بنايات الكلادن.. القفزة المعمـارية قبل أوانها..مخالفات بيئية وتلوثات بصرية

تحقيق : تهاني عثمان:

وجه جديد موعودة به مدينة الخرطوم، عمارات وأبراج تتسابق في الارتفاع، ولكنها هذه المرة بألوان جديدة وأشكال تختلف كثيراً عن السابق، تعدت فيها واجهات الاسمنت وطلاء الدهانات بالألوان، إلى تغليف البنايات بالمعادن، لتضفي مادة الكلادن ذلك الوجه الجديد اضافة على شوارع العاصمة.. وفي قلب الخرطوم تجد ابراجاً تتسابق في العلو مكونة من الالمومنيوم وعلى نوعين من البنايات، فهو إما مستخدم في البناء لوحده في الواجهات بدون تركيب زجاجي أو بالتركيب الزجاجي كما في «برج المعلم». وان كان معلوما ان الالمونيوم من المعادن باهظة الثمن عالية التكاليف، إلا أن الكثير استخدم الكلادن في تغليف بنايات الاسمنت بحجة أنه بديل مثالي لعمليات البياض والدهانات، وانه يتحمل الظروف الطبيعية من أمطار ورياح.
وفي منحى آخر تجد أن برنامج مكافحة العمى قد أجرى دراسة عن مادة الكلادن، توصل فيها إلى انه يحدث أضراراً بالعين تختلف حسب درجات التأثير والتأثر، وقد تصل إلى مرحلة العمى.. وفي حديث «الصحافة» مع خبراء في مجال المعمار والهندسة المعمارية، تحدثوا عن أن الكلادن لا يتناسب مع بيئة السودان ذات الجو الحار، هذا مع انه تم ادخاله في مجالات البناء لخفة وزنه، لذا يستخدم في بناء ناطحات السحاب فقط، ولا يستخدم للابراج ما دون العشر طوابق، ويستخدم في بلاد الجليد كعاكس للحرارة يساعد في تدفئة الطرقات.. إذاً ماذا يفعل الكلادن في الخرطوم؟
اتجهنا الى الشارع العام وكان لنا حديث مع المواطن الهادي خليفة الذي قال إن هذه المباني جميلة جداً وتضيف نمطا جديدا على أنماط البناء التقليدية بالبلاد، وتعكس وجهاً للخرطوم قد يشابه عواصم الدول العالمية.
بينما تحدث إلينا المقاول عبد العال عيسى وذكر أن تكلفة البناء بالكلادن عالية جداً، فهي تكلف مليارات الجنيهات بخلاف تركيبه الذي يحتاج إلى خبرة وكفاءات محددة هي حتى الآن غير متوفرة في سوق العمل، وإن كان سريعا في عمليات التشطيب وأسرع من الدهانات.
وفي حديثنا عن تغليف المباني بالكلادن، يتبادر إلى الذهن الحريق الذي شب في الجزء الجنوبي الغربي من مبني كلية القادة والأركان بمدينة أم درمان في الشهر الماضي، عندما أحدث التماس كهربائي في إحدى البوابات الداخلية حريقاً انتقل بواسطة الاسلاك إلى الطوابق العليا من مبنى الكلية، وساعدت وقتها مادة الكلادن وخصائص الالمونيوم في عمليات النقل الحراري في اشتعال النيران وانتقال الحريق إلى داخل المبنى، لتحترق وقتها أثاثات ثلاثة مكاتب ادارية والنوافذ والأبواب والواجهة الخارجية للمبنى. وبالرغم من جهود عمليات الاطفاء إلا ان كمية الخسائر كانت أكبر مقارنة بالمدة الزمنية التي استغرقها الحريق.
جلسنا إلى أهل الاختصاص، فحدثتنا الباشمهندس هند عباس، عن أن مادة الكلادن تعتبر من المواد الدخيلة التي لا تشبه البيئة السودانية، وتم تصنيعها بمواصفات بيئية معينة في مجال البناء من أجل تقليل الحمولة في عمليات بناء ناطحات السحاب، ولا تستخدم في البنايات ذات الطابقين والثلاثة طوابق، كما لا يتم استخدامها في البلدان ذات البيئات العادية أو ذات درجات الحرارة العالية، فالمعروف أن الالمونيوم ناقل جيد للحرارة، وهو مكلف وغالي الثمن في عمليات البناء، هذا بالاضافة إلى خاصيته في امتصاص الحرارة وعكسها من جديد، لذا يستخدم في مدينة شيكاغو الامريكية بصورة أكبر في بناء ناطحات السحاب، وذلك لخفة وزنه، الاضافة إلى انه سريع في عمليات التركيب ولا يستخدم مع تركيبه الحجر.
وتذهب هند إلى الحديث عن عمليات التبريد داخل مبنى الكلادن واستهلاكه للطاقة الكهربائية، قائلة إن المتر المربع الواحد يسحب كمية عالية من الطاقة الكهربائية، وفي حالة عدم وجود معالجة لعمليات التبريد بالمبنى وبدون استخدام مبردات الهواء، فعند انقطاع التيار الكهربائي لا يستطيع الشخص البقاء داخل مبنى الكلادن لسخونة المبنى وشدة امتصاصه للحرارة.
وعن درجات الحرارة تقول هند إن مواصفات الكلادن في الاصل تناسب البيئات الباردة، ومن الممكن أن تناسب مدينة دبي التي يمكن أن يكون طقسها عادياً، ولكن لأن نظامها المعماري قائم على بناء ناطحات السحاب ونظام البناء الرأسي.
وتحدث المهندس المعماري الوليد عشميق، عن أن نظام البناء بالكلادن يعتبر قفزة معمارية سابقة للأوان، وقبل معالجات الطاقة الكهربائية في حال اننا تخطينا سخونة الاجواء والظروف البيئية.
وإن كانت الخرطوم وجها تركيا تأثرت بالثقافة التركية في أنماط البناء بنظام الطوب والحجر، كما أن الوجود الانجليزي بالبلاد لم يكن له أثر على المعمار بالسودان، ولكن لا بد من معالجة الأمر بالرجوع إلى ضبط الأنماط المعمارية بالبلاد حتى لا يخل مثل هذه البنايات بايقاع المدينة، وتُخلق فوضى معمارية في شكل جديد وبطريقة غير خلاقة.
وما نحتاجه بالفعل نسق قانوني يضبط نمط المعمار بالبلاد، حتى إن كان ذلك قائماً على التكرار في أنماط وهيئات وأشكال البناء، فالتكرار عندها سيكون التغيير الايجابي.
وإن كانت الألوان والواجهات في البنايات تعد ضمن مسؤولية المحلية والمحافظة والشؤون الهندسية، ولكن لا توجد بالخرطوم جهة قائمة بهذا الدور، وهذه البنايات بها العديد من أخطاء التصميم، ومن المفترض أن تكون هنالك حلول للنتائج المتوقعة من وقوع مثل هذه الأخطاء، هذا بالاضافة إلى أن مادة الكلادن تحدث تلوثاً بصرياً يؤثر على العين، خاصة مع انعكاسات الضوء على الشوارع.
وذكرت هند عباس في ختام حديثها لنا أن الخرطوم والبلاد عامة تعاني من أزمة هوية وانتماء، فعلى الرغم من أن الخرطوم بلد حديثة التمدن وأكملت مئويتها هذا العام، إلا أنها لا توجد لها هوية محددة، وتغير شكلها أكثر من مرة، ولكن هل هذا إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟
ويظل في الختام الحديث عن مادة الكلادن له بقايا عن تأثير ذلك في تذويب هوية العاصمة، وعن الناحية الاقتصادية وتكاليف البناء والكائنات المتحورة التي أثر فيها الوجود خلف الكلادن.

