مختصون: النفط سيصل لـ 70 دولارا لكن الحفاظ على السعر ليس سهلا

يستهل سوق النفط الخام العام الجديد على خطوة تاريخية طال انتظارها حيث يبدأ تطبيق أول اتفاق لخفض الإنتاج بين 22 دولة من “أوبك” والمنتجين المستقلين بحجم 1.8 مليون برميل يوميا، حيث يتوقع المختصون أن يكون له انعكاسات إيجابية واسعة على استعادة التوازن السوقي بعد قرابة ثلاثة أعوام من تراجع الأسعار بسبب اختلال العلاقة بين العرض والطلب نتيجة تخمة المعروض وتفوقه على الطلب بنحو مليوني برميل يوميا.

واتفاق خفض الإنتاج الذي بدأت أولى بشائره أمس كان ميلادا صعبا وبعد مخاض عسير، سبقه على مدار العام المنصرم مفاوضات ومباحثات مكثفة بين منتجي النفط في العالم، تعثرت منها العديد من المحاولات قبل أن تظهر طاقة النور في أخر النفق وبالتحديد في اجتماع الجزائر في 28 أيلول (سبتمبر) الماضي حيث فاجأت “أوبك” السوق لأول مرة بالتوافق بين أعضائها على خفض إنتاج دول المنظمة مجتمعة إلى مستوى 32.5 مليون برميل يوميا.

ثم اكتملت ملامح الصورة واتضحت معالم خطة المنتجين من خلال اجتماعي فيينا في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) و10 كانون الأول (ديسمبر) الماضيين والذي تم خلالهما تحديد حجم خفض إنتاج “أوبك” بـ 1.2 مليون برميل يوميا مع التوافق على حصص كل منتج وتحملت السعودية العبء الأكبر بنحو 486 ألف برميل يوميا، فيما تم التوافق على حصة المنتجين المستقلين بحجم 558 ألف برميل يوميا، وتتحمل روسيا وحدها 300 ألف برميل من هذا الحجم.

وتشارك 11 دولة من “أوبك” بخفض إنتاج بحجم 1.2 مليون برميل يوميا وهذه الدول هي: السعودية بـ 486 ألف برميل، والعراق بـ 210 آلاف برميل، والإمارات بـ 139 ألف برميل، والكويت بـ 131 ألف برميل، وفنزويلا بـ 95 ألف برميل، وأنجولا بـ 87 ألف برميل، والجزائر بـ 50 ألف برميل، وقطر بـ 30 ألف برميل، وإيران بزيادة إنتاج بحجم 90 ألف برميل.

فيما لم تحدد “أوبك” موقف الجابون والإكوادور حيث تشاركان بنسب محدودة، بينما تم إعفاء نيجيريا وليبيا وتجميد عضوية إندونيسيا.

كما تشارك 11 دولة من خارج “أوبك” بخفض 558 ألف برميل يوميا وهي: روسيا بـ 300 ألف برميل يوميا، والمكسيك بـ 100 ألف برميل يوميا، وسلطنة عمان بـ 45 ألف برميل يوميا، وأذربيجان بـ 35 ألف برميل يوميا، وكازاخستان بـ 20 ألف برميل يوميا، وماليزيا بـ 20 ألف برميل يوميا، وغينيا الاستوائية بـ 12 ألف برميل يوميا، والبحرين بعشرة ملايين برميل يوميا، وجنوب السودان بثمانية آلاف برميل يوميا، وسلطنة بروناي بأربعة آلاف برميل يوميا، والسودان بأربعة آلاف برميل يوميا.

وتوقع المختصون أن تكون بداية تفاعل السوق اليوم مع تطبيق خفض الإنتاج قوية كردة فعل أولى على هذا الاتفاق الذي وصفته أغلب المؤسسات المالية والاقتصادية في العالم بأنه تاريخي ومحوري وسيشكل ملامح جديدة لسوق النفط حول العالم.

