عوامل أفسدت طعم الفوز الرئاسي الأميركي!

اتسم فوز باراك أوباما بمنصب الرئاسة في المرة الأولى بالأمل والطموح إلى التغيير. لكن ستكون ولايته الثانية مشحونة بالمخاطر والعجز، بحسب The Economist. لماذا؟ الإجابة في ما يلي.

خلال السنة المقبلة، سيدرك الأميركيون أن الانتخابات الأخيرة لم تحل شيئاً من المشاكل، رغم احتدام الجدل حول حجم الحكومة الفدرالية المناسبة ووظائفها وطريقة تمويلها.
أطلق الرئيس باراك أوباما وعوداً طموحة للغاية خلال حملته الرئاسية الأولى، فتعهد مثلاً بوقف الاحتباس الحراري وتحويل العاصمة واشنطن إلى مكان دافئ يضم الحزبين معاً. لكن هذه المرة، اكتفى الرئيس بتحديد أهداف متواضعة استناداً إلى الخبرة التي اكتسبها خلال ولايته الأولى. فقد تعهد مثلاً بزيادة نسبة إنتاج النفط المحلي وإبطاء معدلات تضخم أقساط الجامعات.
لا شك في أنه سيكشف عن بعض السياسات التي تمهد لتحقيق تلك الغايات وقد تحصل تلك السياسات على موافقة الكونغرس أيضاً. ولكنه سيركز حتماً، خلال سنته الخامسة في الحكم، على معالجة الفوضى المالية التي غرقت فيها الولايات المتحدة.
يبرز جانبان من المشاكل المالية الأميركية. أولاً، ظهرت مشكلة «المنحدر المالي»، وهو خليط من الزيادات الضريبية وتخفيضات الإنفاق وسيسري مفعولها اعتباراً من بداية عام 2013. عملياً، لا أحد يريد تطبيق هذه التدابير لأن العواقب الاقتصادية ستكون سيئة. لذا قد يعمد الكونغرس المنتهية ولايته أو الكونغرس المقبل إلى إلغائها أو تأجيلها. لكن تبرز ناحية ثانية من المشكلة المالية: لا بد من معالجة العجز الأميركي الهائل وقانون الضرائب الشائب والإنفاق المتضخّم على «الاستحقاقات» على المدى الطويل، في إشارةٍ إلى برنامج الرعاية الصحية وخطة التقاعد اللذين وضعتهما الحكومة. أثناء محاولة تجاوز عواقب المنحدر المالي، قد يتعهد السياسيون بكل بساطة بالسيطرة على هذه المشاكل من خلال تحديد مهلة نهائية مزيفة أخرى تمتد على فترة سنة.

صفقة كبرى

أمضى أوباما وقادة الجمهوريين في الكونغرس أكبر جزء من السنتين الماضيتين وهم يتناقشون حول «صفقة كبرى» لتخفيض العجز، لكن من دون التوصل إلى أي نتيجة. أراد أوباما فرض زيادة ضريبية مهمة، إنما فضّل الجمهوريون تعميق تخفيضات الإنفاق. اعتبر الرئيس زيادة الضرائب على الأثرياء ورفع الإنفاق في مجالات مثل البنى التحتية والتعليم محور حملة إعادة انتخابه. في المقابل، دعا الجمهوريون إلى تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق في قطاع الدفاع وتعميق التخفيضات في جميع المجالات الأخرى بما يفوق ما يمكن أن يتحمّله معظم الديمقراطيين.
سيعتبر أوباما أن فوزه واستمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ يعكسان نسخته الخاصة عن طريقة تخفيض العجز. لكن أنتجت الانتخابات فعلياً نتائج مختلطة: فاز أوباما بأصوات الناخبين بفارق ضئيل وحافظ الجمهوريون على غالبية المقاعد في مجلس النواب.
فضلاً عن ذلك، ترسخت النزعة الحزبية خلال مؤتمرات الجمهوريين والديمقراطيين معاً بسبب تقاعد الأعضاء الوسطيين (بشكل إجباري في بعض الحالات). لا شك في أن الفريقين سيرفضان التنازل. سيعتبر الجمهوريون أن أي زيادة ضريبية ستزيد الأعباء على الاقتصاد من دون جدوى، وستكون أي زيادة في الإنفاق (حتى لو نجمت عن تخفيضات كبرى في مجالات أخرى) طريقة لمضاعفة الدين العام بحسب رأيهم. نتيجةً لذلك، ستكثر المشاحنات وستترسخ سياسة حافة الهاوية التي اجتاحت واشنطن خلال آخر سنتين من ولاية أوباما الأولى.
في النهاية، ستعود المفاوضات إلى مسارها المعهود والبغيض، كما كان الوضع قبل الانتخابات. سيُطلَب من الجمهوريين أن يتقبّلوا زيادة العائدات، ولو حصل ذلك على شكل تعديل في القانون الضريبي من شأنه تخفيض المعدلات تزامناً مع التخلص من الثغرات. في المقابل، من المتوقع أن يوافق الديمقراطيون على تخفيضات في برنامج «ميديكير» (برنامج الرعاية الصحية الذي أطلقته الحكومة الفدرالية لصالح المسنين)، فضلاً عن فرض تخفيضات في الضمان الاجتماعي (نظام التقاعد الحكومي). ستكون هذه التعديلات مقبولة نسبياً وقد تشمل إصلاح طريقة توفير خدمات برنامج «ميديكير» وتغييراً في مؤشر الضمان الاجتماعي مقابل التضخم.

مناورة

نظرياً، لا يملك الجمهوريون دوافع حقيقية كي يعارضوا أي صفقة بما أن أوباما لن يترشح للرئاسة مجدداً، وبالتالي هو لا يستطيع استغلال أي اتفاق خدمةً لمصالحه الانتخابية. لكن ثمة من يرغبون في تقليص حجم الحكومة الفدرالية لدرجة أنهم قد يجعلون نشاطاتها كلها رهينة لهم إلى أن يحققوا ذلك الهدف. في المقابل، يخشى البعض الآخر التحديات الأولية الناجمة عن تلك المناورة.
يستعد ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي (زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ) لخوض حملة إعادة انتخابه في عام 2014. لكن يجب ألا نتوقع منه إظهار شجاعة سياسية حين تُطرَح تسوية مثيرة للجدل على التصويت. فتعنّت الجمهوريين في ملف الضرائب هو الذي أخفى قلة مرونة بعض الديمقراطيين في ملف الاستحقاقات.
في النهاية، لا بد من وجود ضغوط خارجية للتوصل إلى اتفاق فعلي. فشل الناخبون في توفير هذا النوع من الضغوط في شهر نوفمبر. لكن ستتمكن الأسواق من سد ذلك الفراغ كي تمارس ضغوطها الخاصة في مرحلة معينة. لا شك في أن عدم الالتزام بمهلة نهائية أخرى في أي اتفاق خاص بتخفيض الدين (لا سيما إذا ترافق الأمر مع عواقب تشبه «المنحدر المالي») سيؤدي إلى انهيار البورصة. سيكون ذلك الوضع كفيلاً بزعزعة أعضاء الكونغرس أكثر مما يمكن أن تفعل نتائج أي انتخابات شائكة.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..