الصحافة

تعليق واحد

  1. مع التحية
    مهندس وليد وهند هل أوصلتما هذه الفزلكة التخصصية للمجلس الهندسى بولاية الخرطوم أم هو مجرد اجترار لمعلومات دراسية والسلام ؟

  2. نرجع تاني و نقول
    الخرطزم دي زي الراكوبة و مركبين فيها جاكوزي

    في طرمبة بنزين في الثورة عاملا كلها كلادن شوف الخطر الممكن يجينا منها

  3. بالله دة بلد بتظهر فيها كلادن ولا المنيوم اصلا وين البنية التحتية صرف صحي وكهرباء ومياه

    نظيفة متى ومتى يكون لنا بلد اى مدن مثل باقي الدول العربية على الاقل حتى نفتخر به معقول البلد كلها عشوائية وين كانت الحكومات وقتها بالله عليكم يجوا خبراء اجانب عشان يخططوا لاعادة التدوير قالوا ما ممكن والا يكسروا الخرطوم كلها الدول الاخرى عندما تنتقل من مدينة لاخرى كل واحدة اجمل من التانية اما نحن حتى العاصمة تبكي على حالها على العموم لن نعيش اكثر بقى في العمر قليل ولكن نتمنى ومن كل قلبي ان تنعم الاجيال القادمة بوطن الرفاهية والامن والامان حتى لا يعانو مثلنا قولوا امين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..