وفي هذا الإطار، توقع لـ الاقتصادية”، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن يحصد النفط الخام خلال الأسبوع الجاري مكاسب سعرية جيدة وربما يسجل الخام قفزات مرتفعة في الأسعار بسبب بدء تطبيق اتفاق خفض إنتاج النفط الخام إضافة إلى الأجواء التفاؤلية المحيطة بالاقتصاد العالمي في العام الجديد.

وأشار ديبيش إلى أن فائض المخزونات وتخمة الإمدادات ستتقلص تدريجيا مع مرور الوقت وذلك في ضوء توقعات بتطبيق ناجح والتزام جيد لاتفاق خفض الإنتاج متوقعا أن يبلغ السوق حالة جيدة من التوازن بحلول منتصف العام الجاري وبالتزامن مع موعد إعادة تقييم اتفاقية خفض الإنتاج منوها إلى أن أغلب الظن أن الأسعار ستكون ما بين 65 و70 دولارا للبرميل.

ونوه ديبيش إلى أن أغلب المنتجين أبلغوا بالفعل زبائنهم ببدء تقلص الإمدادات اعتبارا من أول الشهر الجاري وهو ما يعكس جدية تنفيذ الاتفاق والقناعة القوية بقدرة الاتفاق على تحقيق التوازن المنشود وتعافى الأسعار إلى المستويات الملائمة لكل من المنتجين والمستثمرين وحتى المستهلكين.

من ناحيته، يقول لـ “الاقتصادية”، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن اللجنة الخماسية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج تطلع بمهام جسام وستكون بمنزلة رمانة الميزان التي تضمن بلوغ الاتفاق مستويات النجاح المأمولة عبر تقييم أداء المنتجين ومدى التزامهم بالحصص المتوافق على تخفيضها وفق اتفاقي فيينا الأخيرين.

وأضاف فاسولي أن اللجنة الخماسية أحسنت عندما قررت بدء أولى اجتماعاتها مبكرا في 21 و22 يناير الجاري في فيينا بعد ثلاثة أسابيع من بدء تطبيق الاتفاق لرصد التفاعلات الجديدة للمنتجين وردود الأفعال في السوق وتحليل مستوى الأسعار الذي من المتوقع أن يحقق هذا الشهر مستويات جيدة من المكاسب ويتخطى حاجز 60 دولارا للبرميل.

ونوه فاسولي إلى أن اللجنة يجب ألا تركز جهودها على مراقبة تطبيق اتفاق خفض الإنتاج بل تراقب كل المتغيرات المرتبطة به مثل احتمال حدوث نشاط واسع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي إلى جانب توقع حدوث طفرات في إنتاج الدول المعفاة من الاتفاقية وهي ليبيا ونيجيريا.

وأشار فاسولي إلى أن اتفاق خفض الإنتاج أخذ تحضيرات واسعة ودراسات مسبقة مستفيضة حتى يخرج بهذا الشكل حيث جرت اتصالات مكثفة بين المنتجين على مدار نحو العام في عواصم عدة من الدوحة إلى الجزائر ثم فيينا منوها إلى أن التحضير الجيد هو نصف النجاح ولذا فإن فرص نجاح الاتفاق كبيرة في ضوء وجود رغبة دولية واسعة لإصلاح الخلل في السوق وإنعاش اقتصاديات الدول المنتجة ودفع الاستثمارات للنمو لتأمين الإمدادات في المستقبل.

إلى ذلك، أوضح لـ “الاقتصادية”، ردولف هوبر الباحث والمختص في شؤون الطاقة، أن ما تم الاتفاق على خفضه من إنتاج النفط لا يمثل سوى 2 في المائة من المعروض العالمي، وهو غير كاف لإنعاش الأسعار بشكل مستدام مشيرا إلى أن التوقعات تصب في أن الأسعار ستصل إلى مستوى 70 دولارا خلال شهور قليلة ولكن على الأرجح لن يكون من السهل الحفاظ عليها طويلا.

