أخبار السودان

تذبذب في انتظار التثبيت الدولار.. توقعات (استقرار) رهينة برفع العقوبات

الخرطوم: جمعة عبد الله

بأداء اقتصادي يعاني من عدد من المعوقات وميزان تجاري مختل، بلغ حجم الصادر “3” مليارات دولار، مقابل واردات تفوق “6.3” مليار دولار، ووسط مساهمة متدنية لعدد من القطاعات الحيوية كالزراعة والصناعة، وتراجع الإنتاج النفطي لأقل من “90” برميلاً يومياً، يبدو من العسير الوصول لوصفة تنهي سطوة الدولار، أو في أيسر الأحوال التأسيس لأرضية صلبة تقف عليه العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ولكنه خيار ليس سهلاً على أية حال، فالمطلوب كثير.

منذ العام “2011م” تواجه العملة السودانية تدهوراً لم تُجدِ معه كل الوصفات الإسعافية التي لم تفلح في امتصاص صدمة فقدان عائدات النفط، بجانب العجز في الميزان التجاري وارتفاع التضخم. وما هو مثبت أن الميزان التجاري للبلاد مختل وعاجز، حيث أن واردات الدولة أكثر من صادراتها ما يشكل ضغطاً متواصلاً على سعر صرف الجنيه، ويؤدي لإنخفاض مستمر لقيمته. ولكونه “عملة عالمية” ،فرض الدولار نفسه، سيداً على عملات العالم، وغدت المعاملات المالية تتأثر به بكل دول العالم، وبلادنا ليس استثناء من ذلك.

حتى أمس سجل الدولار “18.5” جنيه للشراء، و”18.2″ جنيه للبيع، وهي أرقام لا تختلف كثيرا عن السعر الذي ظل مستقراً منذ أشهر ماضية. ويري خبراء اقتصاديون أن هذه المعدلات ستظل كما هي مالم تحدث متغيرات ذأت تأثير لرفع قيمة الجنيه المحلي. مشيرين إلى ضرورة اتباع خطوات تتعلق برفع حجم الإنتاج، وإحداث شئ من التوازن في الميزان التجاري بتقليل حجم الوارد وزيادة الصادر، وبغير هذه المطلوبات فإن السيطرة علي سوق النقد ستظل كما هي “عصية” وغير ممكنة.

ثمة نقطة جديرة بالانتباه، وهي تتعلق بمساهمة السودانيين بالخارج في توريد العملات للبلاد، تأسيساً على أن تحويلات المغتربين تعتبر نقطة قوة تعتمد عليها اقتصاديات عدد من الدول، ولكن بالسودان تبدو نسبة التحويلات ضئيلة بحيث لا تذكر مساهمتها في الاقتصاد الكلي، في وقت يقول فيه أمين السياسات باتحاد أصحاب العمل، سمير أحمد قاسم، إن تحويلات مواطني دولتين فقط بالسودان لبلدانهم خلال العام الماضي تفوق أكثر من نصف صادرات السودان، وقال سمير لـ “الصيحة” إن الوافدين من الجنسيتين الأثيوبية والأريترية الذين يعملون بالسودان ويبلغ عددهم نحو “3” ملايين نسمة، يحولون جميعهم في المتوسط “ما يفوق ملياراً ونصف المليار دولار سنوياً. وفي منحىً قريب من ذلك، قال وزير مالية سنار السابق، أن حجم تحويلات الأجانب بولايته في حال تم ضخها جميعها في الجهاز المصرفي دفعة واحدة لهبط سعر الدولار لما دون حاجز “12” جنيهاً.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، دكتور عبدالله الرمادي، أن هبوط أو تصاعد أسعار الدولار دائما ما يكون لحظياً ومؤقتاً، نتيجة لحدث معين ويرجع سعره حال زوال المؤثر، مشيراً إلى أن السبب الأكثر احتمالا وواقعية أن بعض الفترات علي سبيل المثال تشهد إحجام المستوردين من استيراد البضائع وبالتالي لا يكون هنالك حاجة لشراء الدولار فيخف الطلب على الدولار لجهة أن المستوردين ينتظرون ماذا يأتي من زيادات أو تخفيضات أو مفاجآت. وأضاف الرمادي لـ(الصيحة) أن هنالك أسباباً إضافية مصاحبة ولكنها ليست بالأهمية فالإجراءات الأمنية لا تحل المشكلة بصورة جذرية إذ يكون لها أثر وقتي فقط سرعان مايزول ، وتكيف (مافيا) السوق الأسود أوضاعها لتعود مرة أخرى مما يعني أنه لا يعالج أصل المشكلة، مشيراً إلى أن المضاربات التي تنبني على تقديرات تكون حقيقية أو خاطئة مثل اعتماد توقعات استجلاب بعض الودائع رغم عدم الإعلان عنها. وأضاف نتيجة للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لبادرت الحكومة ىإعلانه فوراً لإحداث أثر إيجابي على أسعار العملات الأجنبية، لكن في ظل توفر المعلومة من مصادرها الحقيقية لا ينبغي أن نبني أي توقعات على هذا التخمين فهو لا يعدو أن يكون من قبيل المضاربات.

