مقالات وآراء سياسية

الحروب وتحديات التنمية ؟

دنيا دبنقا
نور الدين بريمة

أعتقد أن الحديث وإلقاء الضوء على التنمية ومساراتها، لمناطق النزاعات والحروب في السودان، حسبما تقتضيه الإختلالات، وتداعياتها المتصاعدة، من حين إلى آخر، لا تعدو أن تكون إعمارا حقيقيا بل هي ذرا في رماد التنمية، لا يمكن للمرء إغفالها، دونما يضع في إعتباره الأسس والقواعد، الداعمة والمعززة لقيم السلام والإستقرار، لأن تجلياتها تتمظهر في توفير الخدمات ومنشئاتها الضرورية لخدمة المواطنين، سيما بمناطق النزاعات والحروب- (دارفور نموذجا)- وهذا لا تخطئه عين البصر والبصيرة، شاهدنا فيه: أن ما تم بناؤه وإعماره في مناطق الحروب والصراعات، لا تغدو كونها أن تكون أكثر من الرمي بحجر، في بركة متلاطمة الأمواج، لأنها لم تكن تنمية ولا إعمارا حقيقيا، لطالما ان تلك المناطق لم تزل تتمارى وتتصارع قمعا وفقدا للأرواح، ولم تشهد سلاما أو إستقرارا على الأرض، وبالكاد فإن ما تم من بناء وإعمار، شابه التلف والقصور في المواصفات الفنية، مثلما غاب عن التنمية فيه- الإهتمام بالكادر البشري- الذي يمثل العمود الفقري وحجر الزاوية للعملية التنموية، وعدم تمكينه بالعلم والمعرفة، ورفع حسه التوعوي، في كيفية التعامل مع الذات، ثم التعامل مع الغير، ومن بعد التعامل مع المنشئات والبنى التحتية، والحفاظ عليها، لأن التنمية بمفهومها الشامل، ترتكز على الإنسان ورفع قدراته في إستغلال الموارد، وإحداث التفاعل بينه وبيئته، للعيش في سلام وإستقرار، والمتتبع لمسار التنمية بمناطق الحروب والنزاعات، يقرأ من بين السطور: تجليات اللاوعي، والتلاعب بعقول الناس، حيث إنه قد تم تسخير الموارد في مناطق غير آهلة بالسكان، وبالتالي ظلت: الحمير، والكلاب، والمواشي، هي الزائر والزبون الدائم للمراكز والدور، لتشاطرها في ذلك، طيور: الغربان، والوطاويط، ولم يستفد منها الإنسان: إما بسبب: فقرها للكادر البشري المؤهل، أو لغياب المواصفات الفنية أو الأدوات الصالحة لذلك، علاوة على بعد (بضم الباء) تلك البنى التحتية عن المناطق الآهلة بالسكان، وكلها أسباب ودوافع تعزز ما ذهبنا إليه من قول وزعم، وبالتالي هذا هو واقعنا، الذي لا يصعب معالجته، بأي حال من الأحوال، ولكن بالتأكيد تواجهه تحديات كثيرة ومثيرة ومتداخلة، بين السودان ودول الجوار، أولها: التنافس على إستغلال الموارد الكامنة في الأرض، مثل؛ (مناجم الذهب، موارد المياه والكلأ)، وثانيها: صراع السلطة والثروة، أما ثالثها: ما نتج من نزاعات وصراعات، بين هذه الحركات التحررية المطلبية، لهذه الدول المتجاورة، ومآزرتها لبعضها، والدور الذي لعبته السلطة في هذه الدول ودعمها لبعضها، مثل: (الحركات التحررية في السودان، وحركة محمد نوري التشادية، وحركة السلكة في أفريقيا الوسطى)، التي وجدت دعما ومساندة، إما من دول الجوار، أو من الحكومة السودانية السابقة، وذلك من خلال تجييشها للمليشيات العربية، ضد أنجمينا وبانقي، أو دعم الحركات السودانية ضد الحكومة السابقة، الأمر الذي أدى رابعا: إلى دعم المحاولات الإنقلابية، في أنجمينا وبانقي والخرطوم، وخامسا: ما تناولته، وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، من دور لقوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح في دارفور ومساعدتها لخليفة حفتر، وإزكائها لنيران الصراع الليبي