتقال ديمقراطي سلس ، إلّا أن هذه الآمال العريضة تبعثرت في عواصف هوجاء أثارتها أخطاء القوى السياسية وإجراءات انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي الذي ولد من رحم الموازنات الإقليمية والدولية. ورغم النضال المستميت والتضحيات المستمرة لإرجاع عجلة الانتقال الديمقراطي إلى مسارها المنشود ، إلّا أن تلك العواصف وصلت ذرة الهياج والضراوة التي بإمكانها إضعاف الثورة وتأجيل انتصارها ، خاصة في ظل تراخي المجتمع من القيام بواجباته في حماية المحتجين السلميين من آلة الانقلاب المميتة ، علاوة على إخفاقات القوى السياسية وعدم مقدرتها على قراءة مجريات الأحداث بصورة مواكبة ومخاطبتها بخطط فعالة وحنكة سياسية مواكبة . وهذه الأخيرة ، أي إخفاقات القوى السياسية، هي الكارثة الكبرى التي ظلت تسدد للثورة لطمات مميتة منذ بدايتها حتى لحظات كتابة هذا المقال. فبدلا عن التضامن وتعزيز القوة النضالية لهزيمة الانقلاب ، واصلت تلك القوى ديدن التشرذم والخلافات التي وصلت قمة ذروتها بخروج القوى المدنية من ائتلاف الحرية والتغيير ، وقطيعة الحزب الشيوعي مع ذات الائتلاف.
بالإشارة إلى تلك الإخفاقات والخلافات ، تزعم الدكتورة أماني الطويل ، مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، أن النخب السياسية السودانية تأثرت بالمفاهيم السياسية القديمة التي لا تخاطب متطلبات الراهن السياسي. فبناء عليه وضعت لبنات الفترة الانتقالية على النمط القديم مما جرها إلى الاستقطابات الخلافية التي انتهت بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر المشؤوم . وجاءت مزاعم الدكتورة الطويل خلال مداخلتها في ندوة أقامها المنبر الثقافي السوداني لجنوب كاليفورنيا في الثالث والعشرين من يناير المنصرم تحت عنوان ، “تعقيدات المشهد السياسي وفرص نجاح المبادرة الأممية،” حيث توقعت عدم نجاح المبادرة الأممية التي ترمي إلى وضع حلول عاجلة للأزمة السياسية التي تتجه نحو الانزلاق. وهذا فضلا عن توقعاتها المتشائمة التي تشير إلى تسارع الراهن المتأزم إلى وضع أشبه بالمشهد السوري ، في حال عدم تدارك القوى السياسية الخطر الماثل ومخاطبة الأزمة بمتطلبات الراهن السياسي الذي تلعب فيه بعض القوى الدولية والإقليمية دور بارزا ، تبعا لمصالحها في السودان.
وخير دليل يدعم مزاعم الدكتورة الطويل ، الخلافات الراهنة وإخفاقات القوى السياسية التي صاحبت أداءها السياسي منذ بداية مفاوضات الوثيقة الدستورية الكارثية حتى ظهور المبادرة الأممية. والسبب الأساسي في ذلك، افتقار هذه القوى للبرامج الوطنية الهادفة التي تقود العمل السياسي والإداري إلى المسار المنشود . وفي المقابل تتمترس كل قوة أو حزب سياسي حول برنامجه الحزبي الضيق لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الحزبية والشخصية التي تلهث وراءها قيادة كل قوة أو حزب . وهذا المفهوم الضيق للعمل السياسي يقود بدوره إلى بيئة سياسية موبوءة بالخلافات والمكايدات والتشتت والاحتقان السياسي التي ظلت تصيب النخبة السياسية السودانية بوعكة إدمان الفشل القاتل ، كما يزعم الدكتور منصور خالد . فعلى سبيل المثال ، عند ما انطلقت المفاوضات المباشرة في الثالث من يوليو ٢٠١٩ بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي التي انتهت بالوثيقة الدستورية المعيبة ، خاض مفاوضو القوى السياسية المفاوضات في وضع هزيل وأقل تنظيما وأضعف رؤية من مفاوضي المجلس العسكري الانتقالي.
