السينما أصبحت ذكورية..هند صبري: فيلم «أسماء» أنصف مريض الإيدز.. وشركات الإنتاج تخوفت من إنتاجه

تجملت هند صبري بالسينما المصرية وتألقت تحت شمسها، وأصبحت ورقة رابحة وعلامة مميزة على نجاح أي فيلم أو مسلسل تلفزيوني تشارك فيه، حتى نسي الكثير من المصريين أنها فنانة تونسية، اكتشفتها قبل سنوات المخرجة إيناس الدغيدي وقدمتها في فيلمها «مذكرات مراهقة». في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» من القاهرة، فضفضت هند صبري بما يجيش بصدرها وتحدثت عن أحدث أعمالها الذي اعتبرته نقلة فنية على حد قولها، كما تحدثت عن همومها الخاصة، ورؤيتها للواقع الفني في تونس ومصر، بعد أن دشنتا ربيع الثورات العربية. وفي ما يلي نص الحوار.

* ماذا عن فيلم «أسماء» الذي تم عرضه بنجاح في مهرجان أبوظبي؟

– الفيلم استغرق وقتا طويلا في كتابته، نحو 4 سنين، وقام بكتابته المؤلف عمرو سلامة، وهو يتحدث عن فكرة تشغل كل العالم، وهي «مرض الإيدز»، وهو يدور في إطار درامي اجتماعي حول قصة حب بين بطلة العمل «أسماء» وزوجها، حيث تصاب بهذا المرض اللعين، ونرى من خلالها كيف يتعامل معها المجتمع ونظراتهم إليها، وكيف تتصدى لذلك، والعمل لا يتناول فقط فكرة المرض، بل نركز كفريق عمل على فكرة الخوف.

* لماذا كل هذا الوقت في كتابة سيناريو هذا الفيلم؟

– بصراحة، الموضوع صعب، فالتطرق إليه كان يحتاج إلى بحث كبير، وفكرة الإيدز موضوع له حساسيته، خصوصا في العالم العربي، وعمرو سلامة قام بالكثير من الجلسات مع مصابي مرض الإيدز، لكي يستقر على تجربة واقعية يتطرق إليها العمل، وأن نبتعد عن الأفلام الوثائقية، لأننا أردنا أن نخرج العمل بشكل درامي خارج عن تعريف المرض.

* هل اعترضت على أي مشهد أو جزء في السيناريو أثناء قراءته؟

– بالتأكيد ليس كل ما جاء في السيناريو وافقت عليه، ولكن في النهاية تم تنفيذ ما أراده المخرج لأن لديه رؤية معينة للعمل ككل، وقد أقنعني بها، وكان لدي وجهة نظر في بعض المشاهد وأقنعته بها، إضافة إلى أن عرض الفكرة جاء عن طريق المؤلف عمرو سلامة بعد الشروع في كتابة سيناريو الفيلم بسنتين تقريبا، وقد قمت بدراسة الموضوع معه بعد ذلك وتبادلنا الآراء حول الفيلم، وسألته عن كل ما يتعرض له الفيلم وكل ما يدور في مخيلتي عن الفكرة، وهذا ما جعلنا نتفق.

* كيف وثقت في مؤلف لديه تجربة سينمائية واحدة في التأليف مع أنك تختارين أعمالك بعناية؟

– بالعكس، المؤلف عنده مواهب كثيرة منها الكتابة، وأنا لا أحكم على الإنسان من خلال عدة أعمال، فمن الممكن أن يقوم مؤلف بعمل واحد ويكون عنده مؤشرات نجاح جيدة، وهذا ما حدث مع سلامة.

* ما الحوار الذي دار بينك وبين «أسماء» على الورق؟

– عقدت الكثير من جلسات العمل مع المؤلف عمرو سلامة الذي عاش كل تفاصيل القصة، قلت له أنا غير مهتمة بالمرض بقدر اهتمامي بامرأة عربية لديها أحاسيس ومشاعر قبل المرض، ثم أصيبت بالمرض، وأركز على نظرة المجتمع إليها بعد إصابتها بالمرض، وعن مرض الخوف من مريض الإيدز في العالم العربي بالكامل.

