فصل الأخلاق عن الدين و السياسة (2)…

أيها الضمير أنت الغريزة الالهية و الصوت العلوي الذي لا يفني…
أنت الهادي الأمين لكائن جاهل ناقص و لو أنه عاقل و حر…
أنت الحاكم المعصوم الذي يحكم علي الأعمال بالخير و الشر جاعلا الانسان أشبه باله…
و بفضلك كمال طبيعته و تخلقه و اعماله…
(روسو).

في المرة السابقة تطرقنا الي أهمية قضية فصل الأخلاق عن الدين و ذلك بغرض اعادة التعريف أو الاتفاق علي الأقل علي مفهوم لمصطلح الأخلاق و من ثم محاولة عقلنتها رغم أن هذا يبدو للوهلة الأولي من عاشر المستحيلات. لأن الاختلاف حول هذا الأمر لا ينحصر بين اليمين و اليسار فقط و انما يتعداهم الي اختلاف داخل المدارس اليسارية نفسها.
لمذيد من الشرح و التبسيط حول هذا الأمر فانني أزكر هنا أن الدعوة الي فصل الدين عن الاخلاق تنقسم الي اتجاهين عريضيين أحدهما و هو ما أنطلق منه و يعبر عنه الفيلسوف الفرنسي المعاصر ليكلوي متصالح في العموم مع الأديان و يدعو الي اقامة مقاربة عقلانية بين المفاهيم الفلسفية و الروحية و التاريخية للدين المعني من أجل تعريف الأخلاق. أما الاتجاه الاخر فيضع نفسه خارج الأطر الدينية في مقاربته للأخلاق و هو ينقسم بدوره الي عدة توجهات فلسفية أكثرها تطرفا هو المدرسة النيتشوية.
لكن الأكثر أهمية بالنسبة لي من هذا النقاش الأكاديمي الصفوي العقيم هو تنزيل تلك القيم الأخلاقية علي أرض الواقع و غرسها في جميع فئات المجتمع.
ان الدين الاسلامي في العصر الراهن تحول الي نظام للمحرمات و المحللات و الشعارات السياسية الجوفاء و المغالطات الفقهية التي يمكن أن تصل الي حد التكفير و أهمل الفقهاء و رجال الدين ربما لجهالة جانب القيم الأخلاقية تماما رغم أن النبي الكريم كان علي خلق عظيم.
كما أن كثير من رجال الدين و عامة المسلمين يعتقد أن الخلق الكريم هو عدم الزنا و شرب الخمر و التي تندرج تحت قائمة المحرمات التي لا تنقض ايمانا فكيف يراد لها أن تلبس لبوس الأخلاق مثل قيم الحب و الصدق و عدم الأنانية.
لذلك حريا بمن يدعي أن الأخلاق مصدرها الوحيد هو الدين أو الاسلام أن يتمثلها و ينادي بغرسها أولا علي أرض الواقع ليكتسب بعض المصداقية قبل الدخول في مماحكات مع اليسار.
في الجانب المقابل فان اليسار السوداني ظل قابعا في محطة الهيقيلية القديمة و النيتشوية المتطرفة و الكانطية المتعقلة علي أن أحسن الأحوال في مبحث قضية الأخلاق علي مستوي الأفراد. كما ظل بعض منهم يستخدم قضية الأخلاق كدعامة أساسية لمسألة الالحاد العقلاني و مشروع العلمنة الشاملة في حربهم الأبدية مع همجية الاسلام السياسي.
لكني أيضا أري و أعتقد أنه من الأولي لهذه التيارات اليسارية ان كانت من دعاة الكانطية الي عقلنة هذه الأخلاق أولا و الدعوة بتنزيلها و تلبسها قبل حسم قضية العلمنة السياسية و العلمنة الشاملة. بل أن بعض الاسلاميين يعتقد أن قضية عقلنة الأخلاق تعتبر أخطر و اخر مراحل العلمنة الشاملة. أما اذا كان هؤلاء الرفاق من من أتباع المدرسة النيتشوية فانه يستوجب علي تركهم علي ما هم فيه من عزاب مقيم.
كما أحمل أيضا علي اليسار السوداني عدم افراد مساحة كافية للخطاب الانساني و قضايا الفلسفة في أدبياته المختلفة اذ أن الساحة السودانية تكاد تخلو تماما من أي انتاج فلسفي محلي و لا نزال ندور في فلك الاستهلاك.
النهضة الغربية و الثورة الفرنسية ما كانت لتقوم لها قائمة قبل أن يحسم روسو و من معه انذاك قضية الأخلاق الوقتية و وضع تصور عقلاني زماني لها في شكل عقد اجتماعي فريد.
أما الثورات التي تنبع من رحم الاحباط و الضائقة المعيشية و لا يتقدمها و يؤطر لها فلاسفة وطنيون و مفكرون انسانيون لتعبيد الطريق فمصيرها هو الدمار و الفشل و الخراب.
كنت قد طرحت في وقت سابق أهمية صياغة مشروع أخلاقي انساني اجتماعي سياسي وطني سوداني كضمانة و ديمومة و فاعلية لعملية التغيير و لكنني الان أري أنه بدون التوصل الي مثل ذلك المشروع فانه يستحيل علينا الدخول في مرحلة التغيير و التنوير و النهضة.
نحن كسودانيون فشلنا في الاتفاق أو في تقديم أطروحة سودانية حول قضية أساسية مثل مسألة الأخلاق فكيف سنتفق علي بناءات أكثر منها فوقية مثل قضايا المجتمع و الحكم و غيرها.
لذلك بالاضافة لقضايا الحوار الوطني الدستوري و المجتمعي المطروحة في الساحة فأنا أنادي بضرورة اجراء حوار فلسفي أخلاقي بين كافة التيارات الفكرية السودانية و أقدم في هذا الاطار المشروع الأخلاقي الانساني في مواجهة المشروع الحضاري العالمي للاسلام السياسي الذي سقط أخلاقيا شر سقطة.
أيضا المطلوب من كل هذه التيارات المختلفة في الساحة السودانية الارتفاع بمستوي الصراع حول الأخلاق و نشأتها الي درجة التنافس في التحلي بكريم خصالها و الدعوة اليها.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الأخ الدكتور