والسبب في ذلك ، تكالب سلسة من المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة التي أضرت بالموقف التفاوضي، بوقوع قوى نداء السودان فريسة لمخططات الاستخبارات الإمارتية قبيل أشهر من التوقيع على الوثيقة الدستورية ، كما يزعم الأستاذ محمد مصطفى جامع في مقال نشر على موقع “نون بوست” بتاريخ الثالث من نوفمبر ٢٠١٩ ، تحت عنوان “الشيوعي السوداني يهاجم الإمارات والسعودية ويتمسك بمبادئ الثورة.” فيه أشار الأستاذ جامع إلى “التواصل المكثّف لدولتي الثورات المضادة مع عدد من قيادات قوى الحرية والتغيير أثمر عن مهادنة عدد من أحزاب الحرية والتغيير للشق العسكري ، كما أخذ هؤلاء يكيلون المدح لقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي ينظر إليه السودانيون على أنه المخطط والمدبر الذي أعطى الأوامر لميليشياته التي تورطت في مجزرة القيادة العامة بكل ما فيها من أهوال .. قتل واغتصاب وتعذيب لم يتصوره إنسان.” وتردد في مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك ، أنباء عن تلقي قيادات ائتلاف نداء السودان دعما ماليا سخيا من دولة الإمارات رغم نفي هذه القيادات لتلك المزاعم  .
ولكن بغض النظر عن صحة تلك المزاعم أو بطلانها ، فإن تحركات نداء السودان المريبة تعتبر جزء من سلسلة إخفاقات تحالف الحرية والتغيير التي عصفت بالفترة الانتقالية. ومنذ تلك اللقاءات السرية ، كما يزعم الأستاذ جامع ، “لُوحظ كذلك التطبيع الواضح من الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة مع حميدتي الذي هو في نظر الثوار المتهم الرئيس في مجزرة القيادة إلى جانب باقي أعضاء المجلس العسكري ، فهناك ٣ من مدنيي السيادي شاركوا في تدشين قافلة صحية لقوات الدعم السريع.” غير أن الثوار بنظرتهم الثاقبة ، كانوا “لا يرون في حميدتي ولا البرهان رئيس المجلس العسكري إلا مجرد انقلابيين كانوا جزءًا لا يتجزأ من نظام البشير ، وينتظرون الفرصة الملائمة للانقضاض على السلطة كاملة ، وتنفيذ مخططات دول محور الشر السعودي الإماراتي بعدما رضخوا مؤقتًا للأمر الواقع وقبلوا بتقديم تنازلات لقوى الحرية والتغيير في الاتفاق الدستوري الذي تمّ توقيعه في السابع عشر من أغسطس ٢٠١٩.” وبالفعل قد حدث ما توقعه الثوار منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية.
ولا شك أن قوى نداء السودان قد أكلت الطعم وانهارت أمام استفزازات الدراهم الهائلة ، ولم تنتبه لنصائح المغفور له ، شيخ المناضلين والقانونيين ، علي محمود حسنين الغالية للثوار المعتصمين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية قبيل وفاته في الرابع والعشرين من مايو ٢٠١٩ ، حيث نصح القوى الثورية بعدم التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي ، وطالبها بتكوين حكومة مدنية بكامل هياكلها واستلام السلطة. ولكن للأسف الشديد ، لم تجد نصائح الخبير القانوني والسياسي آذانا صاغية، كما نوه البروفيسور مهدي أمين التوم في مقال نشر في صحيفة الراكوبة في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي تحت عنوان ، “أانتكاسة مُبَيَّتَة أم خَلَل ثَوري،” حيث علق متحسرا على إجراءات انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بقوله “لم نسمع نصيحة المرحوم علي محمود حسنين ، فذهبنا لحتفنا بأرجلنا وقَبِلنا مبدأ ألتفاوض مع العسكريين ، والثورة في أوج قوتها وعنفوانها ،  فسلَّمنا دقوننا للجنة البشير الأمنية ، في أجواء إملاءات ورجاءات ، بدل أن نفرض عليها إرادتنا الثورية ، ونستلم منها السلطة كاملة غير منقوصة ودون عَوَار أو حِوار !!! .”