وأشار هوبر إلى أن الحفاظ على نمو الأسعار بشكل مستدام يتطلب تطوير الاتفاقية وتوسيع مستوى خفض الإنتاج الذي يبلغ ? وفق الاتفاق الجديد ? 1.2 مليون برميل يوميا إلا أنه ما زال يقل عن فائض المعروض العالمي والذي يبلغ مليوني برميل يوميا ولذا يجب أن يقدم المنتجون بعد ستة أشهر وبعد انتهاء مدة الاتفاقية على تجديدها وفق مستويات خفض إنتاج أكبر للوصول إلى حالة التوازن الكامل في السوق والقضاء على فائض الإمدادات والمخزونات.

وشدد هوبر على ضرورة إيجاد حلول فعالة ومشتركة بين المنتجين لعلاج بعض السلبيات التي قد تتسع في الفترة المقبلة مع تطبيق اتفاق خفض الإنتاج ومنها زيادة أنشطة المضاربة في السوق ونشاط المعروض من النفط الصخري إلى جانب زيادة إنتاج الدول المعفاة من الخفض بمستويات كبيرة خاصة ليبيا ونيجيريا وأيضا مراقبة مدى تخلى إيران عن طموحها بالقفز بمستوى الصادرات فوق مستوى أربعة ملايين برميل يوميا.

وكانت أسعار النفط قد شهدت في ختام تعاملات الأسبوع الماضي انخفاضا طفيفا، لكنها مع ذلك حققت أكبر مكسب سنوي منذ 2009، فقد انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة خمسة سنتات أو ما يعادل 0.1 في المائة إلى 53.72 دولار للبرميل بينما نزل خام القياس العالمي مزيج برنت ثلاثة سنتات أو ما يعادل 0.1 في المائة إلى 56.82 دولار للبرميل.

وبحسب “رويترز”، فقد ارتفع برنت نحو 52 في المائة هذا العام بينما زاد الخام الأمريكي نحو 45 في المائة ليسجل الخامان أكبر مكاسبهما السنوية منذ 2009 حين ارتفع برنت وخام غرب تكساس الوسيط 78 في المائة و71 في المائة على الترتيب.

واختتمت الحفارات النفطية الأمريكية عام 2016 دون مستويات العام السابق بقليل إذ زادت شركات الطاقة الأمريكية عدد المنصات هذا الأسبوع في إطار التعافي الأكبر منذ تضرر السوق من تخمة عالمية في المعروض من الخام استمرت على مدار عامين.

وارتفع عدد منصات الحفر الأمريكية بواقع منصتين في تاسع زيادة أسبوعية على التوالي وفق ما ذكرته شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية، لكن العدد الإجمالي بلغ 525 منصة في الأسبوع الأخير من العام، وهو أعلى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر) 2015، لكنه ما زال دون مستوى العام الماضي بواقع 11 منصة.

ومنذ أن تعافت أسعار الخام من أدنى مستوياتها في 13 عاما في شباط (فبراير) إلى نحو 50 دولارا للبرميل في أيار (مايو) أضافت الشركات 209 منصات حفر نفطية في 28 أسبوعا من 31 أسبوعا بدعم من ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوى في نحو 17 شهرا.

وتراجع عدد منصات الحفر النفطية من مستوى قياسي بلغ 1609 منصات في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 إلى أدنى مستوياته في ست سنوات عند 316 منصة في أيار (مايو) مع هبوط أسعار الخام الأمريكي من فوق 107 دولارات للبرميل في حزيران (يونيو) 2014 إلى قرب 26 دولارا في شباط (فبراير) 2016.

وتوقع محللون أن تزيد شركات الطاقة الأمريكية إنفاقها على أنشطة الحفر وتضخ مزيدا من النفط والغاز الطبيعي في السنوات المقبلة وسط توقعات باستمرار صعود أسعار الطاقة.

وبلغ إجمالي عدد حفارات النفط والغاز في نهاية هذا العام 658 منصة بانخفاض نسبته 6 في المائة عن نهاية العام الماضي عندما بلغ عدد المنصات 698 منصة.

وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..