    سعدت مساءا

    تطلعت الى أستمتع بوجبة علمية دسمة و لكني وقفت عند “لمذيد” فلا تجوز مثل هذه الأخطاء الإملائية، فإنها تقدح في التأهيل الأكاديمي فاللغة و سيلة و اجادتها و لو على الحد الأدنى سمة طلاب العلم و العلماء.

  2. شكلك فاضى و ما عندك حاجة تعملها، شابكنا الفيلسوف الفرنسي المعاصر ليكلوي و كانط و نيتشة و غيرهم،
    فى اسلامنا غنى عن كل من ذكرتهم من فلاسفة، و لا نحتاج اليهم
    لو طبقنا نحن المسلمين منظومة أخلاقنا الاسلامية حق تطبيقها فلن نحتاج الى غيرها من فلسفات مستوردة.

  3. مشكلة محاولة تناول قضايا متعلقة بالطبيعة الانسانية من ناحية فلسفية فقط هو البعد -في الغالب- عن الطبائع البشرية بإختلافاتها وتغليب طابع بشري معين -ما يعتقده او يتصف به صاحب الفكرة في الأغلب- على أي طابع آخر. و بالتالي ستنبني النظرة الفلسفية على أمر يستحيل واقعياً.

    فماركس غلب عليه التعاطف مع الضعفاء فكانت كل فلسفته ومنظومة أفكاره تقوم على مناصرة الضعفاء حتى صار النجاح -مادياً أو غيره- هو مناقض لدى مُتبعي الفكر للقيم الماركسية مما أدى للتعارض مع غريزة الانسان وطموحه في النجاح المادي وغيره، فإنهارت نتيجة لذلك منظومات الفكر الاشتراكي من داخلها لتنافرها مع هذه الطبيعة الانسانية حيث ظهر التناقض واضحاً في أفعال معتنقي الفكرة حين نجحوا وتمكنوا.

    وبالمقابل ظهر الفكر النيتشوي الذي رأى أن رحلة الإنسانية ما هي إلا لإيجاد البشر السوبر في نهاية الأمر وأن كل رحلة الحياة البشرية ما هي إلا تمهيد لظهور هذا النوع الانساني السوبر في النهاية. فكانت فلسفته -على عكس ماركس- تعتمد على تغليب السوبرمن (القوي) على السابمن (الضعيف) وكان نقده للمسيحية من هذا الباب حيث رأى فيها وتسامحها إنتصاراً لفكر الجنس البشري الضعيف على عكس العهد القديم الذي لم يخفي إعجابه به حتى إتهمه البعض بأن فكره كان أساساً للفكرة الصهيونية. وأًشير هنا الى أن فلسفة نيتشة في حد ذاتها تختلف عن الفكر النيتشوي الذي إنتشر بعد وفاته – حتى لا نظلم الرجل حيث أن أفكاره لا زالت مصدر إختلاف بين مؤيديه ومعارضيه.

    ورغم أن الفكرتين قامتا على فلسفة (إنسانية) وكلاهما إدّعتا توفير ما يُصلح هذه الأنسانية إلا أن كلاهما أنحصر في جوانب إنسانية معينة وأهمل الأخرى ففشل.

    ولو نظرت الى معظم المدارس الفلسفية لوجدت نفس المعضلة، وأعتقد أن هذه نتيجة طبيعية لحقيقة أن الفيلسوف -كإنسان- يبني أفكاره بناءاً منظومة افكاره وقناعاته وتجاربه التي إطلع عليها فقط. ورغم أن بعض الفلاسفة حاولوا إستصحاب التجارب الانسانية -فلسفية وغيره- فكان حظهم أفضل من غيرهم ولكن إستحال دائماً إيجاد المعادلة السحرية المُحصية لكافة الطبائع البشرية حتى تستطيع أن تصبح برنامجاً عملياً واقعياً بدلاً عن كونها فلسفة بعيدة عن أرض الواقع. وأنا لست ضد الفلسفة بالمناسبة وأؤمن بأن الفلسفة هي من أهم بوابات المعرفة، ولذا ظهر مؤخراً ما يُسمى بفلسفة العلم، ولكن من المهم جداً عدم نسيان حدود الفلسفة وعدم تصور أنها تستبدل منظومة العلوم الأخرى أو حتى الدين!

