استقالة قوش!!

سرتْ في بعض وسائط التواصل الاجتماعي إشاعة عن استقالة الفريق أول صلاح عبد الله ?قوش? مدير عام جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. كثير ممن يفهمون جيداً لغة أثير الوسائط لم يتوقفوا فيها لتكرار نفي مثل هذه الاستقالات.. ولكن!!

من الفطنة أن لا نفترض أنَّ الإشاعات تنطلق جزافاً بلا منصات موضوعية تختار الزمان المناسب للإشاعة المناسبة.. فمن الواضح أنَّ الاستقالة لم تنسب لرئيس الوزراء السيد معتز موسى ولا أي من قادة الجهازين التنفيذي أو السياسي.. وفضلت اختيار مدير الأمن.. فيطفر السؤال المنطقي.. ولماذا استقالة مدير الأمن والمخابرات بالتحديد؟

من الواضح أنَّ الأمر له علاقة بتسريبات في الأيام الماضية عن خلاف داخل الجهاز التنفيذي حول بعض الملفات الاقتصادية (الحساسة!).. ومصدر حساسيتها أنَّ إدارتها بيد التنفيذيين الاقتصاديين ولكن أوزارها تقع على أم رأس جهاز الأمن مباشرة، فطبيعة بعض القضايا الاقتصادية تضرب في صميم الاستقرار السياسي والأمني للبلاد بما يجعلها ?ملفات أمنية? بامتياز..

مثلاً؛ توفير الدقيق والخبز مسألة اقتصادية في كنف إدارة المؤسسات الاقتصادية.. لكن عواقبها ?أمنية? مثل تلك التي جرت في شوارع الخرطوم في التسعينيات، حينما أصدر والي الخرطوم ?آنئذٍ- السيد بدر الدين طه قراراً أدى في اليوم التالي مباشرة لاختفاء الخبز تماماً، فانطلقتْ مظاهرات داوية في الشوارع كانت واحدة من أخطر المحكات الجماهيرية التي واجهت حكم الإنقاذ في تاريخه.

وفي يوليو 2012 ثم سبتمبر 2013، كانت شرارة المظاهرات قراراتٍ اقتصادية أدت لارتفاع في أسعار الوقود والضروريات الأخرى..

الآن؛ في هذه الأيام المُترعة بالأزمات الاقتصادية، بينما يقيس السيد معتز موسى بمنتهى القلق أطوال الصفوف أمام محطات الوقود والمخابز والصرافات، فإنَّ الأجهزة الأمنية تقيس طول ما تبقى من صبر الشعب على هذه الأزمات.. وقد صار (طوله عَرض النَّجاد) كما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي.

وللأجهزة الأمنية مبدأ راسخ أنَّ (الأمن لا يحتمل التجريب Trial and error)، فمن الحكمة إذاً أن تكون مثيرات التهديد الأمني هي أيضاً لا تقبل التجريب.. من مثل ماهو كائن الآن في القرارات الاقتصادية المتواترة..

لكن الواقع الآن، أنَّ المشهد الاقتصادي أقرب لحامل العصا البيضاء، يتلمس طريقه بطرف العصا في (ظلام رهيب كفيف البصر).. ليس مجرد (تجريب) بل هو عين (التخبيط)..

في مثل هذا الطقس الملبد بالغيوم، تنضج مثل هذه الأخبار على نار الأزمة.. فيكون السؤال إلى متى؟ إلى متى (التجريب)؟

الصورة واضحة الآن، رغبة رئيس الوزراء صادقة في التصدي للأزمة والتعافي منها.. لكن من قال إنَّ الأزمات تحل بالنيات؟

الدولة تكابد حالة انفصام شخصية خطيرة للغاية.. جهاز تنفيذي ضعيف غارق في الأزمات يقف خلفه حزب عريض المنكبين منشغل بترتيبات الانتخابات.. وهو لا يدري أنَّ رصيد ?محاسن الصدف? لا يكفي لقطع المسافة حتى 2020.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..