بصرف النظر عن قبول المفاوضات والشراكة مع المجلس العسكري الانتقالي ، كان لعدم توحد رؤى القوى السياسية وتجاهلها لنصائح الأستاذ حسنين بتكوين حكومة انتقالية مدنية بكامل هياكلها دور سلبي كبير في تشكيل بيئة المفاوضات وتوجيهه لصالح المجلس العسكري الانتقالي . وآنذاك، كان المجلس العسكري الانتقالي في أضعف الحالات وأشد الارتباك الذي انتابه من جراء الضغط والحصار الدولي والإقليمي الذي ترتب على مجزرة القيادة التي صاحبت فض الاعتصام في الثالث من يونيو ٢٠١٩. فبينما كان المجلس العسكري الانتقالي على كامل الاستعداد لتسليم السلطة لحكومة مدينة، اكتشف هزال القوى المفاوضة وافتقارها لأدنى البرامج لقيادة الفترة الانتقالية . وكانت تلك مفاجأة غير متوقعة ، حيث شجعت العسكر على التمسك بالشراكة وتحقيق مكاسب غير متوقعة ، تمثلت في قيادة مجلس السيادة لمدة ٢١ شهر من جملة الـ ٣٩ شهر للفترة الانتقالية ، علاوة على أيلولة مسؤولية وزارتي الدفاع والداخلية ، بينما اكتفت القوى السياسية بالقيادة الموعودة لمجلس السيادة في الـ ١٨ شهر المتبقية ، والعمل كموظفين للسلطة العسكرية بدلا عن شركاء.
وليس ما ذكر أعلاه فحسب ، بل منحت الوثيقة الدستورية التي وقعت في أغسطس ٢٠١٩ مجلس السيادة صلاحيات كبيرة تجعله مسيطرا ومعرقلا لكل إجراء لا يصب في صالح أجندته الخفية .  في مقال نشر على موقع المعهد المصري للدراسات بتاريخ الخامس عشر من أغسطس ٢٠١٩ تحت عنوان ، “الوثيقة الدستورية السودانية : قراءة قانونية سياسية ، نوه الدكتور المحبوب أبو على مشيرا إلى أن الوثيقة الدستورية منحت مجلس السيادة “اختصاصات كبيرة حقيقية وليست شكلية سواء بصورة منفردة أو مشتركة مع مجلس الوزراء بعضها يتعلق بقضايا سيادية مثل إعلان الحرب أو الطوارئ ، وبعضها تشريعي يتعلق بإصدار قوانين حال غياب المجلس التشريعي.” وهذا فضلا عن إعلاء شأن قوات الدعم السريع كمنظومة عسكرية موازية للجيش بدلا عن تفكيكها ودمجها فيه ، وإعطاء المجلس السيادي مسؤولية “إعلان حالة الحرب بناء على توصية مجلس الأمن والدفاع ، وتتم المصادقة من خلال المجلس التشريعي الانتقالي خلال ١٥ يوم.” ولم تتوقف المسؤوليات المجلس عند هذا الحد ، بل امتدت “لإعلان حالة الطوارئ بطلب من مجلس الوزراء ، وتتم المصادقة عليه من المجلس التشريعي خلال ١٥ يوم” .
