أخبار السودان

“المرحاكة” ملاذ السودانيين في رحلة سد الجوع

يلجأ سكان ولاية الجزيرة إلى أدوات بدائية لطحن الذرة في ظل انقطاع الكهرباء وقلة المياه

وسط معاناة وأزمات لا تنتهي، يكافح سكان قرى ومدن ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم لتوفير متطلبات الحياة اليومية، إذ بلغ الوضع المعيشي ذروة السوء نتيجة انقطاع التيار الكهربائي والشح الحاد في مياه الشرب، وبات شبح الجوع يحاصر المواطنين الذين بالكاد يحصلون على وجبة واحدة في اليوم.

وأدى انقطاع الكهرباء لأكثر من أسبوعين إلى توقف عمل المطاحن في المناطق كافة، واضطر غالبية السكان إلى استخدام حجر الرحى “المرحاكة” لطحن حبوب الذرة والقمح لتوفير الدقيق وإعداد الوجبات اليومية.

حلول بديلة

وتشتكي نفيسة الطيب، وهي ربة منزل من منطقة ود النعيم، من أزمة الكهرباء التي فاقمت معاناة المعيشية بسبب توقف عمل المطاحن في ظل شح وندرة الدقيق بالأسواق، وتقول إن “الانفلات الأمني وتزايد انتهاكات المجموعات المسلحة وعمليات النهب والسلب في مدن وقرى الولاية أسهمت جميعها في إغلاق الأسواق ونفاد البضائع والمنتجات وخصوصاً الدقيق، لذلك لجأت النساء في الإقليم لاستخدام (المرحاكة) لطحن حبوب الذرة والقمح للحصول على وجبة واحدة في اليوم”.

وأضافت أن “عملية طحن الحبوب على (المرحاكة) ليست بالسهلة بل تستغرق جهداً وتركيزاً، ولا سيما الذرة التي تحتاج أكثر من دورة تستغرق ساعتين لتتحول إلى طحين ناعم يصلح لإعداد الطعام”.

أدوات تقليدية

و”المرحاكة” هي المصطلح السوداني الذي يطلق على حجر الرحى، ويعد أقدم الأدوات التي صنعها الإنسان واستخدمها في طحن الحبوب قبل ظهور الطواحين الكهربائية وهي تصنع يدوياً من الحجارة.

وتعتبر “المرحاكة” من الأدوات التي تستخدمها المرأة السودانية منذ العصور القديمة، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يوضعان فوق بعضهما ويثبت الحجر السفلي، أما الحجر العلوي فيوجد فيه ثقب لسكب الحبوب، وبه عصا خشبية أو معدنية ليدور ويطحن الحبوب، كما يمكن التحكم بدرجة خشونة الحبوب المطحونة خلالها بزيادة الكمية أو إنقاصها، إذ تدار بسلاسة بين اليدين وعكس عقارب الساعة.

معاناة ومشقة

علوية الطاهر التي تقطن منطقة أم القرى أشارت إلى أن “أزمة الكهرباء والمياه تفاقمت بدرجة لا توصف في شهر رمضان وضاعفت من معاناة المواطنين الذين لم يغادروا منازلهم حتى الآن، وباتت الأوضاع المعيشية صعبة للغاية نظراً إلى شح وندرة المواد الغذائية”.

ونبهت إلى وجود أزمة طاحنة في الدقيق بالمحال التجارية المحدودة، فضلاً عن توقف المطاحن بسبب انقطاع خدمة الكهرباء لأكثر من أسبوعين مما أدى إلى لجوء ربات المنازل إلى استخدام (المرحاكة) لطحن حبوب الذرة والقمح من أجل توفير الدقيق لتحضير الوجبة الرمضانية”.

وأوضحت الطاهر أن “المرحاكة” أسهمت في حل أزمة توفر الطحين على رغم صعوبة ومشقة العمل عليها خلال ساعات متواصلة وبشكل شبه يومي، إذ تعد وجبة للأطفال في الصباح أما بقية الدقيق فيخصص لإفطار رمضان، وبالتالي يحصل الكبار في كثير من الأحيان على وجبة واحدة، وتتكون أطعمة العشاء من “البليلة” والتمر.

أزمة المياه

وتعيش قرى ومدن عدة في ولاية الجزيرة موجة من العطش بسبب الشح الحاد في مياه الشرب إثر انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من أسبوعين، مما تسبب في معاناة قاسية للمواطنين الذين اعتبروا أن الوضع تجاوز كل حدود الاحتمال، بخاصة أن الأزمة تأتي في شهر رمضان فضلاً عن شدة الحر.

محمد المليح، أحد الموجودين في منطقة البشاقرة، قال إن “كثيراً من المواطنين تكبدوا خلال ثلاثة أسابيع إلى جانب العطش مبالغ مالية كبيرة لشراء المياه يومياً، ووصل سعر برميل الماء في بعض الأحيان إلى 15 ألف جنيه سوداني (13 دولاراً)، لكن السعر يرتفع كلما بعدت المسافة أو ارتفعت درجات الحرارة”.

وأضاف، “يتطلب البحث عن أصحاب عربات الكارو جهداً متواصلاً وأحياناً يستغرق وصولهم إلى وجهاتهم وقتاً طويلاً بسبب البحث عن طرق آمنة، مما يزيد من صعوبة الحصول على الماء”.

وأشار المليح إلى أن “مناطق عدة في الولاية عانت انقطاعاً في التيار الكهربائي ودرجات حرارة مرتفعة، واضطر المئات إلى البحث عن أماكن باردة نسبياً داخل المنازل على رغم خطورة البقاء خارج الغرف خشية التعرض لرصاص طائش”.

أخطار ومشكلات

ولأصحاب عربات الكارو نصيبهم من المعاناة، إذ يشكون من أخطار الشوارع بسبب انتشار المجموعات المسلحة، فضلاً عن بعد المسافة.

وعن ذلك يقول حسن خضر، وهو صاحب عربة، إن “صعوبة ظروف الحياة وارتفاع أسعار السلع الغذائية تفرضان علينا زيادة سعر برميل المياه الذي يشكل مصدر رزقنا الوحيد، وغالبية الزبائن يقيمون في مناطق يصعب الوصول إليها، إما بفعل بعد المسافة أو بسبب أخطار التنقل في ظل تحركات المجموعات المسلحة وتزايد الانتهاكات”.

ولفت إلى أن “سعر برميل المياه بلغ 10 آلاف جنيه سوداني (11 دولاراً)، وهو مبلغ معقول مقارنة بالوضع المعيشي الصعب، وأحتاج يومياً سداد رسوم طحين الذرة والقمح عند إحدى جاراتي لأن المطاحن توقفت بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن حاجات شهر رمضان اليومية”.

وأوضح خضر أن “معاناة المواطنين في ولاية الجزيرة تفاقمت بصورة غير مسبوقة بعد استنزاف كل الموارد ونفاد الأموال، وحال استمرار الحرب لفترة طويلة فإن الوضع سيصبح كارثياً وقد يموت الناس جوعاً”.

اندبندنت عربية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..