ولكن الخبير الاقتصادي، دكتور هيثم فتحي، يقول إن علاقات السودان الحالية الخارجية ساعدت على تذليل كثير من العقبات التي واجهت تدفقات النقد الأجنبي خاصة الاستقرار الملحوظ لسعر الدولار منذ مطلع العام ونوه إلى أن توفر النقد خارج مظلة البنوك سهّل من تجارة العملة وانتشار ظاهرة السوق الموازية ومن ثم لابد من إيجاد حلول تساهم في زيادة تدفق العملات الأجنبية من الخارج والتحكم في الاستيراد والرسوم الجمركية والبحث عن عملاء خارج السودان لاستيراد السلع عبر العملة المحلية هي إحدى الطرق لاستيراد السلع دون اللجوء للدولار أو العملات الحرة الأخرى.

ما تزال جدلية أسعار الدولار مع السلع الاستهلاكية تفرض سطوتها، ففي الوقت الذي يبرر فيه التجار أسباب ارتفاع السلع المتواصل لارتفاع أسعار الدولار، تجدهم حائرين حيال سبب عدم نزول الأسعار في حال تراجع الدولار، فالثابت أن أسعار السلع والمستلزمات الاستهلاكية اليومية، تقفز بمتوالية هندسية وبغض النظر عن الأسباب التي ترتفع فيها الأسعار فهي لا تنخفض مجدداً حتى في حال زالت تلك الأسباب، وربما يكون ذلك هو حال الأسواق الآن، بحسب ما تؤكده الوقائع، وهي ذأت ما يقول به تجار ومتعاملون بالأسواق ومواطنون بحيث يتفق الجميع على أن انتظار انخفاض سلعة ما أمر بناء علي إنخفاض الدولار لا يأتي بنتيجة فالسلع تظل كما هي وربما ارتفع سعرها مجدداً.

تلك الفرضية تقود إلى التساؤل مباشرة حول الجزئية التي تقول أن انخفاض أسعار الدولار وتراجعه أمام العملة الوطنية ما هي إلا أسباب نفسية، ورغم أن التراجع في غالب الأحيان يكون مؤقتاً ولا يستمر لأكثر من أيام ريثما يعود ليرتفع إلى موقعه السابق.

تري الخبيرة الاقتصادية والمحاضرة بجامعة الجزيرة، د.إيناس إبراهيم إن إرتباط السلع والأسواق بالعملة الأجنبية له ما يبرره، وتعزو قولها إلى أن نسبة كبيرة من السلع خاضعة للاستيراد، وبرأيها فإن موقف العملة الوطنية الهش وعجز الميزان التجاري مع إشكالات أخري هي السبب في تذبذب وعدم ثبات الأسعار، ورهنت الوصول إلى معادلة موزونة بين السلع والأسعار بمعالجة ما قالت إنه اختلالات اقتصادية، وأجملتها في تدني الإنتاج والإنتاجية وضعف مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج الإجمالي القومي، وتراجع حصائل الصادر.

برأي التاجر “الحسين عبد الله”- صاحب المحل التجاري الذي يقع بوسط منطقة السوق العربي ? أن أسعار المستلزمات اليومية والسلع تظل كما هي دون انخفاض، و يقلل في حديثه لـ(الصيحة) الأول من أمس من تأثير انخفاض العملات الأجنبية وخاصة الدولار، قائلا ربما تفضي بعض الظروف الطارئة إلى انخفاض الدولار ، ولكن لماذا لا تنخفض الأسعار؟ يجيب الحسين على السؤال بقوله إن أي هبوط يشهده الدولار لا يجدون له تفسيراً اقتصادياً واضحاً، ورهن انخفاض أسعار السلع بمعالجة الأسباب الرئيسية التي أدت لإرتفاع الأسعار وقال منها تقليل حجم الرسوم المفروضة على التجار التي يتم خصمها من سعر السلعة، بالإضافة إلى تشجيع الإنتاج المحلي خاصة في الصناعات الصغيرة والتحويلية وخفض حجم الرسوم الجمركية للواردات التي يري أن ارتفاعها ينعكس مباشرة على ثمن السلعة، ويخلص الحسين للإشارة إلى أن الوقت ما يزال مبكراً للتنبؤ بانخفاض ما في أسعار السلع قبل التأكد من ثبات سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وبدا مستبعداً تحقق هذا الأمر في القريب العاجل.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..