خلط العام بالخاص.. المحب والكاره شهادتهما مجروحة.. علاقة وعمل

الخرطوم – عصمت عبد الله
يختلف الكثيرون حول تقييم الأشياء، فمنهم من يصفها بالحسن ومنهم من يصفها بالقبح، فيسلكون مسالك شتى، ويرجع الأمر إلى التقارب بين القبيح والحسن فيها، وبين هؤلاء وأولئك يجلس المحايدون؛ لذا يرى المختلفون – وتدعمهم في ذلك أذواقهم وآراؤهم المختلفة كذلك ? أن الشيء المختلف حوله، يحظى باهتمام أكثر من المتفق حوله، لاعتزاز كل فريق برأيه، ومن هنا يدخل الاختلاف في باب الجيد وليس السيء، وكل ذلك ليس بغريب أو مثار جدل.
لكن عندما يصل الشيء مرحلة واضحة الحسن أو القبح، فلا بد من وصفها بصفتها المرئية والمعلومة، فالشارع النظيف يتوجب وصف بالنظيف، لأنه نظيف وليست به أي (قشاية طايرة)، أما الشارع المليئ بالقاذورات والنفايات والأتربة فلا يُعقل أن نصفه بالنظيف، وهذا ما لا يُختلف حوله، بيد أن هناك أناسا قد يختلفون معك، ويقولون لك إن هذا الشارع نظيف، في حين أنه في الحقيقة غير نظيف البتة، وهم لا يعنون إلا أنت، يرون رأيك غير سليم.. يعمدون إلى انتقادك، فقط لمجرد أنهم لا يحبونك على غرار (لو طار غنماية).. وهو ما يسمى (خلط العام بالخاص) أو (لخبطة الكيمان).. فهؤلاء قد يجادلونك في اللون الأبيض ويقولون إنه ليس أبيض وكذا الأسود يؤكدون لك أنك لا تعرف الألوان.
طريقة التعامل
والخلط بين العام والخاص يشمل شتى مناحي الحياة، وقد يطول القول عنه ويصل إلى آلاف المطبوعات والصفحات الإلكترونية، وهو أمر يتأذى منه كثيرون جداً، ولنأخذ نماذج منه. فعلى سبيل المثال في العمل قد يُعامَل موظف كفء أسوأ معاملة من مرؤوسيه، فقط لمجرد أنه لا يرائي، ولا يداهن.. وقد يضمرون له الغل والحقد، ولا يتركون سانحة إلا وانتهزوها لانتقاده حتى في أشيائه الشخصية، إن لم يجدوا غيرها، وقد يفتعلون ما يبررون به ما أقدموا عليه في الشأن الموظف الكفء، فيتأذى من ذلك.. والمثل السوداني (الما بدورك في الضلمة بحدر ليك) يعبر عن هذه الحالة، وقد راح كثيرون ضحايا لخلط العام بالخاص، في حين نال مراتب عليا وجوائز وحوافز وهبات من لا يستحقونها، فقط لمجرد أنهم داهنوا ونافقوا، بل هم أدنى كفاءة.
ميزان العدل
الشخص الذي يحبك إنْ أجزل في الثناء عليك، وإن قارب أو لامس ثناؤه الحقيقة؛ فلا يعتد به وبرأيه، فهو لا محالة يراك جميلاً ويرى كل شيء فيك جميلاً، فأنت بالنسبة له ملاك.. وكذا الشخص الذي يكرهك، فانتقاده لك، ومحاولته إظهار عيوبك، وإن جاءت أقرب للحقيقة، فلا شك أن محاولاته مخلوطة برأي شخصي.. فالمحبون والكارهون ? إلا ما ندر منهم ? يفتقدون لميزان العدل في تقييمهم وحكمهم على الأشخاص الآخرين. والعادلون منهم ينحون بالعلاقات الخاصة منحىً بعيداً حين الحكم، بل يجتهدون في ذلك.. حتى لا يتضرر آخرون.. فالموظف صديق أو أخ المدير لا يُسمح له بالتأخُّر عن العمل أو التهاون، إن نأى هؤلاء بالعلاقات الخاصة ولم يخلطوا بين العام والخاص أو تعاملوا بعدالة، فأما إن لم يفعلوا فلا شك أن المؤسسة أو المصلحة ستسير على أنقاض القيم والمثل والكفاءة.
منحى شخصي
من السهولة جداً أن يتحول العام إلى خاص وشخصي، بنقل وشاية أو زرع فتنة، أو محاولة آخرين تجريمك ولو بأصغر الأخطاء ولو كان دون قصد، فلا ريب أن العلاقة هنا تنحرف نحو المنحى الشخصي، وقد تصل إلى مرحلة العداء.. ولكن من الصعوبة والنادر جداً أن يتحول الخاص إلى عام، فمهما حاول الشخص إظهار ما يبطنه من حسن نية لدى من يرونه سيئاً، فلا يستطيع تغيير نظرتهم إليه، وإن اجتهد.
ويدخل – أيضاً – في شأن خلط العام بالخاص استغلال النفوذ والسلطات لتحقيق أشياء شخصية، وأحياناً يتم – عبر الاستغلال – إيذاء شخص والانتقام منه، بل والأدهى والأمر، أن هناك من يحكمون على آخرين حسب أمزجتهم، ووفق النظر إلى ظواهرهم فقط، دون معرفة ما يحملون في دواخلهم، ودون الاستماع إلى آرائهم، فيضعون في أخيلتهم أن الآخرين هؤلاء مجرد أدوات وآلات يُفعِّلونها متى أرادوا، ويستفيدون متى راقت أمزجتهم وأهواؤهم. وكذلك استخدام الممتلكات العامة في أشياء خاصة، كسيارة وكمبيوتر وهاتف العمل وملابس وغيرها يُعدُّ خلطاً للعام بالخاص.
ضرر العلاقات
الحديث عن خلط العام بالخاص يطول، لما يسببه من أضرار وتأثير سلبي جداً، فهو يضر بالعلاقات بين الأفراد والأعمال، ما يتنتج ? أحياناً ? محاباة وظلماً لآخرين، لذا من الأوجب الفصل وعدم الخلط بينهما، وهذا أبقى وأحفظ للعلاقات سليمة وحسنة، ومدعاة للتعامل بعدل

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..