أخبار السودان

مالات إبعاد العسكر من السلطة والسياسة ومستقبل أنظمة الحكم العسكري في السودان

 

 

الخرطوم : عاطف كمبال

اُخضع السودان خلال الستة عقود الماضية لثلاث انظمة حكم عسكرية ديكتاتورية انتهت جميعها بانتفاضات شعبية بدءاً بحكومة الفريق ابراهيم عبود التي انتهت بانتفاضة (1964م ) وكذلك حكومة الرئيس نميري كانت قد انتهت بانتفاضة (1985م )وحكومة البشير التي انهتها إنتفاضة ديسمبر (2019م) ومخاضها ما زال مستمرا . وفقا لما تقدم تركت هذه الانظمة العسكرية اثآر واضحة في البنية السياسية للدولة ووقفت سدا منيعا امام النظم الديمقراطية ،بالإضافة الي الكثير من الاشكالات فيما يلي الجوانب التنموية ، ولم يتميز أي من هذه الانظمة الشمولية بشي الا بتعميق المسافة بين مبدأ الديموقراطية والشعب من ناحية الممارسة والسلوك مما انعكس علي هذا الوضع المعقد الذي تشهده البلاد في المرحلة الحالية . ولعل ذلك يعود الي اسباب تاريخية تكمن في توجهات بعض القوي السياسية التي استخدمت العسكر كمطية للوصول الي السلطة ، وهي سنة غير حميدة عززت من زيادة الاطماع لدي قادة المؤسسة العسكرية حتي يفرضوا نفسهم كجزء من الواقع السياسي.
ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين العسكر والسلطة وذهنية القادة العسكريين توجهنا بسؤال مفاده تُري ما هي مالات إبعاد العسكر عن والسياسة السلطة علي مجمل الاوضاع بالدولة ؟
وفي رده علي هذا السؤال أجاب المهندس (نورالدين صلاح الدين) عضو الحرية والتغيير المجلس المركزي بالقول انه لا يفترض ابعاد المؤسسة العسكرية برمتها من المشهد السياسي وإنما بعض المنتمين الذين لديهم اشواق ومطامع متعلقة بالسلطة ولديهم اجندات ، واردف قائلا هنالك اخرين في المؤسسة العسكرية يعرفون ما هو الدور الذي يجب ان تقوم به المؤسسة العسكرية ، مضيفا لدينا حاليا سلطة غير مرتبطة بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة ، ويري ان المطلوب من المؤسسة العسكرية ان تلتزم بما تقوم به أي مؤسسة عسكرية في الدول الأخرى وان تكون احدي مؤسسات الدولة وليست شريكة في ادارتها.
وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا يتمسك العسكر بالسلطة وانهم لابد يكونوا جزء من العملية السياسية ؟ هذا التعنت يفسره المحللون بأنه حالة تكمن في بحثهم عن الامان (والافلات من العقاب وضمان عدم المسائلة) وبعضها استنتجت من تصريحات سابقة لقائد قوات الدعم السريع الفريق (محمد حمدان دقلو) حينما المح صراحة الي ان هنالك من يسن لنا (السكاكين) ويطلب منا الذهاب الي الثكنات اشارة الي المحاسبة والمسائلة.
وعلق نور الدين علي هذه النقطة من خلال ما ظل يردده العسكر علي الدوام بان ليست لديهم أي ارتباط بأي جرائم حدثت في فترة ما بعد الاطاحة بنظام البشير، وان جريمة فض اعتصام القيادة قام بها مندسين حسبما يقولون في تبريرهم. ويردف بقوله ان العسكر اذا كان لديهم يقين يؤكد براءتهم لا ينبغي ان يتخوفوا من شيء.
وفي رده علي سؤال ما الذي يريده العسكر؟