والأخطر مما سبق الذكر، أيلولة رعاية مفاوضات “السلام مع الحركات المسلحة بالتنسيق مع الحكومة،” إلى المكون العسكري ، مما سهل له إبرام صفقات سرية مع هذه الحركات أثناء مفاوضات جوبا لسلام السودان ، ولم تنتبه القوى السياسية ما جري خلف الكواليس حتى تكوين هذه الحركات كيان الحرية والتغيير جبهة الميثاق التي نسقت وشاركت في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي .  في تغريدة نشرت على “توتير” في الثامن عشر من الشهر الجاري تحت عنوان ، “عن خروج الحركات المسلحة من الخرطوم واتفاق جوبا السري ، “تحت التربيزة”، أسدل الدكتور فخرالدين عوض حسن عبدالعال الستار عن اتفاقيتين توصل إليهما الأطراف المتفاوضة في جوبا ، “واحدة معلنة وأخرى سرية كشفت عنها كثير من العناصر التي شاركت في المفاوضات .. وأطلق عليها مناوى ” اتفاقية تحت التربيزة.” وتتلخص أهم بنود اتفاقية جوبا السرية “تحت التربيزة “في”عدم الكشف عن المجازر التي حدثت في دارفور والمسؤولين عنها ، وعدم تسليم الحكم للمدنيين كما نصت الوثيقة الدستورية واستمرار البرهان رئيسا”.
فنواة الانقلاب الحالي هي ما “حدث في جوبا بين حميدتي والحركات المسلحة في مرحلة أولية ومن ثم انضم له الكباشي لاحقا”. وللأسف الشديد كان مفاوضو الشق المدني حينذاك مغيبين تماما من مجريات الأحداث ، وبل لم يفطنوا في فترة ما بعد الاتفاق لكل المؤامرات والدسائس التي كانت تحبك باستمرار لعرقلة مسيرة الانتقال الديمقراطي ودمغ المكون المدني بالفشل ، كما تردد على لسان البرهان وحميدتي باستمرار حتى المرحلة الصفرية التي انتهت بالانقلاب. ومن ضمن سلسلة إخفاقات القوى السياسية ، هو عجزها التام الذي ظهر في التعامل مع ملف التطبيع مع إسرائيل ، كما يزعم الأستاذ عبد الرحيم ضرار في مقال نشر في صحيفة الشرق في السابع من فبراير ٢٠٢٠ تحت عنوان ، سيناريوهات خطيرة لمضامين اللقاء .. ما الذي اتفق عليه البرهان ونتنياهو؟ ، مشيرا إلى حدوث “جدل حاد وتباين في المواقف شهدته الأوساط السودانية في أعقاب اللقاء الذي جمع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا في الثالث من فبراير الجاري.”
فبعد الجدل والارتباك السياسي الكبيرين حول انتهاك مجلس السيادة لصلاحيات مجلس الوزراء المنوطة بالعلاقات الخارجية ، اتفقت قوى الحرية والتغيير على رفضها القاطع للتطبيع مع إسرائيل ، وحجمت رئيس الوزراء الذي كان يزمع في التعامل مع الملف بحكمة وذكاء .  في رده على الانتقادات التي وجهت له آنذاك ، أصدر البرهان بيانا أعلن فيه عن لقائه مع نتنياهو مؤكدا فيه على إقدامه على هذه الخطوة “من واقع مسؤوليته بأهمية العمل الدؤوب لحفظ وصيانة الأمن الوطني”. ووصفت تقارير صحفية وتحليلات سياسية، كما يزعم الأستاذ ضرار “أن قبول البرهان باللقاء يمثل مجازفة سياسية ودبلوماسية كبيرة. في الوقت الذي فتحت فيه أبواب التساؤلات والسيناريوهات على مصراعيها عما تم الاتفاق عليه بين البرهان ونتنياهو ، خصوصا وأن اللقاء جاء في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عن خطة السلام المعروفة بـ “صفقة القرن ، والتي وافقت عليها عدد من الدول العربية ، كما تزامن اللقاء مع تحركات عواصم خليجية إلى إحداث اختراق في المشهدين الليبي واليمني بمساعدة من الجيش السوداني وبعض المليشيات القبلية”.