الليبي، ثم سادسا: التحالفات القبلية التي تمت مع بعض القبائل، أو ما بين القبائل وبعض الحركات، لدعم بعضها بعضا، إلى جانب سابعا: النزوع إلى التشظي والإنقسام، الذي لازم قيادات الحركات، بسب التباينات الإثنية والجهوية، والتمترس والتزيي بثوب الذاتية والنرجسية، وبروز ظاهرة التسلط، والأحادية في إتخاذ القرارات، كل تلك التجليات والتحديات، تضاف لها ثامنا: ظواهر التهريب والنهب المسلح للمواشي والسلع، وتجارة السلاح والمخدرات، والممنوعات، لتطفو على السطح أخيرا ظاهرة تجارة سيارات (البوكو حرام)- أي السيارات- خارج الإطار القانوني، ونعتقد تاسعا: أن التنقل والتحرك لبعض القبائل: كالزغاوة والرزيقات، والفلاتة، بين دول الجوار، تعتبر إحدى التحديات، التي قد تخلق نزاعات قبلية، وصراعات في الحدود والحواكير، ستؤرق مضاجع العيش في سلام وإستقرار دائمين، وهي لا تقل تاثيرا عن، عاشرا: ظاهرة التنقيب العشوائي للذهب عبر الحدود، في المناطق الحدودية لجنوب غرب جنوب دارفور، مثل (سنقو، أم دافوق، ومناطق ابو حمد في الشمال، والنيل الأزرق وجنوب كردفان)، وتوافد مختلف القبائل والجنسيات إلى هذه المناطق، وما يمكن أن تتناقله من ثقافات وقيم تؤثر سلبا على التعايش والإستقرار، وما يمكن أن تقوم به هذه الجنسيات من أدوار إستخباراتية، تؤثر سلبا على الأمن والإقتصاد في البلد، وعليه نقول: إن التنمية في مناطق الحروب، ينبغي أن تبنى (بضم التاء) على أسس وقواعد تجعل من الإنسان هو الهدف الأول والمستفيد- مضمونا وشكلا- فضلا عن ضرورة إحداث التغيير الفعلي، وسط المجتمعات المتلظية والمسطلية بنيران الأمية والجهل والتخلف، وضرورة إحداث تنمية متوازنة، تجعل من المواطنين كتلة بشرية، تسعى للوحدة والسلام والإستقرار، حيث إنه لا طعم ولا رائحة لتنمية بدونها، خاصة في بلد ظل ثلث أهله يتنازعون ويصطرعون ويحتربون بينهم، دونما مصوغ عقلاني، فيما ظلت البقية تتفرج سنين عددا، لذلك لا أحد يكابر في أن الظلم والفساد وحروب الوكالة، عطفا على التداخل الإثني والقبلي، والتشابه في القضايا والمشكلات، بين السودان وجيرانه، تأثرت بها مناطق الهشاشة والحروب والصراعات- أي أنها- تأثرت بما يحدث في: (تشاد، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان) نتج عنها ثورات مفاهيمية، وحركات كفاح مسلحة، أحدثت إستقطابا وتدافعا قبليا مضادا، لنصرة من يطلب النجدة والمناصرة، في الداخل والخارج، مما أفرز هذا التداخل والتدافع، ثقافات وقيم سالبة، تركت سلاحا وجراحا وأنينا وبكاء، وسط المكونات الإجتماعية، وآثارا للسلب والنهب المسلح، ولم تندمل جراحها، لأن ثقافة الدعم والمناصرة القبلية، والحماية لمعتادي الإجرام، لم تزد جراح الوطن إلا إعورارا، زادت على طينه بلة- الحكومة السابقة- وهي تستقوي ببعض القبائل ضد أخرى، فقامت بتسليحها وتمكينها أمنيا وسياسيا وإقتصاديا وثقافيا، لتنوب عنها في محاربة ما أسمته بالتمرد، حتى تفرقت دماء التنمية بين التمكين القبلي، والإنقلابات الفاشلة، كذلك لا ينكر أحد، أن للهجرات الداخلية والخارجية، تأثيراتها ونتائجها السالبة على التنمية، مما يتطلب إيلاء أمر التنمية والسلام والإستقرار إهتماما متعاظما، لأنها تشكل أضلاع المثلث (سلام، إستقرار، تنمية)، التي لا فكاك ولا مناص من تحقيقها على الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..