* هل تقصدين أن «أسماء» أصبحت رمزا للتناقض الذي نراه في مجتمعاتنا؟

– بالضبط.. فشخصية «أسماء» رمز للكثير من التناقض الذي يعيش فيه البعض، فهي امرأة عارفة حقوقها ولا تستطيع أن تأخذها مع محاولتها المستمرة في الدفاع عن مرضها، وهناك أيضا أشخاص لا يعانون من أي مرض ولهم أيضا حقوق ولا يستطيعون أن يأخذوها ولا يدافعون عنها.

* في «برومو» العمل الذي يتم عرضه الآن على الإنترنت قلت جملة وهي: «كنت زمان بنام في النور وبخاف من الضلمة، لكن دلوقتي مبعرفش أنا غير الضلمة، وبخاف من النور». ماذا تقصدين بهذه الجملة؟

– هذه الجملة تعبر فعلا عن كل الخوف بداخلنا، الذي نخاف أن نواجهه ولا نعرف كيف نخرجه للنور، والقلق من رد فعل المجتمع، وهذا ما يدور في الفيلم بالتحديد ومن الممكن أن يجعلنا نموت.

* مرض الإيدز منطقة محظورة لدى المجتمعات العربية، ألا تخشين من رد فعل الجمهور البسيط؟

– بالتأكيد قلقة جدا، فهذا المرض ليس إنفلونزا أو أي مرض عادي، والمشكلة أننا في الوطن العربي ليس لدينا خبرات سابقة في التعامل مع هذا المرض ونعتبره وصمة عار كبيرة، لكني قررت أن أعمل الفيلم وأنصفهم بعيدا عن الأحكام الأخلاقية أو السؤال التقليدي: «كيف جاء لهم المرض؟»، فهذه ليست مشكلتي، أيا كانت طريقة نقل المرض فلا يجب أن يتم الحكم عليه، فمن منا ليس بلا خطيئة؟ وليس معنى ذلك أن كل الإصابات بالمرض تتم بطريقة غير شرعية، لكن يوجد طرق كثيرة للإصابة، منها نقل الدم داخل المستشفيات. يجب أن نبتعد عن التفتيش في النيات، فهذا ليس دورنا، لا بد أن نحاول أن نقترب من الناس المصابين بهذا المرض، فبالتأكيد سوف نبرز هذه الظاهرة ونتعرف عليها بشكل أقوى، «مش خايفة» لأنني مؤمنة بهذه القضية جدا.

* هل جلست مع مرضى مصابين بمرض الإيدز؟

– بالتأكيد.. ويكفي أنهم قرروا أن يسقطوا القناع أمامي وأن يتحدثوا في كل شيء، وكان من الممكن أن يرفضوا مقابلتي وأن لا يذكرون أسماءهم.. جلست مع مرضى إيدز من كل الأعمار ومن كل الطبقات الاجتماعية المختلفة، ورأيت كيف يتعامل بعضهم مع بعض، وكيف يتجمعون في مجموعات واحدة ولديهم أشياء خاصة بهم، فرغم أنهم يعلمون أنهم سوف يموتون في أي وقت، فإنهم مع ذلك يعيشون بشكل طبيعي ويحاولون أن يبنوا مستقبلا لهم في العتمة، كما هو واضح في الفيلم، وإن المرض ليس هو الذي سوف يقتلهم، ولكن الخوف من المجتمع والجهل.

* هل تقصدين بكلمة «الجهل» أننا ليس لدينا توعية كافية كمجتمعات عربية بهذا المرض؟

– بالتأكيد.. هناك قلة وعي كبيرة، ونحن يجب أن نتخلص من الفزع من كلمة «الإيدز»، يجب أن نراهم بطريقة مختلفة بعيدا عن هذا الفزع. وللأسف شارك الإعلام في هذا الفزع، لأنهم كلما تناولوا هذا الموضوع تناقشوا بطريقة تدين مرضى الإيدز، حتى الأطباء، حيث يتعامل أغلبهم مع المرضى بشكل سيئ جدا، فهناك جهل عندهم، وهذا ليس له علاقة بالدراسة العلمية التي درسوها سبع سنوات وإنما له علاقة بمفاهيم خاطئة عاشت بداخلهم منذ سنوات، ويتوارثونها من جيل إلى جيل.