علق بروفيسور (منزول عبدالله عسل) بالقول أن العسكر انغمسوا في السياسية منذ الاستقلال وان المؤسسة العسكرية ظلت هي الحاكمة طيلة السنوات التي اعقبت الاستقلال وبالتالي يري ان تشبثها بالسلطة يفهم في هذا الاطار. وجزم القول بأن السلطة العسكرية الحالية ستراوغ وتماطل بل ويمكن ان تقاتل من اجل ضمان بقائها في السلطة ، وارجع ذلك الي طبيعة الانظمة العسكرية لأنها شمولية واستبدادية ، ويعتقد ان ليس هنالك مجال للحديث عن ايجابيات لها معللا أي السلطة العسكرية وان كل الموبقات التي شهدها السودان حدثت خلال انظمة حكم العسكر.
وحول ذات الموضوع يري المحلل السياسي د. (نجم الدين محمد السنوسي) استاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية بجامعة الزعيم الازهري في أن المؤسسة العسكرية بوضعها الحالي انحرفت عن ادوارها التي منوط القيام بها وفقا لطبيعة عمل المؤسسات العسكرية والمنحصرة في الامن والدفاع عن الوطن واصبحت تمارس الادارة والحكم والعمل السياسي والاقتصادي ، لذلك دخلت في خلافات مع القوي المدنية والحزبية واصبحت تنافسها في العمل العام.
واكد علي ان مستقبل العلاقات المدنية والعسكرية يرتبط بأن يقوم كل طرف بمهامه والعسكر يبتعدوا عن السياسة وان يكون دورهم في حفظ الامن القومي ، والمدنيين ان يتولوا حكم الدولة وفقا للدستور والقانون ، مشيرا الي مسالة استعادة الثقة والتي تحتاج الي وقت بحسب ما يري وذلك بدوره يعتمد علي تراجع دور الجيش في الحياة السياسية والعودة الي الثكنات، وبذلك يمكن التقليل من مخاطر المواجهة والعداء ولابد ان تكون العلاقة قائمة علي التعاون والمهنية. واوضح د. نجم الدين ان العلاقات المدنية العسكرية اصبحت معقدة بشكل كبير نتيجة لتدخل الجيش في السياسة لأن هنالك حواجز بين الجانبين خاصة بعد جريمة فض الاعتصام ومقتل المئات من شباب الثورة وانقلاب 25 اكتوبر الذي عمق الهوه ودق اسفين الانفصال بين الجانبين .
بينما يشير المحلل السياسي (برير موسي محي الدين) ان علاقة العسكر بالسلطة تعود الي فكرة تاريخية ابان انشاء قوة (دفاع السودان) ودورها في الحرب العالمية الثانية مع بريطانيا والحلفاء ، حيث وعدت القوات المساندة لها بأنه سيتم منحهم حق الاستقلال. وبالفعل انتصر الحلفاء ، وتم منح كثير من الدول المشاركة الاستقلال وكان من بينها السودان ، ومن هنا بداء يري العسكر انهم الطرف الأقوى في صناعة الاستقلال وبالتالي هم احق بالحكم والسلطة ، وهي اللحظة التي اسست فكرة سيطرة العسكر علي السلطة وانهم الوصيين والمسؤولين مسؤولية كاملة عن الدولة ، وهذا الاعتقاد عزز لديهم فرص المغامرة والانقلاب دائما علي النظم الديموقراطية. مضيفا الي قوله ان علاقة العسكر مع السلطة بشكل عام بلغت اوجها في حقبة الستينات من القرن الماضي والتي كانت الفترة الاكثر تعديا علي الانظمة الديموقراطية ، خاصة الانقلابات المدعومة من المعسكر السوفيتي لاعتبارات ايدلوجية بان (الديموقراطية جزء من النظام الغربي ولها علاقة بالرأسمالية) لذلك كانت تتم تغذية الانظمة العسكرية بوصفها حركات تحرر في بعض الاحيان تسعي الي التحرر من القبضة الاستعمارية. ومن هنا بدأت وتوطدت علاقة العسكر بالسلطة والسياسة .
