القلق الوجودي لدي الشباب .. وتشظي الشخصية !

يرزخ الشاب السوداني تحت تأثيرات وتعقيدات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وقانونية ، فباتت الحياة فاقدة للمعني ، اي حالة قسر بالمعني العملي ، وتنوء تحت عجز تاريخي كبير وفاضح في وعيها للتاريخ وللذات ولممارستها لدورها الطبيعي في الحياة والعصر! ، لم يعد قادرا علي تحقيق اهدافه ولا حتي الاهداف قادرة ان تحقق الطمانينة والامن علي نفس الشاب السوداني الذي يواجه جبروت وعنفوان الدولة الرسالية ، حزمة من التحديات تبعث كثير من الاحيان الاحساس بالتوتر والعسف ومن ثم القلق الوجودي !.
في الحقيقة ان اغلبية الناس الاسوياء يمرون بنوبة واحدة علي الاقل من تبدد الشخصية في حياتهم تدوم لثوان او دقائق معدودة علي شكل دوار حقيقي واختلال مزيج من ذلك خلال التعب الشديد او الحرمان من النوم لساعات طويلة ، وحيال حالة الأرق الذي انا غارق فيه قد نصحني صديقي الذي يُزاورني من وقت لاخر لما يحطينا من مشاغل الدنيا ومتاعبها ،بان الزواج هو الحل لهذه المشكلة ! وعلي حسب ما يترآي له من آفاق لحل هذه المشكلة علي غرار نيته الصافية والثقافة المجتمعية السائدة ،الا ان هذه الوصفة السحرية لمقابة بعض الاضطرابات الوجودية التي تقُض مضجع الشباب بما فيهم انا، إستدعت في ذاكرتي حزمة من التساؤلات والاستشكالات !.
السؤال حول اطروحة المؤسسة الدينية الرسمية والحرس الايدولوجي للخلية الاجرامية الحاكمة في البلاد او ما بأسمها الحركي التضليلي ” هيئة علماء المسلمين ” الذين يوصون السلطة التنفيذية بادخال مسالة الزواج في دائرة التجريم والعقاب بدل ان كانت مسالة خاضعة للعلاقات الشخصية ! ، هي محاولة لجعل الزواج عموما بل التثنية والتثليث في الزواج أمرا مُوجبا باكراهات سلطة القانون ،ومن يخالف ذلك يكون مسئولا تحت طائلة القانون الجنائي ، وكل هذه التصورات الوهمية أسست تحت تبرير مخاطبة مشكلة العزوف عن الزواج وازدياد وتيرة العنوسة لدي شريحة الفتيات ! هكذ ظلت هذه المؤسسة الايدولوجية تقدم وصفات وحلول ساذجة لسلطتها منعا من مواجهة الاضطرابات الرئيسية التي غيمت سماوات الفئات المجتمعية المختلفة ولا سيما شريحة الشباب !.
تطل علي نافذة ذاكرتي تلك الايام الخوالي علي جنبات ذلك المكان والزقاق المشهور لدينا في الخرطوم ، حيث كنا ثلة من الزملاء المحامين ، نعمر مجالسنا بعد ان تُستنزف اجسادنا المهترئة في الجري وراء محاكم الخرطوم المختلفة المحكومة بقوانين بُعد المسافات والامكنة ، حيث تزداد وتيرة قلقنا الوجودي عندما يكون النقاش حول النظام القانوني المعمول في البلاد وسلوكيات الاشخاص المشتغلين بها ، تحتد وتيرة القلق ونلوذ مرة ثانية لشرب الشاي والقهوة ، لم يتبقي من هذه الشلة في السودان سوي القليل منهم حيث معظمهم غادروا السودان تاركين من ورائهم المزيد من السقط والسباب للنظام العدلي في السودان ، وفي هذا يحضرني صديقي المحامي الشاب الطموح الذي كان دائما ينضح بنصائحه للشلة بان عمل الشخص في مثل هذا النظام القانوني مصيره ان يصاب باحدي امراض القلبية ،توجه الي فرنسا محملا باحلامه وتطلعاته ولكن الفجيعة الكبري ما ان سمعنا خبر وفاته بانه وُجد مقتولا في فرنسا ، وكأن لعنات النظام يلاحق الانسان السوداني في شخصه اينما وُجد ! .
فئة الشباب بات مُترنحا ومُتارحجا بل فاقدا للبوصلة المستقبلية ، قمة الاحساس بالغربة في مجتمع لا يستجيب لرغباته واحتياجاته ، وفي نظام سياسي هو الاخطر من نوعه علي مستقبل الشباب ، الشاب في السودان غير قادر علي التنبؤ في مستقبله ولا التحكم في سلوكه ،ولا يعرف ماذا سيعفل غدا ،كل هذه التعقيدات زاد شان قلقه في المستقبل ، وعزز مركزه في الاضطراب والقلق الوجودي، وتبرز حالات القلق لدي الشاب في مجتمع لا تتح له فرصة الوفاء بإلتزاماته فيشعر بانه في وسط عالم عدائي ملئي بالتناقضات لكونه يقف حائلا امام تحقيق ذاته من خلال دور اجتماعي يعطيه الاحساس بالتفرد، لان فقدان الانسان لذاته المتفرده لا يشعر بالامان وينتابه القلق ويغيب المعني في حياته ،فالعمل والتكيف معه هو اساس الحياة وهو يمنح الانسان الشعور بالامن والثقة بالنفس ، علي عكس البطالة فهي من المعوقات التي تهدد امن وسلامة واستقرار الشباب ،وفي ظل السياسات الانقاذية القائمة علي الولاءلات والمحسوبية والقبلية زادت حساسية قلق المستقبل وكانت النتيجة الهجرة المتطردة عبر المحيطات والبحار لدول الغرب .
بخلاف الظروف الاقتصادية القاتلة ومعاناة الشباب من البطالة المقيتة في المقابل ارتفاع تكاليف الزواج وصعوبة انشاء اسرة ،تظل المعضلة السياسية في البلاد هي من اكثر العوامل التي تزيد من الاضطراب لدي الشباب ولا سيما استمرارية العصابة الاجرامية في سدة الحكم ،والتي صممت علي استبعاد شريحة الشباب من معترك الحياة العامة وافراغهم تماما من معني وقيمة الحياة ، فلاحساس باللامعني واللاقيمة واللاهدف هي من ابرز صور الفراغ الوجودي ، في الوقت ذاته ان الاحساس بالهدف من العوامل المهمة في تحقيق التوافق النفسي والشعور بالسعادة والقدرة علي الانجاز، وقد أشار ” فرانكل” ان الشخص الذي تمتلئ حياته بالمعاني والاهداف يجد من الطاقة والدافعيةيؤمن بجدوي الحياة وما يعينه علي تحمل الصعوبات والمعاناة، في حين ان الفرد الذي يفشل في ايجاد المعني والهدف في الحياة يعاني من الفراق الوجودي الذي يتسم بالملل واليأس .
اخيرا ان التساؤلات المٌلحة حول بعض الظاهرات الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والقانونية في السودان ابتداء من التناقضات الحادة بين فئات المجتمع وبروز حالات الثراء اللامعقول لدي بعضهم ، وهيمنة شرزمة الحركة الاسلامية علي كل مفاصل الحياة واستبعاد ونفي كل من هو خارج فلكهم ، وممارسة ابشع اساليب القمع والقهر لجماع ارادات الشباب ،هكذا برز التساؤل عن مغزي الحياة وهدف الوجود، فكان القلق الوجود لدي الشباب هو النتيجة ! .

عبد العزيز التوم / المحامي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..