* لماذا تم اختيار حالة «أسماء» تحديدا؟

– اختيار موضوع الفيلم هو اختيار المؤلف عمرو سلامة، وشخصية أسماء هي تجميع لحالات كثيرة ولكن أسماء كان عندها نصيب الأسد أن تأخذ أكبر قدر من الأحداث، وللأسف أنا لم أقابلها لأنها توفيت قبل كتابة الفيلم، ولكن كما كان يقال عنها إنها شخصية من طبقة اجتماعية متدنية وعانت كثيرا، وكان لديها كاريزما عالية. ونحن قللنا من الدراما والحزن خوفا من أن لا يصدق الناس القصة، واختيار عمرو للشخصية لأنها أثرت فيه كشخص طبيعي، خصوصا أننا قابلنا أولادها، ورغم المعاملة السيئة التي كانوا يتعاملون بها معها، فإنهم يندمون الآن على هذه المعاملة.

* هل كان هناك صعوبة في إنتاج الفيلم من قبل المنتجين؟

– طبعا التجربة لم تكن سهلة، وكل شركات الإنتاج كان خائفة من هذا الموضوع، وأيضا البطلة فنانة، فالعرض لم يكن مغريا لأي منتج والموضوع فيه مغامرة كبيرة من المنتج الذي يقوم بإنتاج مثل هذا العمل، فهي مجازفة من وجهة نظرهم، لكن الحمد لله أن العمل ظهر للنور بمساعدة شركتي الإنتاج القائمتين على العمل، وأوجه لهما رسالة شكر.

* لكنّ المنتجين يعلمون أنك نجمة شباك، وهذا يكفي لكي يتحمسوا لإنتاج هذا الفيلم مع فنانة مثلك.

– لا، المسألة ليست فكرة نجومية فقط، فالحمد لله النجومية موجودة ولكني أرى أن السينما أصبحت ذكورية، وصعب للفنانات أن يأخذن فيلما كهذا، وأرى أن الفنانات مظلومات في هذه الجزئية، وبصراحة ليس كل يوم سيعرض علي فيلم مثل فيلم «أسماء»، فمعظم السيناريوهات تكتب للفنانين، والمرأة تأتي كسنيدة للبطل، وهذا ما قمت به من قبل وأفخر بذلك في كثير من الأفلام مثل «عمارة يعقوبيان» و«إبراهيم الأبيض»، ولكني كنت محظوظة لاختياري لأداء فيلم «أسماء».

* الفيلم تم عرضه في مهرجان أبوظبي، ودائما الأفلام التي تعرض في المهرجان تصنف على أنها أفلام مهرجانات، ولا تحقق رواجا جماهيريا.

– طبعا هناك مشكلة في أفلام المهرجانات، وأنا لا أؤيد هذه التسمية، فهي أعمال من وجهة نظر المؤلف، وهي أفلام من نوع خاص لا تخاطب الجمهور بشكل مباشر، فصناع العمل يتحدثون عن وجهات نظرهم دون النظر إلى ذوق الجمهور، ويطلق عليها الأفلام النخبوية، ولكني أرى أنهم لا بد أن يتقبلوا العمل التجاري والفني في نفس الوقت، فأنا لست ضد فيلم المهرجانات، كالتوليفة التي حدثت في فيلم «عمارة يعقوبيان»، وكذلك فيلم «الجزيرة»، لم يتوقع أحد أن يأتي بمثل هذه الإيرادات، فهو فيلم لم يكن تجاريا وفيه كثير من العنف وكان قصة جديدة ومضمونا جديدا، ولكنه أعجب الناس، وأتمنى أن نتخلص من أن يصنف فيلم المهرجان على أنه فيلم غير تجاري، ففيلم «أسماء» ليس به عناصر جذابة كثيرة ولا أعلم إذا كان سوف يحقق نجاحا جماهيريا كبير أم لا، ولكني أتمنى أن يدخل الجمهور الفيلم ويرى العمل من خلال الصدق الذي قمنا بعمله داخل الفيلم.

* فيلم «أسماء» هل من الممكن أن يتشابه مع فيلم مثل «جنينة الأسماك» الذي حصد جوائز كثيرة ولكنه لم ينجح جماهيريا؟

– لا، الفيلمان مختلفان، فيلم «جنينة الأسماك» حصل على إشادة بالغة من النقاد، ولكنه عندما وصل إلى دور العرض لم يحقق الجماهيرية المطلوبة لأن الناس لم تفهم الفيلم، واللوم هنا يرجع إلى المخرج يسري نصر الله صانع الفيلم لأنه عمل فيلما من وجهة نظره، ولكني قبلت الفيلم لخصوصيته، وأرى أننا لا نستطيع أن نحكم على ذوق الجمهور، ولكن لا بد أن نعمل فنا جيدا وليس «بيزنس» وأن يكون له مقاييس فنية وتجارية معا.