ويؤكد برير علي ان سؤال علاقة العسكر بالسلطة سؤال قديم وحديث في آن واحد ويعود بنا الي مسائل السلطة الجبرية والديكتاتوريات وتطور المجتمعات ونهاية عصر الملوك وبروز المعسكرين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية في فترة الحرب الباردة والصراع المحموم حول السيطرة علي الدول ووضع نفوذهم عليها وعلي اكبر قدر من تلك الحكومات وجرت العادة ان يتم ذلك عبر بوابة العسكر ووقتها كانت وجود العسكر في السلطة له مبرراته واسبابه ولكن مع تطور المجتمعات الحياة انتهت تلك الصيغ العسكرية في كثير من الدول والسودان ليس استثناء .
ويشرح (برير) فكرة ابعاد العسكر عن السياسة في سياق انها ضرورة يفرضها الواقع الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتغيير مراكز القوي وتطور الديمقراطية وتنامي مبدأ الشفافية لمكافحة مسائل مثيرة ومتعددة منها الفساد والارهاب لأنها تقتضي وجود مجتمع يحكمه نظام مدني قائم علي الشفافية والديمقراطية هي بدورها مؤشرات واضحة تفيد بأنه ليس للعسكر مستقبل سياسي في السودان او في أي مكان اخر لان الواقع العالمي لا يسمح بذلك. مهما حاولوا وبكل ما اوتوا من قوة فأن سلطة العسكر الي زوال علي حد تعبيره ويضيف برير أن عساكر السودان الحالين يفتقرون الي قراءة الواقع وتحليله بشكل جيد وذلك لأنهم تربوا علي ثقافة وايدلوجيا (الجبهة الاسلامية) التي كانت تحاول ان تجتاح العالم بفكرها علي غرار الثورة الشيعية في ايران بتكوين جيش عقدي يصعب اختراقه وقد خاب ظنهم خارت قواهم وانتهت الي ميليشيات وجيش ممزق. لا يملك عقيدة قومية.
ويوضح برير ان التجارب الديموقراطية في افريقيا والوطن العربي ضعيفة وذلك بحكم ان الواقع الثقافي في الوطن العربي وافريقيا لا يؤمن بذلك. خاصة في تفاصيل تكويناته الاجتماعية بداء بسلطة القبيلة والطائفة والصوفية ورجل الدين وغيرها من الديكتاتوريات المدنية ، وفي تاريخنا السياسي الحديث لدينا الطائفية التي ايدت وعززت ثقافة سلطة العسكر ومثال لها تسليم (عبدالله خليل) السلطة لعسكريين(عبود) بإيعاز منها بل باركت لهم السلطة باعتبارهم الوريث الشرعي للحكم ، وهي كانت في اطار الحسم الكيدي.
بين محاولات ابعاد العسكر من المشهد السياسي والتطلعات نحو الحكم المدني تبقي الخيارات مفتوحة ومرهونة بإرادة الشعب وقوي الثورة.

تعليق واحد

  1. من يريد الديموقراطية وإبعاد العسكر عليه بصناديق الانتخابات… والعايز شرعية مايقول لو بكرة عملنا انتخابات الكيزان بجو العايز شرعية مايقول عايزين انتقالية 15 سنة
    العاوز يبعد العسكر مابصر انه يحكم سلفكة وشغال يخوف الناس بالكيزان وهو اسوء منهم بمراحل.. ختاما حكومة بالتعيين دي تشموها قدحة حكومة منتخبة ياهلا يامرحب
    عايزين تجو بالتعيين وتزوروا الانتخابات دي لعبها قبلكم البشير العبوا غيرها وجربوا غيرها غيركم كان أفضل منكم
    ولن يكون هناك اتفاق ثنائي ولن ترجعوا للحكم منفردين ياقحاتة ولو انطبقت السماء والارض

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..