    وأما بالنسبة لقضية الدين فهناك خطاء شائع عند أصحاب التحليلات الفلسفية يكمن في وضع الاديان كلها في كفة واحدة بعيداً عن الفروقات بينها، وبالتالي يُسقطون نظرات فلسفية قامت على واقع ديني معين لتعميمها على جميع الاديان وهو خلل واضح في التعاطي مع الامور بواقعية قد ينتج عن كسل معرفي يستسهل البناء فوق موجود أو قد ينتج عن تأثر فعلي بمدرسة فلسفية دون غيرها. فعندما يضع شخص ما منظومة فكر فلسفي لمجتمع يدين غالبيته بالاسلام لا يصح عندها الاعتماد فقط على موروث فلسفي قام -مثلاً- في إطار دين يعطي فيه الكاهن صك دخول الجنة ويعتبر الملك فيه صاحب تفويض مباشر من الإله، حتى وإن نجح هذا الموروث الفكري في مكان و زمان آخر لتوافقه مع معطيات ذاك الزمان والمكان. ومعروف علمياً أن تحديد المشكلة بدقة هو معظم الحل وأن هناك أشياء يُمكن أن تُعمم وأشياء أخرى لا يجوز فيها التعميم إن إختلفت معطيات المشكلة.

    أخيراً، لماذا كان طرحك في النهاية للتخيير فقط بين مشروع أخلاقي إنساني مقابل المشروع الحضاري للإسلام السياسي، رغم أن العنوان مرتبط بالدين عموماً وليس الاسلام السياسي فقط؟ هل المشروع الاخلاقي بالاسلام وفق تصورك هو نفسه المشروع الاخلاقي للاسلام السياسي؟ وفي حالة النفي -واعتقد انه سيكون جواب كل من يعرف ابسط قواعد الاسلام- فما هو المشروع الاخلاقي في الاسلام ولماذا ترى أنه يختلف عن مشروعك الاخلاقي الانساني بل ويقل عنه حتى تريد أن تستبدله في مجتمع غالبيته العظمى من المسلمين.

    أنا لست إسلامياً بالمعنى المتداول -الاسلام السياسي- ولكني أرى أن من يعطي اهل الاسلام السياسي شرعية تمثيلهم للإسلام لا يقل في جرمه عن جريمة أهل الاسلام السياسي أنفسهم!

    عموماً حتى يتضح الأمر أكثر، أرجو أن تتكرم وتشرح لنا ما هو تصورك للمشروع الاخلافي في الاسلام -وليس الاسلام السياسي- وبعد ذلك يمكن أن يفهم القارئ بصورة أفضل أسباب دعوتك للفصل بين الدين والاخلاق، مع ملاحظة أن الفرق بين الحلال والحرام وبين القضايا الاخلاقية والمعاملة واضح بالاسلام ولا اعتقد أن الخلط الذي تحدثت عنه هو معضلة واقعية تحتاج في حلها الى فصل الدين عن الاخلاق! وكذلك معضلة عدم تطبيق الاخلاق الاسلامية لا يُحل بتركها أو إستبدالها بل على النقيض يُحل بالتعريف والتذكير بها.

    وأتفق معك تماماً في أن رفعة الاخلاق تتطلب التركيز على تطبيقها في النفس أولاً بدلاً عن جعلها مجرد معتركات فكرية، وأرى هذا القصور في نفسي أكثر من غيري رغم أن ديننا الحنيف يأمرنا بألا نتحدث بما لا نفعل. ولولا وجود من يتستر خلف الافكار النبيلة لنشر أفكار مريضة -وأتحدث هنا عن الإلحاد الذي صارت الدعوة اليه لا تخفى على ذي بصيرة من خلال مجموعة معلقين بالراكوبة- لما تجرأت وكتبت تعليقاتي هذه ولأنشغلت بإصلاح نفسي والمصائب التي اعرفها فيها، ولكن الخطر كبير يا دكتور لذا لا زلت أرى أن واجب كل مفكر -وخصوصاً الآن مع ما يحدث واقعياً- هو عدم السماح لهذه لفيروسات الفكرية أن تتخذ من فكرته وسيلة لنقل العدوى وأن يُراعي أختلاف مستويات قرائه -طالما أنه يكتب بمنبر عام وليس منتدى علمي- ويحرص على أيضاح فكرته بصورة لا تُتيح لأي صاحب غرض خبيث من إتخاذها ستاراً لأجندة أخرى.

    وتقبل أحترامي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..