* هل ترين أن دور يسرية في فيلم «أحلى الأوقات» يتشابه إلى حد ما مع شخصية أسماء من حيث الشكل الخارجي؟

– أرى أن يسرية وأسماء فيهما 80% من حيث الشكل الخارجي، أو الست المصرية، أي من الشخصيات التي عندما تنزلين إلى الشارع تجدينها متداولة بين الناس، غير شخصية ليلى في «لعبة الحب» وحورية في «إبراهيم الأبيض»، ولكن الفرق بين الاثنتين أن يسرية في طبقة أعلى من أسماء التي هي من الطبقة الكادحة.

* لماذا أغلب أدوارك تدور في خط الست المصرية الكادحة؟

– من الممكن أن يكون هذا قريبا من تفكيري، وأنه ليس صدفة وموجود في اللاوعي عندي، فأنا بالفعل أحب هذه الأدوار وأحب تجسيد الطبقة المهمومة والمشغولة دائما بتربية الأولاد، وكذلك الهموم اليومية تكون أرضا خصبة للدراما، على عكس الشخصيات المرفهة، تتعب كثيرا عندما تخلق منها دراما، ولكن الحزن والكبت هما من يخلق الدراما.

* علق بعض النقاد على «أسماء» في مهرجان دبي وقالوا إن هند صبري حملت العبء الأكبر في الفيلم.

– هذا شرف كبير جدا، أن تقال هذه الجملة عني، وبعضهم حدثني عبر الهاتف وأشاد بي وقال إنها خطوة جيدة في تاريخي الفني ونقطة فاصلة في مشواري، وهذا الكلام يجعلني أخاف من القادم والجديد الذي سوف أقدمه. وأنا أجسد شخصية أسماء كنت أعلم أنه لن يأتي لي دور مثل ذلك، و«أسماء» جعلني أعيد حساباتي في اختياراتي مرة أخرى.

* لماذا أنت بعيدة عن السينما التونسية، رغم أنك قمت بالكثير من الأعمال في تونس وكانت ناجحة؟

– أنا أعتقد أن الفنانين في تونس يخافون مني لأنهم رأوا أن اسمي كبر، وهذا يتطلب ميزانية كبيرة لي وللفيلم الذي أقوم به، لكن أتمنى طبعا أن أشتغل في أعمال تونسية في بلدي على الرغم من ركود السينما هناك وقلة دور العرض وقاعات السينما، حيث لا يوجد أي اهتمام من النظام السابق بالفن، فالجمهور نفسه ابتعد عن الأفلام التونسية لأنها لا تمثله ولا تتحدث عن قضاياه، فكانت الأفلام التي تنفذ تأتي عن النخبة التي تملك المال، وكذلك التوزيع الخارجي غير موجود في تونس، لكني متفائلة في الفترة القادمة أن يكون هناك نهوض في السينما التونسية وأن نبني قاعات جديدة حتى نخرج من هذه الأزمة ويكون هناك رواج في السينما التونسية.

* لو عرض عليك عمل يتحدث عن الثورات العربية هل تقبلين أم تخافين أن تحسبي على تيار بعينه؟

– أنا قمت بعمل فيلم عن الثورة في مصر اسمه «18 يوم» مع المخرجة مريم أبو عوف، وعرض في مهرجان أبوظبي، والفكرة أعجبتني جدا لأنها تحمل كل المعاني من فرح وخوف وحزن، ولكن فيلم عن الثورات بشكل خاص أتصور أن هذا ليس وقته، لأننا لم نكوّن فكرة نهائية عن أي ثورة من خلال بدايتها ونهايتها.

* نفيت شائعات اختيارك لتجسيد شخصيتي سوزان مبارك وليلى الطرابلسي. لماذا؟ وأيهما تفضلين أن تجسديها؟

– الجرح ما زال مفتوحا والتاريخ لا يزال يكتب والناس ما زالت «تعبانة»، وأرى أن هذه الأدوار مغرية جدا لأي ممثلة، ولكني لا أعلم فكرا معينا عن هذه الشخصيات الآن، وإذا أردت أن أقوم بدور واحدة منهما فبالتأكيد ستكون ليلى الطرابلسي لأن هناك شغفا عند التونسيين لمعرفتها وماذا كانت تفعل في البلاد أثناء فترة حكم زوجها.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..