وما يعزز توقعات الأستاذ جماع ، حيث استطاع البرهان أن يمهد لانقلابه بتأمين قوى كبرى داعمة له كالجانب الإسرائيلي الذي له تأثير كبير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ، بينما وللأسف الشديد ظلت القوى السياسية تقرأ من كتب القرون الأولى التي لا يترجم محتوياتها متطلبات الراهن السياسي في الشرق الأوسط . والطامة الكبرى التي صاحبت الانقلاب هي الابتزاز السياسي الذي أوقع فيه السيد عبد الله حمدوك ، رئيس الوزراء المستقيل من لدن برمة ناصر ، رئيس حزب الأمة القومي وبعض القيادات الحزبية ، والذي انتهى بحرق السيد عبد الله حمدوك سياسيا وتنحيه عن منصبه. آنذاك ، كان الانقلاب على وشك الانهيار بسبب العزلة الدولية والإقليمية والضغط الثوري ، إلا أن تبني برمة ناصر ورفاقه الاتفاق السياسي الابتزازي نفخ له روحا جديدا . وما أقدم عليه برمة وناصر ورفاقه ، ربما لعدم صمودهم أمام استفزازات دولارات الذهب المنهوب ، هو ديدن الانتهازية البغيضة والخيانة التي اتسمت بها القوى السياسية السودانية منذ ميلادها.
فخلاصة ما ذكر أعلاه ، يعزز وصف قيادات القوى السياسية السودان بدراويش السياسة الذين لا يفقهون شيئا في السياسة سوى المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة التي لا تخاطب جذور الأزمة السياسية السودانية . وهذا الوصف يعززه مزاعم الدكتور منصور خالد في كتابه “النخبة السودانية وإدمان الفشل،” التي تلقي اللائمة على دور النخبة السياسية والمثقفة في التدهور السياسي ، والاجتماعي ، والفكري ، والأخلاقي في السودان. وما يمارسونه هؤلاء ، كما يزعم خالد ، ليس له صله بالسياسة ، إنما نفاق وانتهازية فكرية واقحام انتهازي للقضايا الدينة في القضايا السياسية المبدئية للوطن . فاليسار السياسي يشوبه التصلب الفكري الذي يدور في فلك القومية العربية والقضية الفلسطينية بمفهوم القرن قبل الماضي ، بينما تشوب اليمين السياسي الانتهازية الدينة التي تدور في فلك الإسلام العروبي بمفهوم ذات القرن . ولم يقدم أحد الفريقين مشروعا وطنيا يستثمر التنوع الثقافي والتاريخي والجغرافي والمعرفي لهذا الوطن ، ليخاطب متطلبات جيل العصر التكنولوجي ، بينما تطورت مدن وعواصم كثيرة في الإقليم بفضل موارد السودان الغنية بالثروات.
والسبب في ذلك ، لأن عاصمة اللآت الثلاثة هي الوحيدة التي ظلت تناطح الكيان الإسرائيلي لصالح القومية العربية والإسلام العروبي ، لتلحق مصير نظيراتها كبغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء التي أصبحت كبيوت الأشباح. يا حبذا إن تعي هذه النخبة جيدا ، أن القضية الفلسطينية ليست الأولوية التي تشكل مصالح السودان الوطنية العليا. ومن يريد أن يحرر فلسطين ، فليذهب إلى ميادين القتال مع حماس وكتائب عز الدين القسام وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية ، ولا ينبغي لأحد أن يجعل من السودان ميدانا لمنازلة الكيان الإسرائيلي . والسبب الرئيسي لتراخي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من إسقاط الانقلاب هو أن هذه القوى الدولية لا تدعم أي قوة سياسية معادية لإسرائيل تأتي في سدة الحكم ، طالما أمن وسلامة إسرائيل من ركائز سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط . وبالتالي السلطة الانقلابية التي تقيم علاقات قوية مع إسرائيل هي الأقرب للدعم لحكم السودان ، وخاصة في ظل تشرذم وخلافات القوى السياسية الراهنة.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..